لست ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة وحتى إن وجدت مؤامرات خارجية على مجتمع ما فأنها لن تنجح ما لم يكن هناك تربة خصبة في هذه المجتمعات تجعل هناك طريقا ممهداً أمام تلك المؤامرات. لذلك ذهلت من التصريحات الخاصة بوجود مؤامرات لتقسيم مصر فالواقع يؤكد أننا لسنا بحاجة لمؤامرات خارجية فلدينا من الأسباب والتراكمات المورثة على مدار عقود سابقة ما يكفي ليس فقط لتقسيم الوطن وشق النسيج الوطني بل ولتحويلنا إلى دولة فاشلة وهذا ما عمل عليه نظام الرئيس المخلوع من تصعيد للتيارات الدينية وتحويل المعارضة المدنية إلى أحزاب كرتونية . ولعل اخطر ما يحدث الآن هو محاولات إعلاء شأن التيارات الدينية على حساب القوى الثورية المدنية وإذا كان من يفعل ذلك يتصور أنه يسعى لاستقرار أو لأي شيء آخر فأن الخطر كل الخطر استخدام نفس أدوات النظام البائد في اللعب بفصيل ضد فصيل وما نراه الآن إذا كان يستهدف ظاهريا تلك القوى الثورية المدنية إلا أنه على المدى المتوسط والبعيد تكريس لشق النسيج الوطني، فصعود تيارات الإسلام السياسي والسلفية الوهابية يعني بكل تأكيد رفض المصري الآخر ممثلاً بالمصري المسيحي والمصري المتمسك بمدنية الدولة. أيضا فأن ما يحدث من تحالفات سرية أو حتى مجرد توافق في الرؤى مع التيارات الدينية من قبل المجلس العسكري تبعدنا عن النموذج التركي وتقربنا أكثر وأكثر من النموذج الباكستاني وما نراه الآن في باكستان من حالة المتاهة بين الديمقراطية ونموذج الدولة الدينية المتشددة. ولعل ما يجعل من ذلك مصدرا للخطورة والمغامرة باستقرار الوطن ما نراه على الساحة من صعود لقوى دينية مرجعيتها ليست مصرية بل هي وهابية قلبا وقالبا وما رفع أعلام السعودية والرايات السوداء في بعض تظاهراتهم إلا تصريح بهوية الانتماء للخارج ورفض واضح لمدنية الدولة مما يطرح التساؤلات حول كيفية السماح لأحزاب دينية تقف خلفها قوى ترفض أصلاً الدولة المدنية وتطالب علنا بالدولة الدينية بما يخالف الدستور والإعلان الدستوري ويهدد بتقويض المجتمع بأكمله. ومن طرائف الأمور وأكثرها سخرية من الواقع المرير الذي يدفعنا دفعا نحو النموذج الباكستاني أن بعض رموز السلفية الوهابية في مصر الآن يقولون أنهم مع النموذج التركي في حن يعلنون أنهم يرفضون المبادئ فوق الدستورية وهذا في حد ذاته يكشف عن احتمالين فإما أنهم لا يدرون شيئا عن النموذج التركي الذي يوجد به ثلاث مواد فوق دستورية لا يجوز تعديلها أو الاقتراب منها أبرزها نص الدستور التركي على علمانية الدولة أول علمانية الدولة وليس مدنيتها. أما الاحتمال الثاني فهو أن هؤلاء يتبعون مبدأ التقية الذي يبيح لهم التصريح بآراء يعلنون الموافقة عليها كلاما ويرفضونها ويعملون على خلافها تماما فعلاً وتصرفا وتحريضا، وهنا كارثة التعامل مع هذا النموذج من الحركات الدينية، التي لن تتورع في الوقت المناسب عن كشف وجهها القبيح. وبالعودة إلى النموذج التركي الذي صدعنا بالحديث عنه جماعة الإخوان المسلمين ، فأنه لمن يعرف تركيبة حزب العدالة والتنمية التركي وكيفية نشأته وخروجه على عباءة الأخوان المسلمين في تركيا وليس خروجه منها، سوف يوقن تماما أن هناك هوة عميقة بين حزب العدالة والتنمية التركي وجماعة الإخوان المسلمين في مصر ويمكن إيجاز ذلك في بعض النقاط الرئيسية. أولاً نجد أن حزب العدالة والتنمية التركي يعترف صراحة بعلمانية الدولة واحترام المبادئ الأتاتوركية ” نسبة إلى مؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك” التي تمثل نصوصا فوق دستورية داخل الدستور التركي لا يجوز الاقتراب منها بالتغير أو