في الحملة الانتخابية لحزب الفضيلة التركي في أواخر تسعينات القرن الماضي, كان ضمن اهتمامات نجم الدين اربكان طمأنة بعض فئات المجتمع التركي التي ظنت ان وصول الاسلاميين الي السلطة سوف يلحق بهم ضررا بالغا فكان ان توجه ضمن ما توجه بخطابه الي بيوت البغاء مناشدا السيدات العاملات بين جدرانها مساندة حزبه مقابل ان يضمن لهن وظائف أكثر احتراما مما هن عليه.. وقد كان ان فاز الحزب وبدأت فترة من التنمية الحقيقية يلمسها الآن جميع فئات الشعب التركي. شتان بين خطاب اربكان وحزبه وبين خطاب بعض من السلفيين ممن ظهروا علي الساحة في مصر بعد نجاح الثورة بزعم انهم وحدهم الذين يملكون الحقيقة ويتحدثون باسم الله وباسم الاسلام وتوعدهم باجبار المرأة المصرية علي التوقف عن العمل لاحظ ان الخطاب هنا موجه الي عموم سيدات مصر في كل الأعمال المهنية الشريفة والمحترمة واجبارهن علي تغطية وجوههن مع تعطيل السياحة التي يعمل بها اكثر من5 ملايين مواطن وتدر علي الاقتصاد موردا لا يمكن تجاهله أو الاستغتاء عنه, وتغطية الآثار الفرعونية التي وصفوا تماثيلها بالخلاعة في بادرة لم يجرؤ عليها, بل لم يفكر في ذلك أصلا- الصحابي الجليل عمرو بن العاص, ومن خلفه في حكم مصر حيث كانوا يمثلون صحيح الاسلام بسماحته وفهمه العميق لمعني التراث الانساني ولمفهوم الحضارات القديمة التي مهدت لعمارة الأرض, كما اراد الله سبحانه وتعالي.. ذلك ان رجال صدر الاسلام قد تعلموا من الرسول الكريم كيف أن مصر هي بلد خير اجناد الأرض, وانها ستكون منارة الاسلام الوسطي والسمح علي مر العصور الي أن يرث الله الأرض ومن عليها. اضف الي ذلك ما يعلنه بعض رموز هؤلاء من عداء سافر للفنون والآداب وأحاديث عن تطبيق في غير محله للحدود الشرعية وما سوف يترتب علي كل ذلك من تراجع مخيف لدور مصر الحضاري, اضافة الي تقزيمها في كل المجالات والعلاقات الدولية تماما كما كان يسعي اليه نظام مبارك المخلوع. لم نسمع من هؤلاء رؤيتهم للعدالة الاجتماعية وتشغيل الشباب ودوران عجلة الاقتصاد, وتحقيق الأمن الجنائي والاجتماعي والاقتصادي.. ولا كيف نري مصر بلدا مكتفيا ذاتيا من المنتجات الصناعية والزراعية.. ولا كيف نطور العلوم والتكنولوجيا ونجعلها في خدمة وطوع الانسان.. سوف نتغاضي عن ممارسات هؤلاء في حقبة السبعينات عندما كانوا يخرجون ابناءهم من المدارس الرسمية مكتفين بتعليمهم في البيوت والمساجد العلوم الشرعية.. ولكن كيف نتغاضي عن تجاهلهم لكيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة في ظل تعطيلهم لمصادر الدخل القومي. أخشي ان يكون هؤلاء قد ركزوا خططهم في الاستحواذ علي أصوات الناخبين ووصولهم الي السلطة علي استمرار حال الفقر والمرض والجهل والعوذ حيث تنتشر دعاواهم في اشد المناطق عشوائية وفقرا وجهلا متناسين قول الامام علي بن ابي طالب لو كان الفقر رجلا لقتلته.. وهو المنطق نفسه الذي كان يعتمده رجال النظام السابق في الفوز بأصوات الفقراء والمعوذين بكيلو من اللحم أو انبوب بوتاجاز أو بضعة من الجنيهات. وللمرة المليون اؤكد انني لست ضد حق الجميع في ممارسة حقوقهم السياسية بما في ذلك الاسلاميون السلفيون برغم انهم كانوا قد اتخذوا قرارا وصفوه بالشرعي بأنه لا يجوز الخروج عن الحاكم حتي ولو كان ظالما.. وللمرة المليون اقول ان ثورة25 يناير كان همها الأول هو اقامة الدولة المدنية بمفهومها السياسي الذي يعني لمن لا يريد ان يفهم ان الدين لله وان الوطن للجميع.. فلا يحق لأحد ان يحكم الآخر باسم الدين حيث الخلاف السياسي يتحول في لحظة الي اتهام بالكفر والضلال وما يتبع ذلك من مظالم لا نريد ان تصل اليها بلادنا. ومن منطلق حق المواطنة يحق للقوي والتيارات الاسلامية بمختلف فصائلها المشاركة في الحكم, ولكن في اطار من الدولة المدنية التي تضمن حقوقا متساوية للجميع دون استثناء. لست منزعجا علي الإطلاق من فكرة مشاركة السلفيين مع الاخوان المسلمين في ادارة اول حكومة منتخبة بعد الثورة وبعد ان تستقر الأمور من وضع للدستور الي انتخاب رئيس الجمهورية, ذلك ان الممارسة الديمقراطية الحقيقية كفيلة بتصحيح الأخطاء اذا وجدت شرط عدم تفصيل الدستور تفصيلا يناسب فقط طموحات توجه تيار سياسي بعينه. والواضح الآن ان الاخوان المسلمين سيكون عليهم عبء ادارة الدولة في المرحلة الجديدة, وهي مسئولية سوف يحاسبهم عليها التاريخ.. اما ان يعبروا بمصر الي بر الأمان كما فعل حزب التنمية والعدالة التركي, واما ان تغرق مصر في مزيد من المشاكل, ويفقد الناس الثقة تماما في أي حلول يقدمها الإخوان وينتهي دورهم بعد كل هذه المكابدة طوال 80 عاما من اجل فرصة تطبيق افكارهم علي أرض الواقع.. وها هي الفرصة بدت تلوح في الأفق.. وبكل الأمل اقول لهم: لا تجعلوا الحكم والسلطة مبلغ همكم ومنتهي آمالكم.. وليكن برنامجكم هو الخروج بمصر الي طريق الحرية والعدالة.. وللوصول الي هذا الهدف العظيم عليكم الاستفادة من كل العقول والخبرات, واجعلوا من حكومتكم القادمة حكومة ائتلاف وطني تضمون اليها كل الفصائل حتي تستقر تقاليد الممارسة الديمقراطية الحقة وحتي تكتسبوا ثقة جميع فئات الشعب. ومن هنا الي حين الوصول الي هذه المرحلة, علي الجميع ان يتكاتف مع حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة الدكتور كمال الجنزوري في استعادة الأمن وإعادة تشغيل عجلة الاقتصاد, وعودة الثقة للمواطن المصري البسيط في ان الثورة قادرة علي الوصول الي أهدافها.