{ إسمح لي ياسيدي أن ألتقي وأصدقائي القراء عبر بريدكم الذي جمعني بهم في عيد الأم العامين السابقين.. فدائما ما يشتعل حنيني نحو والدي الراحلين مع قرب هذه المناسبة لما لها من ذكريات كانت تجمع أسرتنا الكبيرة العدد, ومازالت تدفئنا مع استرجاعها.. اتجه أيضا بي حنيني الممزوج بالرأفة هذا العام تجاه المسنين من الآباء والأمهات, خاصة من وهن منهم الجسد والحال.. سيدي من وجهة نظري الشخصية هناك علاقة طردية بين احتياج الآخرين لنا وما علينا من مسئوليات وبين قيمة وجودنا في الحياة, وبالتالي بمدي سعادتنا وتعلقنا بها.. فماذا لو تخيلنا أيها الأصدقاء أننا قد انتهينا من الدور العملي لنا في الحياة( تنشئة أبناء.. مزاولة أعمال.. إلي آخره) علي أي وجه كان, وأن آثار تعب السنين لإتمام هذه المهمة بدأت تظهر علي الأجهرة المختلفة لأجسادنا, وأن رحلة الحياة بحلوها ومرها اقتربت من الغروب حتي أصبحنا ضيوفا علي أرض بنيناها بأيدينا وتصورنا أننا سنظل ملوكا عليها حتي النهاية.. ضيوفا علي الحياة وعلي أبنائنا الذين هم دائما أطفالنا, والذين أصبحوا هم متخذي القرارات فيما يخصنا بعد ما أصابنا من وهن.. ياله من تخيل ينقلنا إلي شعور مؤلم يغفل أو يتجاهل أكثرنا الاحتمالية الكبري لمرورنا به وإن طالت أو قصرت أعمارنا.. سألت صديقة لي ياسيدي وقد وضعت أمها في دار للمسنين كم مرة تعاودها الزيارة؟ فأجابت كلما ذهبت لتسديد الحسابات للدار فأمي لم تعد تعرف أحدا فما فائدة الزيارة و(كانت اجابتها مصحوبة بشئ من الفخر لكونها تسدد حسابات الدار!!!) يا إلهي أي جحود هذا فإن كانت الأم التي حملت ووضعت وعانت حتي فقدت اليوم القدرة علي التعرف علي الابنة, فهل هذا مبرر لجعل الابنة تتجاهل معرفتها لأمها؟ أم من المفترض أن يكون ذلك دافعا للشفقة عليها والتعاطف المعنوي معها.. إن هذه الأم والكثيرات من أمثالهن ممن أرهقتهن هموم الأبناء والحياة حتي فقدن جانبا من ذاكرتهن لم يفقدن الشعور والاحساس.. فمن منا علي اختلاف اعمارنا ليس في حاجة إلي يد تلمس برفق كتفه لتسرب الدفء والأمان إليه وتشعره بالألفة وبأنه مازال مرغوبا فيه؟ وإذا كانت لدينا القدرة المالية التي تمكننا من وضع آبائنا في دور المسنين, فلماذا لاننقل هذا الوضع بشكل أو بآخر ليتم في منازلنا وتحت رعايتنا كل حسب امكاناته.. فعن تجربة شخصية ياسيدي فإن رعاية الوالدين في المراحل العمرية المتأخرة متعة تصيب أجسادنا وأرواحنا بالقوة والراحة النفسية, وتمتد آثارها بعد الرحيل من خلال رضاء الله الذي أمرنا في قوله تعالي: إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما.. فقد قال الخالق الرحيم عندنا وليس عند أحد آخر أو في مكان آخر.. فدعوتي في يوم الأم أيها الأصدقاء أن نسارع إلي مغفرة من الله إذا كان هناك تقصير تجاه الوالدين وعمل إعادة عاجلة لحساباتنا تجاههم لنتفهم أبعاد هذه المرحلة الحرجة من عمرهم, لكي نحسن أسلوب التعامل معهم فيها, فالمتبقي من العمر مهما طال فهو قصير, وإن كنا نختبئ اليوم وراء ستار مزيف من مشاغل الحياة ومتاعبها.. فلنخش الغد القريب الذي فيه تنتهي المشاغل والمتاعب فيرتفع هذا الستار المزيف لنجد أنفسنا أمام ستار مشابه اختبأ وراءه أبناؤنا فنأسي علي ماض تولي... أصدقائي ما أسرع مرور الأيام وما أجمل رد الجميل بحب ورضاء... فكم انحني بتحياتي لكل أم. وكل عام وأمهاتنا الحاضرات معنا والغائبات عنا في سلام واطمئنان.... مهندسة مرفت زكريا