ضرب السياسي الأمريكي الشهير نيوت جينجريتش رقما قياسيا في النفاق للأمريكيين وإسرائيل بالطبع بتصريحاته الغريبة والمفاجئة التي قال فيها إن الفلسطينيين مجموعة من الإرهابيين وشعب تم اختراعه, وخطورة هذه التصريحات- التي تأتي من سياسي أمريكي يعد حتي الآن الأوفر حظا للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية أنها تقريبا الأولي والأخطر من نوعها في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي, حتي مع وجود رؤساء أمريكيين قدموا للدولة العبرية كل شرايين الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية. فهذه أول محاولة لنفي وجود الشعب الفلسطيني من الأساس فضلا عن أن جملة شعب تم اختراعه فيها الكثير من أوجه الغرابة والتجني والسخرية معا, فالولايات المتحدة وخلال العشرين سنة الماضية فتحت حوارا مع الشعب الفلسطيني بحثا عن حل ونهاية مرضية لهذا الصراع, بل ودخل قادته البيت الأبيض من أوسع أبوابه ولم تنكر الإدارة الأمريكية وجوده ولم تتحدث في أي وقت عن شعب فلسطيني مخترع بل وصلت إلي حد التأكيد علي حتمية تقرير مصيره. والغريب في تصريحات جينجريتش أنها تعكس الحقائق تماما, فبالعودة إلي الماضي القريب جدا نكتشف أن الشعب الذي تم اختراعه هو الشعب الإسرائيلي والدولة التي تم اختراعها هي دولة إسرائيل, فالشعب الإسرائيلي تاريخيا ليس له وجود واليهودية ديانة وليست قومية, والدولة العبرية لم يكن مقدرا لها أن تري النور لولا اغتصاب أرض فلسطين في مؤامرة عالمية يعرف الجميع تفاصيلها. وفي العلوم السياسية يوصف المجتمع الإسرائيلي بأنه مجتمع مهاجر أي أنه بلا جذور في إشارة صريحة الي تجميع ساكنيه من المهاجرين من دول شتي, ويبدو أن جينجريتش عندما أطلق كلماته المسمومة كان يحمل في مخيلته إعجابا بالتجربة الإسرائيلية التي تضاهي وتماثل التجربة الامريكية, فالمجتمع الأمريكي يوصف أيضا بأنه مجتمع مهاجر تم جمع ساكنيه من مختلف أنحاء العالم بعد أكبر مذبحة بشرية في التاريخ تم خلالها إبادة عشرات الملايين من الهنود الحمر,ويبدو أن المرشح الأمريكي يتعامل أو يرغب في أن يتعامل مع الفلسطينيين كما لو كانوا من فلول الهنود الحمر, ولكن فات عليه أنه من الصعب تغيير حقائق راسخة علي الأرض, وربما جاز القول أن تصريحاته تأتي في إطار المزايدات التي تنطلق عادة مع موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية رغبة في الفوز بأصوات ونفوذ اليهود الأمريكيين ولكنها علي أية حال تصريحات خطيرة ينبغي التعامل معها بمنتهي الجدية وبكل جهد ممكن للتأكيد علي أن الإسرائيليين والأمريكيين وليس الفلسطينيين هما شعبان تم اختراعهما منذ عقود ليست بعيدة المزيد من أعمدة عماد عريان