لا شيء في اعتقادي يهدد مصير أي وطن سوي جمود الفكر تحت رايات الأنانية الحزبية والطائفية والمذهبية. أريد أن أقول: إن استمرار حالة الارتباك والجدل العقيم بين مختلف القوي السياسية المصرية قد أسهمت في تغييب المفاهيم الصحيحة خلف جدران المفاهيم الغامضة, وأدت إلي شيوع منهج التشبث بالرأي والانغلاق بعيدا عن روح واستحقاقات التغيير المنشود. ومن الطبيعي في ظل هذا الاستقطاب الفكري الحاد أن تنتعش قوي التطرف في مختلف الفصائل حيث يجري الترويج والادعاء من جانب كل فريق بأنه وحده الذي يملك كل الحقيقة وأن أي رأي لا يتفق مع نظرته للأمور يصب في إحدي قناتين إما قناة الموالاة للسلطة في الداخل.. أو قناة العمالة للخارج! وفي ظل هذا الخلط المعيب أصبح من الصعب التمييز بين الوجوه الحقيقية والأقنعة الزائفة تحت طوفان الاتهامات الذي يشمل الجميع.. بل يؤذي الجميع دون استثناء! لقد أصبحنا للأسف الشديد فئات وشرائح وأحزابا ونخبا ومواطنين ضحايا لعملية تجاذب بين مشروع يتستر بعباءة الديمقراطية, ومشروع يرفع رايات التكفير لكل ما يخالفه الرأي ومشروع يحذر من مخاطر الهجمة الأجنبية التي تريد صناعة الفوضي وإسقاط الأمة وليس مجرد إسقاط الأنظمة, ويحذر أيضا من مخاطر ابتلاع الطعم الأصولي وما يمكن أن يترتب عليه من ردة انغلاقية تعود بالوطن إلي الوراء! ورغم أن المشروع الثالث يتحرك علي استحياء وهو الأخفت صوتا فإنه يكتسب قدرا من المصداقية بوضوح موقفه من الهجمة الأجنبية ودعوته الواضحة إلي حماية الحضارة المصرية من ردة الجهالة الأصولية, وبما يهيئ الأوضاع لتحرك جاد نحو ديمقراطية حقيقية تنهي أي مظاهر من مظاهر الاستبداد ودعوات الإقصاء والتمييز! وفي اعتقادي أنه قد آن الأوان لصحوة فكرية تنتصر للديمقراطية التي تستوعب كل التيارات الفكرية كخيار تريده جماهير الشعب بإرادتها الحرة المباشرة, لأن مثل هذه الديمقراطية الصحيحة لن تزيح عن مصر عورة الاستبداد فحسب.. وإنما هي التي ستحمي مصر من رياح التدخل الأجنبي. بوضوح شديد أقول: إن الديمقراطية الحقيقية النابعة من إرادة ذاتية لمصر هي وحدها القادرة علي تأمين الطموح الديمقراطي المشروع وحمايته من أية أجندات خارجية أو الارتداد الأصولي اللذين يشكلان الخطر الحقيقي علي حاضر ومستقبل هذا الوطن.