مع حق الجميع في الاختلاف أو الاتفاق مع نظام الحكم في مصر, أري أن الرئيس قد طرح رأيا مهما في زيارته الأخيرة إلي ألمانيا, يستحق المناقشة الجادة والتحليل الموضوعي. فبسؤاله عن أحدي الشخصيات المصرية المحترمة, وأعني الدكتور البرادعي وعما إذا كان بعض المصريين ينظرون إليه باعتباره بطلا قوميا, أكد أن البطل القومي الحقيقي هو الشعب. إنني أعتقد بصدق أن هذا هو لب الديمقراطية التي نريدها, وأن الاختلاف والاتفاق يجب أن يدورا حول أسلوب تمكين هذا البطل الملاييني من أداء دوره في التنمية الشاملة المشاركة في الإصلاح والتغيير, وإزالة كل المعوقات التي تمنعه من ذلك. إن من يرصد الحالة المصرية ويعايشها يري حراكا واضحا لهذا البطل, سمح به المناخ الديمقراطي المتاح, وإن رآه البعض هامشيا ونتمني معهم زيادته. وقد لعبت قيادات وسيطة دورا ملحوظا في هذا الحراك, الذي استهدف الحصول علي بعض المطالب الفئوية العادلة. ولا عيب في ذلك, فهذا هو أول الطريق الديمقراطي الذي يعرف فيه الناس حقوقهم وواجباتهم ويفرزون قياداتهم. لكن العديد من المثقفين والمفكرين, الذين أعد أغلبهم من الاصدقاء الأعزاء, يصرون علي شخصنة الأمور, وتركيز الأمر في أسماء بعينها, يحيطونها بهالات من الإعجاب والانبهار, الذي يصل عند البسطاء إلي هوس غير موضوعي, أو مانيا كما تسمي. إنني أؤكد هنا إعترافي بحق هؤلاء الاصدقاء في ذلك, ومشاركتهم في الإعجاب بالأسماء التي يطرحونها. وأؤكد, في نفس الوقت, حقي في الإختلاف حول أسلوبهم. إنني أفضل تحريك وعي الناس, لا إثارة عواطفهم. فهذا هو طريق التطور المجتمعي الحقيقي, وهذا هو دور المثقفين والمفكرين, الذين يطلق عليهم الإعلام لفظ النخبة, دون أن يذكر من نخبها. والحقيقة أنهم, بعطائهم المعرفي لمجتمعاتهم, يعدون نخبة وصفوة بلا مراء. لكن دورهم المأمول في تحريك وعي المجتمع يستلزم أن يكونوا طليعة متواصلة معه, تثير عقله لاعواطفه. لكن الكثير منهم صار يرفض مصطلح الطليعة, ويحمله مضمونا إيديولوجيا صاحبه في أوقات سابقة. وقبل أن أتطرق إلي دورهم الطليعي المطلوب, بمفهومه ومضمونه الجديدين, أذكرهم وأذكر نفسي بأننا عشنا مرحلة الزعامة التاريخية, التي أحببتها ومازلت, ولا يزايد علي أحد في ذلك. لقد كانت مطلوبة في وقتها, وأدت دورها. لكننا اليوم في عصر الجماهير, ورمزها هو المجتمع المدني الحي والفاعل والمتفاعل. وعلي نخبة المثقفين العضويين, بمصطلح جرامش الشهير, أن تكون طليعة لهذا الكيان الكبير. عليها أن توضح له قواعد اللعبة في المسيرة الديمقراطية, وأن تدعوه إلي مشاركة سياسية أوسع, فقد تنجح فيما لم تفعله الأحزاب بحالتها الراهنة. لعل ذلك يكون أجدي من دفع بضع مئات من الشباب للهتاف الحماسي, وإقناعهم أنهم في إنتظار هذا المخلص أو ذاك. إلا استخراج ثلاثة ملايين بطاقة انتخابية جديدة قد يكون أفيد من جمع ثلاثة ملايين توقيع. إنني أكرر دائما أن مستقبل الوطن لا ترسمه الآراء الإنطباعية وبرامج التوك شو, بل تحدده الدراسات المنهجية والرؤية الإستراتيجية. وكلي ثقة في قدرتهم علي توضيح ذلك للناس, لو أرادوا. وأتمني أن يريدوا, فهذا هو ماينفع الناس ويبقي في الأرض. وهنا يجب أن نتعرض إلي دور الإعلام عموما, والتليفزيون والبرامج الحوارية علي وجه الخصوص. إن الحديث عن رموز مصر التي وصلت إلي العالمية, أو الحديث معهم, أمر مطلوب لإثراء حياتنا الثقافية والسياسية. لكن ان يتحول علي أيدي البعض إلي حوار منبهر لاهث, علي حساب المعني والمغزي. وتنقلب محاولات التبسيط إلي تبطيط, كما أمزح دائما بالنسبة لبرامج الثقافة العلمية!!! إنهم يمثلون قصص نجاح رائعة في المجال العلمي أو الوظائف الدولية والدبلوماسية. ويجب أن تقدم هذه القصص بالصورة التي تفيد الأجيال الجديدة, وتكرس فيهم الرغبة في الطموح والإنجاز. هم كائنات أرضية لافضائية, برع كل منهم في مجاله, واستحق أعلي درجات التقدير. وليس من بينهم من يتصور أنه المخلص أو المهدي المنتظر. أو هكذا أعتقد, لأني أحسن الظن بهم, وبتقديرهم للأمور. بل لعل منهم من يري أن الشعب هو البطل, كما قال الرئيس. كم أتمني أن تهتم وسائل الأعلام المختلفة بهذا المفهوم الشامل للبطل القومي الذي نريده, والذي أرجو ألا نختلف حوله, مع الإحتفاظ بحقنا الكامل في الاتفاق والاختلاف حول كل ماعداه.