تطلعنا بعد الثورة لحالة من الازدهار أوعلي الأقل لدوام الشعور العام بالارتياح وتحسن الأحوال, وهو ما لم يتحقق إلي حد بعيد, والمقلق أنه لا يلوح في الأفق ما يقنعنا بأننا نسير في الاتجاه الصحيح. بعض المراقبين يرجعون ما يجري لسياسة قيادات الإخوان التي شاركت منذ اللحظة الأولي في صنع القرار السياسي في مصر, بل للحظة لقاء شهير بين الرئيس الحالي ونائب الرئيس السابق, ولتفاهمات مع المجلس العسكري إلا أنه قد يكون من الأجدي تحليل الوضع منذ تولي الرئيس وحكومته صنع القرار منفردين. والهدف من تحليل الوضع ومراجعة السياسات هو الخروج من حالة الشلل التي تعاني منها البلاد, وعدم تحقق أي تقدم ملموس في ملفي الأمن والاقتصاد بشكل خاص. سياسة الحكومة ومن خلفها مؤسسة الرئاسة تبرهن مرارا وتكرارا علي انها أقرب لسياسة أرنب بري كسلان بدلا من أن ينطلق في السباق منذ اللحظة الأولي ويثبت جدارته بالفوز أخذ يكثف جهوده لتحصين نفسه من أعداء افتراضيين, ثابتا في محله متلفتا لكل الاتجاهات باستثناء مسار السباق, مجتهدا بكل همه لكي يكسب أعداء جددا في وقت قياسي..فانضم قطاع ممن أيدوه لمعارضيه, بينما ارجع هو كل فشل لمذيع هنا أو قاض هناك. وكأن الشعب المصري مصاب بالحول يترك الإعلام الوطني المهني المحترم ويسير خلف محرض عميل دون أن يدري..وكأن القضاء الذي أشرف علي انتخابات برلمانية ورئاسية واستفتاء علي الدستور أسفرت جميعا عن تقدم ممثلي الإخوان وحلفائهم وأفكارهم يقوده فاسدون. الأرنب الكسلان متمثلا في سياسات الحكومة ومؤسسة الرئاسة من خلفها بدت عليه أخيرا سمات الأرنب البري الذي يقفز قفزات غير محسوبة قد تودي لسقوط قاس.. وهو يعد من قبيل تهور لا طائل من ورائه.. وهو ما ينطبق لأقصي حد علي انطلاق وزراء ومحافظين إخوان في زرع أقارب وأهل ثقة في وزاراتهم ومحافظاتهم وترك دعاة التطوير وأصحاب الرؤي خارج الصورة ومراكز تدريب وزارة القوي العاملة ومراكز الشباب خير دليل, خير شاهد. نستشعر في الشهور التسعة الأولي من حكم الرئيس.. العمل علي ملاحقة المعارضين وتشويههم والاصطدام بمؤسسات سيادية أكثر من العمل علي الانتاج وحل مشاكل الناس.. ونجد فيها استجابة شبه يومية لطلبات وتوجيهات صندوق النقد الدولي التي لو استجبنا لربعها للمعارضة المصرية التي تضم عددا من المستشارين في مؤسسة الرئاسة سرعان ما استقالوا لوفرنا مبالغ أكبر من حجم القرض وجذبنا استثمارات, ففي الوقت الذي ترفع فيه الحكومة الدعم أو ترشده عن سلع حساسة أولها رغيف العيش والوقود استجابة لروشته الحصول علي القرض وتواصل المباحثات الجادة بشأنه ولا تكيل للصندوق الاتهامات او تتهمه بالسعي لخراب مصر لا تفعل ذلك علي الإطلاق مع المعارضين أو الإعلام أوالمستقيلين من مؤسسة الرئاسة. بشكل مواز ارتبط التشويه بالمنافسة السياسية فنجد الغريم السياسي متهربا من الضرائب فقط حين يحتدم الخلاف أو يتم توجيه انتقاد للرئاسة في حين يخرج كل رموز النظام ما عدا العادلي وعز من السجون ونجد مبارك نفسه يقبع علي نيل المعادي وليس في السجن وسط غياب تام لأي حديث عن حالته الصحية أو ضرورة عودته للسجن, بينما المعارضون للنظام يتم تهديدهم بتضييق في الرزق, ومحاكم استثنائية. وصدمتنا سياسات الحكومة والرئاسة من خلفها حينما تجاهلت تماما الاعتداء علي ميرفت موسي وطرحها أرضا علي يد ملتح يؤمن اعتداءه بوجود( رجال) يحملون عصيا وأسلحة بيضاء, وكان من المتوقع أن ينتفض المسئولون لاستعادة حقها قبل أن يتطور الأمر لمحاولة رد كرامتها بمظاهرة تحولت لاشتباكات تم خلالها تبادل الاعتداءات وتبادل الأسري.. الحل الأمني والتهديد والقمع الذي بدأ مطلع الأسبوع فجأة في الإسكندرية- لن يجدي.. والبداية الصحيحة هي الاعتراف بالخطأ والترفع عن الانحياز لمعسكر دون آخر فهذا المعسكر تجاوز ال50 بالكاد في انتخابات الرئاسة قبل أن ينسلخ منه أبو الفتوح وانصاره وحزب النور وأنصاره وعاصرو الليمون وآخرون.. فكيف يمكن للرئاسة أن تعتمد عليه فقط لإدارة شئون البلاد أو أن تبدو منحازة له في مواجهة الجميع؟ وكيف يتم تبني مواقفها علي تجاهل طلبات المعارضة في تنقية الجداول الانتخابية وعدم الانحياز في تقسيم الدوائر الانتخابية وفي صياغة قانون الانتخابات بشكل عام.. وتحدي قرارات القضاء أو الالتفاف عليها. نتطلع لسياسة حكيمة تلتف حولها الجماهير وتزيد من قاعدة المؤيدين, نتطلع لحلول سياسية تحسن من الأوضاع الأمنية وبالتالي الاقتصادية, فالأمن عاد بسرعة للانحياز لملف الأمن السياسي علي حساب الأمن الجنائي, مصر تستحق حلولا سياسية تبعث برسائل مطمئنة للداخل والخارج ونخشي من استمرار التشبث بهذه الحكومة وسياساتها المتمثلة في قفزات غير محسوبة بعد شهور من الكسل تتسبب في نزيف مادي ومعنوي وهز للثقة وسحب علي المكشوف من رصيد محدود علي الصعيدين الداخلي والخارجي. كلية الآداب- جامعة الإسكندرية لمزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور