كتب ابوالعباس محمد: لعل أولي الملاحظات التي خرجت بها انتخابات الجولة الأولي للبرلمان هي ذلك الحضور الطاغي للأغلبية الصامتة التي طالما غابت عن المشهد الانتخابي عقودا طويلة ودائما ما كان يتم التلاعب بأصواتها, كذلك هذا الاكتساح المذهل للتيار الإسلامي وتحالفاته الانتخابية المختلفة وكيف انه حسم هذه الجولة لمصلحته بفارق كبير عن التيارات السياسية الأخري الجديدة والقديمة سواء تلك التي ولدت من رحم الثورة أو التي شاخت مع ميلاد الثورة. فمنذ اندلاع أحداث ميدان التحرير ووقوع الأحداث الدامية تلك التي عاشها شارع محمد محمود وتحديدا يوم19 و20 نوفمبر الشهر الماضي ونحن نلاحظ ان هذه الأحداث ومنذ وقوعها بدأت تؤجج مشاعر وانفعالات تلك الأغلبية الصامتة لتدفعها دفعا نحو صناديق الاقتراع فالناس عندما سمعت وتمعنت وتفاعلت تملكها شعور انها تقف الآن بين خيارين إما ان تنتفض وتنتصر لإرادتها وتدع تجربة المضي في طريق الانتخابات ويتم تسليم السلطة من العسكري إلي مؤسسات دستورية منتخبة وعليه يتم استرداد حق الشهداء وإنقاذ الدولة, وإما ان يتم إفشال أول تجربة ديموقراطية وانتخابات برلمانية بعد الثورة فتسلم السلطة والبلد إلي المجهول, ولأن الخيار الثاني كان يوحي بدلالات خطيرة ومخيفة استشعرها الناس عندما بدأت الأنباء تتسرب عن تفكير البعض من المجموعات الثورية الموجودة في الميدان في الاعلان عن مجلس انتقالي فقد عجل ذلك في ألا تفكر الأغلبية الصامتة ولاتتردد كثيرا بأن تنحاز إلي حماية الدولة من السقوط في وحل هذه الخيارات الطائشة, ووصلت هذه الغالبية إلي قناعة ان الانتخابات خطوة ديمقراطية مهمة لأنها اذا أردت ان تتخلص من حكم العسكر فليس أمامها سوي الانتخابات, حتي لو جاءت بنسبة كبيرة من الإخوان المسلمين. كذلك فقد تحول عدد كبير من المواطنين فجأة الي مراقبين للانتخابات وزاد تفاعلهم مع العملية الانتخابية ففي الوقت الذي اقتصر فيه دور كثير من منظمات المجتمع المدني علي تلقي البلاغات دون ان تكلف خاطرها بالنزول وتفقد العملية الانتخابية علي الطبيعة, كان هناك المئات من المواطنين يتسابقون لرصد المخالفات الانتخابية وابلاغها هاتفيا للمجلس القومي لحقوق الانسان حيث بلغت في اليوم الاول اكثر من161 بلاغا, علي أية حال ربما يكون هناك اجماع حقيقي علي انتفاض حزب الكنبة وبهجة المصريين وعشاق تراب هذا الوطن من خلال الإقبال الشعبي غير المسبوق علي صناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية التي جرت مرحلتها الأولي متزامنة في تسع من محافظات الجمهورية, إلا ان السؤال الذي يطرح نفسه: هل عبرت هذه الانتخابات فعلا عن إرادة المصريين وطموحاتهم؟ الواقع يقول إنه إذا كنا نتحدث عن انعكاس إرادة المواطنين علي نتائج الانتخابات فلابد ان تتوافر هذه الإرادة أولا قبل التصويت فإلي أي مدي يمتلك البسطاء ممن لا تتاح لهم رفاهية القراءة والاطلاع والبحث والتنقيب تطلعات سياسية أرادوا التعبير عنها عبر صناديق الاقتراع؟!