الإنسان كائن متغير.. مقوله نعلمها جميعا, فشكل الطفل اليوم لن يكون نفسه عند البلوغ, ولا عند الشباب ولا في شيخوخته, إلا أن ما أكده الدكتور دانيال جيلبيرت أستاذ علم النفسي في جامعة هارفارد الأمريكية أن الإنسان لا يتغير في شكله وحسب بل في صفاته, في ميوله, فيما يحب وما يكره. وقال جيلبيرت في بداية حديثه لصحيفة لوس أنجلوس تايمز: كثيرا ما نسمع مراهقا في سن ال14 عاما يقول عن الموسيقي التي يحبها أنه سيستمر في عشقه لها طوال عمره, كثيرا ما سمعنا أنفسنا نتحدث عن الأبدية المطلقة فيما يتعلق بهوياتنا, والرياضة التي نمارسها وحتي الأشخاص الذين نسمح لهم بتكوين دائرة علاقاتنا الإنسانية, ولكن حقيقة الأمر أن هذه الأبدية ليست حتمية, فلو أننا تذكرنا قليلا ما كنا نفضل في صغرنا ونلاحظ ما نحب وما نكره الآن لأدركنا أننا نتغير بشكل أعلي بكثير مما كنا نتوقع. ويروي جيلبيرت عن بداية اهتمامه بدراسة التغيرات التي يمر بها الإنسان, فقال: كنت أبحث في مكتبتي عن بعض المراجع, لأفاجأ بكم كبير من اسطوانات المغني ميلز دافيز, كم كبير جدا يشغل مساحة لا بأس بها من المكتبة, وبالتأكيد أنفقت علي شرائها الكثير من الأموال. توقفت عند هذه الاسطوانات بنظرة إلي الماضي, فخلال فترة المراهقة الأولي وبداية الشباب كنت دائما ما أكرر بأنني لن أتوقف أبدا عن الاستماع لدافيز, ولكني وبالعودة إلي اللحظة الراهنة, وجدت أنني توقفت بالفعل عن الاستماع إليه, بل إنني نسيت كليا وجود هذه الاسطوانات لدي حتي وجدتها بالصدفة. ويتابع طبيب علم النفس الأمريكي البالغ من العمر55 عاما بالقول إن هذه المصادفة جعلته يتساءل عن كم القرارات التي يأخذها الفرد بشكل استباقي معتمدا علي قناعته بأنه لا يتغير, والأمر هنا لا يتعلق فقط بإنفاق كم من الأموال علي بعض اسطوانات الموسيقي, ولكن أيضا بعدد من الأمور الحيوية التي يمكن أن تحدد مستقبله, مثل الارتباط بعمل معين, أو اتخاذ بعض الرفاق كأصدقاء أبديين, ويصل الأمر إلي شريك الحياة. وأضاف جيلبيرت موضحا: الإنسان يميل إلي التسرع في الحكم علي شخصيته وميوله فيفترض فيهما الثبات بينما هو كائن متغير بامتياز, فيمكن له أن يحكم اليوم علي موضوع بشكل ما, ولكن هذا الحكم قابل جدا أن يتغير في حالة عرض عليه نفس الموضوع ولكن بعد خمس أو ست سنوات, فخلال هذه المدة الزمنية, خبرات الفرد تزيد وتختلف, فهو يكتسب المزيد من المعلومات والخبرات إما من الاحتكاك بالآخر, أو من خلال مروره بعدد من المواقف الحياتية التي يتعلم منها, أو من خلال القراءة والمشاهدة. جميع هذه الخبرات تترك بصماتها والحديث مستمر للطبيب الأمريكي- علي طريقة تفكير الفرد وحكمه علي الأشياء وتعامله مع الحياة, لذلك فليس غريبا أن نجد زوجين ينفصلان بعد قصة حب طويلة, أو أن نجد أشخاصا يقررون التخلي عن عملهم بعد فترة طويلة, فقط من اجل تجريب شئ آخر. وفي محاولة لتأكيد أفكاره, أجري جيلبيرت ومعه فريقه العلمي أبحاثا علي مجموعة مكونة من170 شخصا, كان يطلب منهم تحديد الفريق الغنائي الذي يفضلونه وكم الأموال المستعدين لإنفاقها لرؤية هذا الفريق في حفل مباشر بعد10 سنوات من الآن. كما طلب جيلبيرت من مجموعة أخري أن تذكر الفريق الذي كانوا يفضلونه من10 سنوات مضت, ومقدار الأموال التي سيدفعونها لرؤيته اليوم. وجاءت النتائج كالتالي, كانت المجموعة الأولي مستعدة لدفع مبلغ129 دولار لرؤية فريقهم الغنائي عقب عقد من الآن, أما المجموعة الثانية فأعرب نحو61% منها أنهم لديهم استعداد لإنفاق80 دولار فقط لرؤية الفريق الذي كانوا يعشقونه من10 سنوات. وقال عالم النفس مايكل روس, وهو خبير في دراسة الذاكرة الشخصية في جامعة واترلو بكندا وكان مشاركا في أبحاث جيلبيرت: إن الأمر ليس مقصورا علي تغيرات الفرد بل هي أيضا طبيعة المجتمعات واختلافاتها الثقافية, فبمتابعة الأشخاص في المجتمعات شرق الآسيوية, يكون لديهم الميل لعدم التغيير والحفاظ علي ثبات الحياة في غالبية الأحيان, مقارنة بالمجتمعات الغربية التي يتسم أفرادها بهدوء أكبر في التعامل مع التغيير, الأمر الذي يمكنهم من إجراء تحولات حقيقة في حياتهم.