أحمد بهجت الكاتب الكبير احمد بهجت احد كبار الكتاب المتميزين ، الذين اثروا حياتنا الثقافية بإبداعاتهم المتعددة في شتي مجالات الفكر والأدب ، له أسلوب متميز يأخذك إلي عوالم التفكير والتأمل ، الذي يبدد حيرتك ويضعك في حالة من التدبر واليقين ، صاحب قلم جمع فيه بين الفن القصصي والعمود الصحفي والسخرية الراقية والتدين السليم ، فجاءت كتاباته مريحة ومفيدة وتجيب علي تساؤلات الحائرين، له العديد من المؤلفات الدينية أشهرها كتاب أنبياء الله ، والوقوع في هوي الكعبة وقصص الحيوان في القرآن والتوبة ولكني اخترت كتابا من أروع ما كتبه مؤخرا وهو كتاب " بحار الحب عند الصوفية " الصادر عن دار الشروق في طبعة جديدة يناقش الكتاب العديد من القضايا بداية من تعريف الصوفية وأصل الكلمة وبدايتها والمراحل التي مرت بها.. وأسرار الجدل حول الصوفية وأشهر المتصوفة..يقول احمد بهجت في سطور كتابه :في بحار التصوف ألف سؤال وسؤال ، وألف غريق وغريق، وألف لؤلؤة ولؤلؤة ، وألف محارة فارغة ومحارة مليئة بطين القاع ، وثمة حكايات لها العجب مثل حكايات الأساطير في ألف ليلة وليلة ، وبدلا من قصص الجن وعجائبه سنجد قصص الأولياء وكراماتهم وهي أيضا عجائب. ويقول بهجت: نريد عقلا محايدا قبل كل شئ لا نريد أحكاما مسبقة أو أفكارا جاهزة للحكم علي التصوف ، سهل أن يقف المرء علي الشاطئ ويغمض عينيه ويقول : ليس هناك بحر . وبدأ الكاتب الكبير رحلة الإبحار في عالم التصوف بطرح الأسئلة.. ما هو التصوف ؟ وما أصل الكلمة ؟ وما معناها ؟ يضع الكاتب أحمد بهجت في هذا الكتاب معيارا هاما للتفرقة بين التصوف الايجابي والسلبي. يقول: »ما كان محكوما بإطار الكتاب والسنة كان تصوفا إسلاميا وما خرج عنهما كان فنا يخضع لمقاييس الفن وقيم النقد، ولم يعد يلزم الإسلام في شيء. »ومن بين التعريفات المتعددة التي ضمها الكتاب عن من هو المتصوف هذا التعريف للصوفي أبو تراب النخشيي الذي يقول فيه: الصوفي لا يكدره شيء ، ويصفو به الكدر ذاته. ويتساءل الكاتب احمد بهجت بين سطوره قائلا : وهل هناك وجود حقيقي لمثل هذا المخلوق ؟ يقول الصوفية : أن هناك وجودا لهذا المخلوق فمن صفا قلبه لله وشاهد حكمته ورأي بديع صنعه لم يكدره شيء حتي الكوارث والآلام لا تخدش صفاءه ويقول احمد بن حنبل : أنا جنتي بين صدري . وعن مصادر التصوف وتفسيراته ورجاله يقول الكاتب :كان الزواج القاسي بين الزهد والتأمل وظروف المجتمع الإسلامي الداخلية والخارجية هو المسئول الأول عن ميلاد التصوف بعد 200 سنة من هجرة الرسول "ص "ونري أن نبع التصوف جاء من أكثر من مصدر من بعض آيات القران وما عرف عن الرسول صلي الله عليه وسلم من زهده وتأمله إضافة إلي التأثيرات الداخلية التي وقعت في المجتمع الإسلامي في المائتي سنة الأولي من الهجرة كالفتنة وعلم الكلام والاتجاه العقلي الذي استتبع رد فعل وجدانيا والتأثيرات الخارجية التي وفدت علي العقل الإسلامي نتيجة احتكاكه بالفلسفة اليونانية وتجارب الأمم الروحية التي خضعت للإسلام من العبارات الرائعة الرائقة التي وردت في الكتاب قوله: »الأدب العظيم يبحث عن الحقيقة.. وكلما ارتقي الفنان الكاتب اقترب من الله عز وجل، وكلما اقترب تحير وزادت دهشته وسجدت روحه« "فهم الإنسان لدوره في الحياة وضآلته أمام الكون والله يقودانه إلي إدراك عظمة الخالق وضعف المخلوق.. ولا يملك الضعف أمام العظمة سوي الحب" عبارات كثيرة ومبدعة في هذا الكتاب الممتع الذي ترقرقت صفحاته بسهولة ويسر ككلماته تماما. أراه مدخلا جميلا ومبسطا لمن يحب أن يعرف ما وراء أستار الصوفية.. حقا انه من الكتب القليلة التي تجمع بين الفائدة والمتعة.