كتب: سامي فريد ثماني عشرة قصة يرسلها إلي قلوبنا ومشاعرنا القاص وحيد الطويلة في مجموعته المتميزة كما يليق برجل قصير ولايفوته أن يذكرلنا أسماء المقاهي التي كتب فيها قصصه. وهي ستة مقاه أزالت البلدية واحدة منها, وكأنما يريد الطويلة أن يشير إلي حصار القصة ولو بالهدم غير المتعمد للمقاهي التي يجلس اليها بعض الكتاب. في المجموعة يستعمل وحيد الطويلة كل ما تتيحه له فنون السرد التي أكد لنا تمكنه الواثق منها. في سرده يستعمل الطويلة فنون التلميح والتصريح والترميز والايهام الدلالي في قصصه وإن كان كتبها في ركن من مقهي ساكن أو صاطب, فانها جميعا تذخر بالحركة والسخونة إلي درجة الاشتعال أحيانا(999 فهرنهايت) أو( مدار الجدي) نحس في سطورها تهويمات الطفولة وخيالاتها, ولعبها وانطلاقها في البراح مع احلامها فنركب الشجر ونغطس في ماء الترع ونصنع التصاوير من الطين ونفاجأ بأن القرية أي قرية يمكن أن تنقسم إلي لونين لاثالث لهما, هما الأزرق للتلاميذ والأحمر للأساتذة... بل وربما تنقسم الحياة كلها أيضا هكذا( تصويره). أو نشهد انفجارات المراهقة وصخبها وانفلاتاتها التي لاتهدأ وولعها بالجنس والبنات في الجينز الأزرق( أطلس جديد لقارة افريقيا) ثم يقفز بنا إلي عالم آخر تعيش فيه بعض البنات(!) حياة مختلفة تتحدث فيها بنات الهوي أحيانا عن الشرف والسياسة, مثلما يتحدث باقي الناس. ومن صخب المراهقة وجوها المجنون نمضي مع وحيد الطويلة إلي تربص الشباب, وهدوء الكهول وتأملات الشيوخ من الرجال والعجائز من النساء( جبن قديم) و( وساوس لينة). يحلق بنا وحيد الطويلة في رحلة مع السرد السهل الصعب بعفويته المصنوعة بمهارة محترف متمكن ومسيطر وتلقائية تدربت كثيرا علي يد قاص بارع ومبدع أصيل, ولاشك يحكي لنا عن السماء التي تكركب عندما يتعارك جملا الشتاء والصيف والمرأة التي تخرج علي الراوي مدهونة بالروب الأحمر وعن العصافير التي تنتحر المئات منها في صوره. وصاحبه الذي يضحك فتهتز ضحكته السمينة وعنكبوت الشمس الذي تزيحه الجميلة في دلال عن عينيها والحكايات الملونة التي يريد الاطفال أن يحكوها لأمهاتهم وصوت مغني الباريتون المختنق الذي يهطل بقوة, وأم الراوي التي تصحو من النجمة لتخبز وتغني بصوتها, القصير وشقيقته التي تدس ضحكتها في عبها وضاربة الودع وقارئة الرمل التي تقلب الغيب بمسحوق ابتسامتها ثم وهي تحصي نقودها التي تلقتها كعربون لبصيص يتيم من الأمل!! والأمثلة كثيرة علي ماقدمه لنا وحيد الطويلة ويقدمه مما يمكن أن نسميه قصيدة السرد التي تؤكد لنا اقتداره وشاعرية لغته رغم ماقد يبدو من بساطتها الخادعة التي تقول ماتشاء بكل يسر وسهولة وثقة.