التعديل، فهل تستطيع جماعة الأخوان المسلمين الإقرار بعلمانية الدولة، مع العلم أن هناك فرقا كبيرا بين مصطلح علمانية الدولة ومدنية الدولة فالدولة المدنية يقابلها الدولة العسكرية أما الدولة العلمانية فيقابلها الدولة الدينية، وهنا نرى أن حزب العدالة والتنمية التركي يؤكد قولاً وفعلاً على علمانية الدولة وأنه لا يجوز إقحام الدين في الأمور السياسية، بل نجد في المقابل أن الدكتور سعد الكتاتني وهو ابرز قيادات الجماعة يطالب بسن قوانين لمنع الملابس القصيرة والضيقة، وهو ما تفعله الحكومة التركية ولأحزاب العدالة والتنمية التركي الذي طرح حلولاً للمشاكل الاقتصادية وصعد باقتصاد تركيا من التردي إلى الاستقرار، فهل منع الملابس القصيرة أو الضيقة سيجعل مصر قوية اقتصاديا، أليس الملبس من الحريات الشخصية، أم أنهم من الآن سوف يفرضون فكرهم الشخصي حتى في الملابس؟. ثانيا: لا يمكن وصف حزب العدالة والتنمية التركي بأنه أحد فصائل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين لا فكريا ولا تنظيميا ، بل على العكس فأن حزب العدالة والتنمية كان ليس فقط انشقاقا عن تنظيم الإخوان التقليدي في تركيا الذي كان يقوده نجم الدين اربكان من خلال حزب الرفاه ثم حزب الفضيلة، بل يمثل انقلابا تاما على الفكر التقليدي الذي مثله اربكان ليخرجوا بفكر جديد ومغاير تماما لما تبناه اربكان اعتمدوا بشكل اساسي فيه على الجانب الاقتصادي ولم يقوموا بالخلط بين الدين والسياسة. ثالثا: إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين بتركيبتها الحالية لم تتحمل آراء من اطلق عليهم أسم التيار الإصلاحي ومن أبرزهم الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح، فهل سيقبلون بمن عارضهم وينافسهم على السلطة، وهل سينفصل حزب الإخوان بصفته تنظيم سياسي عن الجماعة بصفتها طبقا للمبادئ التي وضعها مؤسسها الشيخ حسن البنا جماعة دعوية، وماذا عن استغلالها لمنابر المساجد التي تسيطر عليها من أجل الترويج لأفكار حزبها السياسية. إن نموذج ” الحزب – الجماعة ” الذي برز حاليا للإخوان المسلمين في مصر نموذجا نادرا لايمكن وجود مثيله في العالم فاما هي جماعة دعوية أو أن تحل نفسها وتتحول بالكامل إلى حزب سياسي، إذا أرادوا فعلا أن يمارسوا السياسة وإذا كانوا فعلاً يريدون تطبيق النوذج التركي الذي يبدوا أنهم لايعلمون عنه شيئاً، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على غيرها من التنظيمات الدينية، وإلا لاصبحنا ليس فقط اقرب للنوذج الباكستاني، بل أقرب إلى تورا بورا جديدة تتصارع فيها الفصائل الدينية عبر تنظيمات وأذرع سياسية على ” كعكة ” السلطة، وساعتاها سوف تعم الفوضى. وبالعودة إلى قضيتنا الأساسية وهي ما يقال عن مؤمرات خارجية لتقسيم مصر، فأنه بالقياس، هل إذا خرج علينا البعض بتنظيم ديني مسيحي ثم قاموا بتاسيس حزب يمثل ذراعا سيسيا لها كما هو الحال مع التيارات الدينية الإسلامية، فكيف سيصبح حال الساحة المصرية؟ آلن تعاني من استقطاب طائفي ومن ثم شق للوحدة الوطنية؟ وهل يستطيع أحد أن ينكر على مثل هؤلاء الخروج بحزب ديني مسيحي في حين أن هناك احزابا دينية إسلامية بعضها قام بتأسيسه تيارات مارست العنف مثل جماعتي الجهاد والجماعة الإسلامية؟,.... للأسف نحن نسير بوتيرة متسارعة نحو تقويض دعائم الدولة المدنية وسوف نجني الثمن باهظا ما لم نتدراك الوضع ونعلي من شأن المواطنة ونحرص على صياغة دستور حقيقي يعطي الجميع حقوقهم ويمنع التمييز على أساس الجنس أو الدين أو اللون بشكل حقيقي وليس مجرد نصوص لاتجد تفعيلاً على أرض الواقع كما كان الحال في العهد البائد.