ثورة الفلول وصف لواقع نعيش فيه, وفلول الثورة صيحة تحذير من مستقبل لا نريده. لقد استعاد الشعب بعد ثورة25 يناير قدرته علي رسم المستقبل, لكن دائما يوجد من يحاولون عرقلة المسيرة, وكان فلول النظام السابق في طليعة هؤلاء المعرقلين فحشدوا- بعد أشهر قليلة من الثورة- جهودهم التي بعثرت, فوجدت الثورة نفسها أمام تجمع فاسد شمل رموزا من الحزب الوطني المنحل ورجال مال فاسدين اجتذبوا إلي صفوفهم بعضا من رجال الإعلام والصحافة فقام هؤلاء بجهد غير مشكور في تصويب أسنة أقلامهم تجاه كل قيمة نبيلة تطلع إليها الشعب المصري, فتحولت بعض القنوات وبعض الصحف إلي حالة من الهياج الإعلامي أربك المواطنين بتضخيم أمور صغيرة بل واختلاق أحداث لم تقع أصلا فتحولوا من وسيلة إرشاد وتوجيه وتنوير إلي وسائل تشويه وتضليل فابتعدوا تماما عن روح المهنية الإعلامية. وكان من بين الذين تم استدعاؤهم إلي مشهد الثورة المضادة رجال ونساء استظلوا بمظلة القضاء وهم أبعد ما يكونون عن روحه, وربما تكون هذه النتيجة بسبب ماض أليم دفعهم دفعا إلي ساحة القضاء المقدسة فما رعوها حق رعايتها, وأني لهم أن يراعوها وقد اقتحموا هذه الساحة بالواسطة أحيانا وبأساليب غير مشروعة أحيانا أخري فظهر جليا لكل ذي عينين أنهم لم يكونوا أهلا لحمل الأمانة التي أشفقت أن تحملها السماوات والأرض. ولأن رموز الثورة المضادة أدركوا أن المعركة بالنسبة لهم هي معركة حياة أو موت فقد صدق فيهم قول الله- عز وجل- وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا علي آلهتكم إن هذا لشيء يراد( ص-6) وما كانت آلهتهم يوما إلا السلطة والصولجان, فغازلوا المجلس العسكري وتمنوا لو أن أيامه امتدت أبد الدهر بدلا من ديمقراطية وليدة قد تأتي بنيانهم من القواعد فيخر عليهم السقف من فوقهم, ولا عجب أن بذلوا الغالي والنفيس من أموال وتأجير لأكابر المجرمين علهم يكسبون الجولة وما أدركوا قوله- عز وجل- إن الله لا يصلح عمل المفسدين( يونس81). ولقد حاولوا النفاذ إلي مجلس الشعب السابق فلم يفلحوا, لذا وجدناهم فرحين متهللين بالحكم القضائي الذي عصف بإرادة ثلاثين مليونا من المواطنين وأنهي وجود أول مجلس نيابي منتخب في سابقة تاريخية لم تشهدها مصر من قبل. إن هذا التجمع الفاسد لثورة الفلول ما كان له أن يظهر هذا الظهور لولا خلافات نشبت بين شركاء الثورة الذين اهتزت لدي بعضهم الرؤية الثاقبة فأخذوا يتبادلون النقد اللاذع, وبدل أن يكونوا يدا واحدة لحماية الثورة وجدناهم وقد تفرقوا في ميادين متشاكسة بل وانقض بعضهم علي بعض بألفاظ نابية وسهام الاتهامات الحادة التي تحولت إلي أعمال عنف وحرق وتدمير, واستدعوا إلي أدبيات الثورة ألفاظا ما كان لها أن تعبر بحال لا عن ثورة ولا عن ثوار. ومن هنا تبدأ صيحة التحذير حتي لا ينزلق بعض من ساهموا في صناعة الثورة إلي مستنقع( الفلولية) وهم ساهون أو مخدوعون. وإن بعض النذر قد تبدت فهذا شاب أفسحت له قناة من القنوات الجديدة المجال واسعا رغم عدم امتلاكه أيا من مقومات الإعلام فلا صوت ولا صورة ولا منطق, وهذا شاب آخر يكتب في صحيفة جديدة أيضا كلاما عجبا مفاده أن ما حققته ميادين الثورة دمرته صناديق الانتخاب( التي عبرت بحرية ونزاهة عن رأي الشعب), فوضع نزاهة الصناديق في مواجهة الثورة وما كان لهذه النزاهة أن تتحقق إلا بعد الثورة وما كان للثورة أن تحقق أهدافها إلا بنزاهة تلك الصناديق. ولو استرسلنا في سرد قصص شباب كثيرين شاركوا في الثورة- ولا يمكن إنكار ذلك- لوجدنا جهودا حثيثة تبذل كي يحيدوا عن الطريق الأقوم للثورة, ثم يتلاشي دورهم رويدا رويدا بفعل التأثير الفلولي الذي لا يغفل عنهم لحظة من ليل أو نهار. فهل يا تري مرد ذلك لقلة خبرتهم أو لفقدانهم البصيرة السياسية؟, أم أن المكر الفلولي أضخم من خبرتهم وأكثر تأثيرا من قدرتهم علي الصمود؟. ولست أحب أن أشير إلي كم الأموال التي تنفق من أجل شيطنة هؤلاء الشباب وتحويلهم من ثوار حقيقيين إلي أطلال ماض ينقضي ويندثر. وأعجب من هذا المشهد ذلك التحول الذي طرأ علي بعض الإعلاميين الذين واجهوا طغيان النظام السابق بل وتم حبسهم وإيذاؤهم ثم هم اليوم يترحمون علي عهد تولي, ويلصقون كل نقيصة لتيار الإسلام السياسي بل ويحاولون الوقيعة بين مكوناته سلفية كانت أو إخوانية أو غير ذلك, وفي ذات الوقت لا يكادون ينطقون بكلمة لمواجهة تلك الجبهة التي توفر الغطاء السياسي لأعمال العنف وما تشتمل عليه من عناصر فلولية واضحة. إن صيحة التحذير من عبارة فلول الثورة لم أقصد بها أن ألقي في أحضان الفلوليين أيا من شباب الثورة ورجالها ونسائها الذين حملوا أرواحهم علي أكفهم طوال الأيام الثمانية عشر الأولي من الثورة, لكني قصدت التنبيه ولفت الأنظار لأني أدرك- ويدرك معي كثيرون- أن وحدة أبناء الثورة هي السبيل الوحيد لمواجهة الثورة المضادة أو ثورة الفلول, أما التشرذم والتفرق الذي استشري في هذه الفترة هو نذير خطر يجب أن نتنادي جميعا لدرئه, ومازالت أمامنا فرصة لكي تتضح أمامنا الأسس والمبادئ التي لا خلاف عليها, ولا يضيرنا بعد ذلك أن نختلف في فروع أو أن تتعدد رؤانا في من يتولي قيادة البلاد أيا كان الفصيل الذي ينتمي إليه لأن هذا اختيار الشعب الذي قامت لأجله الثورة. وإنها لملاحظة مهمة أن المختلفين حاليا في وجهات النظر تستغرقهم هذه الخلافات ويحدث إهمال تلقائي لآمال الشعب وطموحاته. فهيا إلي استدعاء قوة الثورة وقوة الشعب كي نغلق كل الأبواب أمام ثورة الفلول ولا نسمح لهم باجتذاب البعض وإبعادهم عن طريق الثورة ليصبحوا ولو بعد حين فلول ثورة. لمزيد من مقالات د.حلمى الجزار