حزب الجبهة الوطنية يعلن تشكيل أمانة البيئة والتنمية المستدامة    عمرها 16 عاماً ووالديها منفصلين.. إحباط زواج قاصر في قنا    استمرار تدريبات خطة النشاط الصيفي بمراكز الشباب في سيناء    قانون العمل الجديد يصدر تنظيمات صارمة لأجهزة السلامة والصحة المهنية    الرئيس الإيراني: العدوان الإسرائيلي الأمريكي ضربة لنظام منع الانتشار النووي    واشنطن تؤكد لمجلس الأمن: استهدفنا قدرات إيران النووية دفاعًا عن النفس    شيخ الأزهر ينعي فتيات «كفر السنابسة» ضحايا حادث الطريق الإقليمي    على مدار 80 عامًا.. توثيق أدبي لجرائم الاحتلال الإسرائيلي    «ملوش علاقة بأداء الأهلي في كأس العالم للأندية».. إكرامي يكشف مفاجأة عن ريبيرو    انتداب المعمل الجنائى لفحص حريق بمول شهير في العبور    "أحذية متناثرة ومج حراري".. مشاهد موجعة من موقع حادث بنات العنب في المنوفية (صور)    أحمد كريمة ينفعل بسبب روبوت يقوم بالحمل ورعاية الطفل خلال ال9 أشهر| فيديو    ماذا نقول عند قول المؤذن في أذان الفجر: «الصلاة خير من النوم»؟.. أمين الفتوى يجيب    هل عدم الخشوع في الصلاة يُبطلها؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة الازهر تشارك في المؤتمر الطبي الأفريقي Africa Health ExCon 2025    البحيرة تستعد للاحتفال باليوم العالمي للتبرع بالدم    التأمين الصحي يشارك بمؤتمر الاستثمار الأفريقي ويستعرض المحاور الاستراتيجية    مدارس البترول 2025 بعد الإعدادية.. المصروفات والشروط والأوراق المطلوبة    بعنوان "الحكمة تنادي".. تنظيم لقاء للمرأة في التعليم اللاهوتي 8 يوليو المقبل    أمانة الحماية الاجتماعية ب«الجبهة الوطنية»: خطة شاملة بأفكار لتعزيز العدالة الاجتماعية والتمكين الاقتصادي    الأردن يعزي مصر في ضحايا حادث الطريق الإقليمي    جيش الاحتلال يصيب 4 فلسطينيين بالضفة    ترامب: من الممكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار بغزة خلال أسبوع    ترامب: سنتوصل إلى اتفاق بشأن غزة الأسبوع المقبل وإيران ترغب في عقد اجتماع معنا    حسام الغمري: «الاختيار» حطم صورة الإخوان أمام العالم (فيديو)    "العش" سر تأخير انتقال عمرو الجزار وبن شرقى من غزل المحلة إلى البنك الأهلى    إنبى يخطط للتعاقد مع مهاجم مغربى لتعويض رحيل أوفا    فوز منتخب مصر 1 على منتخب مصر 2 ببطولة أفريقيا للطائرة الشاطئية    بعد توقيعه ل الأهلي.. الزمالك يتحرك لحسم أولى صفقاته الصيفية (تفاصيل)    عبداللطيف: الزمالك يحتاج إلى التدعيم في هذه المراكز    عمرو أديب: الهلال السعودي شرَّف العرب بمونديال الأندية حقا وصدقا    نجم الزمالك السابق: الأهلي يرفع سقف طموحات الأندية المصرية    أسعار الفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض في الأسواق اليوم السبت 28 يونيو 2025    رسميًا بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 28 يونيو 2025    التعليم تكشف تفاصيل جديدة بشأن امتحان الفيزياء بالثانوية العامة    مقتل شاب على يد ابن عمه بسبب الميراث    ملخص حادث الإقليمى المفجع.. الميكروباص تحرك ب 18 عروسا ورجعن في نعوش    وزير العمل: سنتخذ إجراءات لمنع تكرار حادث الطريق الإقليمي    استمرار الأجواء الحارة والرطبة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم والشبورة صباحًا    مصرع صياد وابنه غرقا في نهر النيل بالمنيا    عمرو أديب عن حادث المنوفية: «فقدوا أرواحهم بسبب 130 جنيه يا جدعان» (فيديو)    عماد الدين حسين: