هل علينا أحمد بهجت في مجلة الجيل في أخبار اليوم في الخمسينات تلفه ابتسامة ساهية وعقل يقظ بعد أن أمضي فترة في روز اليوسف.. منذ بداياته كانت لديه طبيعة صوفية والتزام بحاجة المواطن اليه ليس أي مواطن.. ولكنه أختار المواطن الذي تلفه الحيرة في مواجهة الحياة.. علمنا هذا المعلم الزميل كيف نصادق عمال المطبعة ونجد فيهم الأهمية بتوصيل مقالاتنا للقارئ.. علمنا أن من كان منا بغير خطيئة فليرمه بحجر.. علمنا أن يستوعب كل منا الآخر في تواصل امتزج فيه الدين بالدنيا. بعبارات شديدة البساطة كصوفي يعرف طريقه الي الله عرفنا أن الاسلام يسكن في سن القلم بأهمية صدق التوصيل والقدرة علي توصيل الرسالة. كنا لا نأتي إلي الدار بمواعيد وكنا لانترك مكاتبنا أحيانا منذ الصباح حتي منتصف الليل نسلم مقالاتنا أو حواراتنا ثم نتحاور في كل شئ في الحياة وكانت الحوارات كثيرا ما تكون أهم من المقالات التي نكتبها.. كان كل منا يبني في الآخر ولكنه كان اقدرنا علي ذلك! ووضع في حب صاحبته الشفافية والضحكة الصافية والقلب النابض بحب الحياة سناء فتح الله. اصبح زوج شقيقتي وازددنا قربا ولكنه كان شديد المقدرة علي النفور كانت سناء تضحك حتي تدمع عينها حينما أسألها عنه فتقول ما أعرفش؟ طفش يانوءه؟ يمكن...؟ كان يعيش حرا محررا.. كان هامش الحرية عنده ليس ماديا لكن فكريا والويل كل الويل لمن يحاول ان يخدش حبال الحرية عند أحمد بهجت!! فجأة أختطفه الاستاذ هيكل وانتقل الي الاهرام... ليه ياعم أحمد.. أما اشوف أرض جديدة بلاد الله خلق الله يا ابني هنا أحسن! أرض جديدة نزرعها أما نشوف كان يسكن في شارع عبد العزيز جاويش أحد شوارع حي عابدين العريق.. مع صديقه الفنان العظيم سيد مكاوي وكان الاستاذ هيكل الذي اختطفه مع من اختطف من فرسان الصحافة في دار أخبار اليوم كان ولوعا بشخصية احمد بهجت واعتقد أنه احب فيه مقدرته علي عدم النفاق طاردا هذه الكلمة من قاموسه منذ أن كان طفلا فاختار له شقة علي النيل في عمارة مرشاق التي يسكنها الاستاذ مع (علية القوم) وكان ايجار الشقة ثلاثين جنيها.. وفوجي بالاستاذ أحمد بهجت يرفض الانتقال من شقته المتواضعة الجميلة ذلك لأن يحب صديقه الفنان العظيم سيد مكاوي!! الذي يسكن معه, وانتقل سيد مكاوي بعد ذلك لبيت آخر!! ولم تناقش زوحته الغالية الراحلة سناء فتح الله هذا القرار فقد كانت قوية عنيدة مع رؤسائها ولكنها لم تكن كذلك مع أحمد بهجت كانت تعرف ولعه بالحرية فكفتها له. يعرف الجميع عنه التدين الذي ملأ قلبه وعقله في اسلام شديد الاستنارة واستيعاب للاسلام ليس بسعادة الصوفيين فقط ولكن بدأب علماء الإسلام المستنير.. لم تكن كتاباته تستوعب كل ما في عقله من فلسفات تخرج قطرات كقطرات الندي تعمل آفاقا ذهنية لكل من حوله. وتقابلت معه اكثر من مرة في الحج والعمره فكنا نسعد بحوار حول صور الاسلام وعذابات الرسول في مكة وتحمله من أجل الدعوة.. قال لي مرة أنا أحببت أبا جهل جدا.. يا خبر.. إزاي؟ إن هذا الرجل من دعائم اصرار الرسول وهو علامة علي طريق الدعوة لايستهان بها تصوري سيرة الرسول بلا أبي جهل؟ وهكذا كان أحمد بهجت وهذه كانت فلسفاته حينما مرضت ابنتي في الستينات بشلل الاطفال بكت سناء رحمها الله فقد كانت تحب بناتي جدا وأخبرت احمد بهجت فطلبني في التليفون وقال لي: ما اسعدك.. إن الله سكن في دارك.. كل يوم سوف ترين إبنتك وتدعين لها بالشفاء وتذكرين الله كل دقيقة.. ان الله اختارك بهذا الابتلاء لتذكريه كل يوم. وهكذا كان لهذا العظيم خلفية شديدة الخصوصية ولكنها توصل الي الرضا ويالعجب تاريخ وفاته فقد كنا كل عام نجتمع في يوم 21 ديسمبر في عيد ميلاد سناء زوجته وأم ولديه خالد بهجت والشاعر الكاتب محمد بهجت كنا نجتمع مع عدد قليل جدا من الاصدقاء لنستمع الي حواره الجذاب ونقده اللاذع.. وها هو لم يخلف موعده ولكنه اثر ان يذهب إليها وحده الرحمة ونور القبر والمغفرة وحسن الجزاء الي روحه الطاهرة ولعله سعيد بانطلاقة حيث كان يعتبر الجسد سجنا للروح وها هو قد أعتق من سجنه وترك لنا رصيدا عظيما من كتاباته في صندوق الدنيا والدين.