الإنسان يخشي المجهول.. وأهم مجهول بالنسبة له هو ماذا يخبيء له القدر.. ولذلك يحاول في الأزمنة الغابرة وفي الأزمنة الحديثة استكشاف مخبوءات القدر بالنسبة له. ويذهب في ذلك كل مذهب, فالبعض يلجأ للعرافين والمنجمين وقارئي الكف وقارئي الفنجان وضاربي الودع.. ظنا منهم أنهم سيكشون له الغيب مع أن الغيب لا يعلمه إلا الله قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلي الله( النمل65) فما يدعون العلم به إنما هو دجل لا يجوز إلا علي المغفلين أو ناقصي الايمان, وهو بالنسبة لهؤلاء الأدعياء مجرد سبوبة, من قبيل رزق الهبل علي المجانين(!) وفي الأثر كذب المنجمون ولو صدفوا أي كذبوا حتي لو تصادف أن تنبأوا بشيء وتحقق, فهذا لا يدل علي علم بالغيب وإنما هو رجم بالغيب وياصابت يا خابت!! والإنسان المؤمن في توجسه مما عسي أن يأتي به الغيب بالنسبة له, ليس له إلا أن يكل أمره لله عز وجل, وهو سبحانه يتولي من يوليه ولايته واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا( النساء75) فهو يدبر له أمره, ويجعل له من كل ضيق مخرجا, ويكفيه, أي لا يحوجه لغيره وكفي بالله وليا وكفي بالله نصيرا( النساء45) وذلك بدلا من إضاعة الوقت والجهد والمال والدين فيما لا يثمر شيئا, وفيما يضر ولا ينفع.. لأن الإنسان حينئذ يستعين بغير الله, ويولي أمره لمن لا يعلم شيئا ولا يقدر علي شيء. وليس معني أن نفوض أمرنا الي الله ونتوكل عليه ألا نفعل شيئا.. بل نفعل.. كل ما هنالك ألا نسرف في استشراف الغد وما عساه أن يأتي به, حتي لا يعترينا القلق بلا داع, وأن نحتاط في حدود المعقول والمقبول للمستقبل المنظور, ونسد الثغرات ما أمكن, لأن من الثغرات مايمكن سده, ومنها مالا نعلمه يقينا, ونفوض الأمر فيه لله عز وجل.. هذه هي المعادلة السليمة.. نعمل ما وسعنا الجهد وأحاطت به توقعاتنا وتقديراتنا, ونترك الباقي لمن بيده الأمر من قبل ومن بعد قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون( المؤمنون88). والله يكفينا المحاذير ويلطف بنا فيما جرت به المقادير, ويهون علينا الصعب, ويجبر لنا الكسر, فهو علي كل شيء قدير تبارك الذي بيده الملك وهو علي كل شيء قدير( الملك1).. المجهول غيب يعلمه الله وحده, وهو أدري به وأدري بنا, وما يحل بنا قدره الله منذ الأزل ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك علي الله يسير( الحديد22) ومن قبل أن نبرأها أي من قبل أن تحل بالفعل.. ومادام أننا نفوض أمرنا لله فنحن في أمان معه ومن يسلم وجهه الي الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقي والي الله عاقبة الأمور( لقمان22) ومن يسلم وجهه الي الله, أي من يفوض أمره لله, فعاقبة الأمور ومجرياتها وتوابعها يملكها ويحكمها الله عز وجل..