إيران وحدها من تملك الحقيقة الكاملة بشأن ضرب المنشآت النووية    ستجد نفسك في قلب الأحداث.. توقعات برج الجدي اليوم 28 يونيو    الصحف المصرية: قانون الإيجار القديم يصل إلى محطته الأخيرة أمام «النواب»    لحظة إيثار النفس    «زي النهارده».. وفاة الشاعر محمد عفيفي مطر 28 يونيو 2010    قصة صراع بين الحرية والقيود| ريشة في مهب التغيير.. الفن التشكيلي بإيران بين زمنين    المخرج الهندي راكيش أوبدهياي يُهدي العالم رسالة حب بعنوان "DIL se" ويُشعل السوشيال ميديا برسالة إنسانية مؤثرة    أسعار الذهب اليوم وعيار 21 الآن عقب آخر تراجع ببداية تعاملات السبت 28 يونيو 2025    فصل الكهرباء عن قرية العلامية بكفر الشيخ وتوابعها اليوم لصيانة المُغذى    تريلات وقلابات الموت.. لماذا ندفع ثمن جشع سماسرة النقل الثقيل؟!    لماذا صامه النبي؟.. تعرف على قصة يوم عاشوراء    مصر تفوز بعضوية مجلس الإدارة ولجنة إدارة المواصفات بالمنظمة الأفريقية للتقييس ARSO    أمانة التجارة والصناعة ب«الجبهة الوطنية» تبحث خططًا لدعم الصناعة الوطنية وتعزيز التصدير    طفرة فى منظومة التعليم العالى خلال 11 عامًا    فنانة شهيرة تصاب ب انقطاع في شبكية العين.. أعراض وأسباب مرض قد ينتهي ب العمى    اعرف فوائد الكركم وطرق إضافتة إلي الطعام    تعرف على موعد وفضل صيام يوم عاشوراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنهم يكرسون للطائفية
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 04 - 2013

سعت الثورة المصرية لأن تصبح وبا متياز- تعبيرا جليا عن أفق مغاير, حداثي الطابع, ينتصر لكل ما هو إنساني, ووطني, ونبيل, وحر, وتقدمي, يحتفي بقيم العلم, والاستنارة, والحداثة, والإبداع
ولذا فقد لخصت القريحة الشعبية المتوهجة كل الأماني والأحلام المصرية الطامحة إلي غد أكثر عدلا, وإنسانية, في ذلك الهتاف التاريخي الشهير: عيش/ حرية/ عدالة اجتماعية.
غير أن واقع الحال بعد الثورة قد سار في اتجاهات غير التي أرادها المصريون, وبدلا من التكريس للتلاحم الوطني, أصبح الانقسام والتفتت طابعين مؤرقين لأي مثقف مخلص لناسه وشعبه, كما أصبحنا أمام محاولات ممجوجة للتكريس للوعي الماضوي, أملا في تسييد أفكار وتصورات رجعية تجافي الطابع الحضاري للأمة المصرية بتنوعها الخلاق, وروحها المتجددة, والأدهي والأمر أننا بتنا أمام محاولة مشبوهة للتقسيم الطائفي للمجتمع, بدأت بتغييب قيم المواطنة, وانتهت بالسماح المخزي بتوظيف الشعارات ذات الطابع الديني في الانتخابات, وكأننا أمام فرز طائفي جديد, يعادي المرتكزات التي ترتكن عليها الدولة المدنية الوطنية المصرية بتراثها الحضاري العريق, وتراكمها المعرفي المؤمن بقيم العدل, والتسامح, والمساواة.
لقد كان استحداث مجموعة من الأحزاب علي أساس ديني تكريسا عمديا للطائفية داخل النسيج المصري, وبما يعني أن ثمة خطرا قد تشكل في الأفق, ويهدد البنيان الاجتماعي ذاته, ويقوضه, فأصبحنا وباختصار- أمام مجموعة من الأوضاع المرتبكة والمأزومة علي كافة المسارات سياسيا, وثقافيا, والأدهي حالة التمزق التي أصابت البنية الاجتماعية جراء التقسيم الذي صنعته السلطة الحاكمة وامتداداتها داخل جماعات الإسلام السياسي, والتي صنعت من نفسها بديلا لفكرة الوطن, معتقدة أنها قادرة علي استيعابه, وتطويعه وفقا لتصوراتها الخاصة, ذات الأفق الأحادي, ضيق المعني والحيز, والدلالة, والتي تؤسس لدولة المرشد, التي نرفضها شكلا وموضوعا, وتقصي الدولة المدنية الوطنية الحديثة التي نتمناها.
لقد بدا منح مظلة تشريعية لاستخدام الشعارات الدينية تحولا تدريجيا إلي دولة المرشد والتي هي بمثابة المسمي الآخر لدولة ولاية الفقيه, وبما يعني أن حالة الانقضاض علي الدولة المصرية علي أشدها الآن, خاصة أن في الفرز الطائفي تقسيما بغيضا للأمة, وتفتيتا لتلاحمها, وضربا لفكرة المواطنة ذاتها, بوصفها الفكرة المركزية في بنية الدولة المدنية الحديثة. إن المدقق في المشهد السياسي المصري الراهن, يدرك وبلا مواربة- أن مسلك الجماعة الحاكمة الآن تحاول إحلال فكرة الجماعة ذات الأفق الأحادي الضيق, محل فكرة الوطن ذات الأفق المتسع, والفسيح.
لقد سارت حالة التكريس للطائفية في مسارات مختلفة, فتارة تتخذ صيغة تشريعية تمثلت في إلغاء حظر استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات, وتارة أخري تنطلق من التصور الفكري القار في أدبيات جماعات الإسلام السياسي, ولدي أفرادها, حيث يعتقدون أنهم ملاك الحقيقة المطلقة, وأنهم وحدهم الحق, وأن ما عداهم هو الباطل, في تزييف عمدي للفكرة الإنسانية ذات الطبيعة النسبية, فضلا عن أن الرجال يعرفون بالحق, ولكن الحق لا يعرف بأحد, بل يدور المخلصون في ركابه حيثما دار, ولا يزعمون أنهم ملاكه الوحيدون! وتارة ثالثة عبر الممارسة الفعلية لتيار الإسلام السياسي, خاصة حين تخرج علي لسان بعض شيوخه تصريحات تهاجم الأقباط, والليبراليين, واليساريين, وكل المختلفين معهم, انطلاقا من مقولة سابقة التجهيز, مفادها: من ليس معي فهو ضدي, واضعين الناس في خنادق معدة سلفا, لا يغادرونها إلا بأوامر من الجماعة, ووفق صكوك جديدة, يراد لنا أن نتجرع مرارتها, وتسلطها, واستبدادها المخزي!
ليس من حق أحد أيا من كان ان يجعل من نفسه وصيا علي البشر, قامعا لتصوراتهم الفكرية, ومقصيا حقهم في التنوع, والاختلاف, والمساءلة, بوصفها قيما مضافة, وثابتة, وأصيلة, تنهض بها الأمم والمجتمعات, وترتقي عبر تفعيلها, فتصنع غدها الذي تحلم به, مسكونا بالكرامة والحرية, وساعيا إلي العدالة الاجتماعية, ومنحازا إلي البسطاء والمهمشين.
نحيا الآن ظرفا دقيقا ومعقدا سياسيا وثقافيا, تسعي فيه جماعات الإسلام السياسي إلي الهيمنة علي مقدرات الدولة المصرية, موظفة المناخات الفاسدة التي خلفها نظام مبارك, ومشكلة لصيغة من التحالف المشبوه ما بين الرجعية والفساد, ومتجاهلة إرثا حضاريا تراكميا صنعته الأمة المصرية بهويتها الوطنية الجامعة, ومحاولة قمع معارضيها من دعاة الدولة الوطنية المدنية الحديثة, ومفجرة لصدامات مختلفة ناتجة عن الإقصاء العمدي للقوي النابضة والحية في المجتمع المصري, ومكرسة لسياق من الحكم القبلي العشائري, يعتز ب الأهل والعشيرة أكثر من احتفائه بقيمة المواطنة, ومن ثم فلابد من استعادة مفاهيم الدولة المدنية بتجلياتها الوطنية, والدستورية, وبأفقها اللانهائي من العدل, والكرامة, والحرية, وسعيها المتجدد, والمستمر إلي التكريس لإنسانية الإنسان.
وبعد.. لن يقوي أحد علي مغالبة البهية الجميلة مصر, ولا ابتلاعها, ولن يمكن لأحد أن يقمع أصوات الحرية داخلها, أو أن يكمم أفواه ناسها, لأن جدران الصمت قد شقت, وحواجز الخوف انهارت, ولم يعد من سبيل سوي أن يستكمل المصريون أهداف ثورتهم.
لمزيد من مقالات د.يسرى عبد الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.