في طابور الانتخاب, رأيت كل شئ مختلفا عن كل ما كان يجري في كل انتخابات سابقة, حتي تصورت أنني أمام شعب آخر.. الزحام شديد, ومع ذلك لم يحاول أحد أن يتخطي غيره, وكبار السن لهم معاملة تفضيلية من الجميع. , والمناقشات في ساعات الانتظار تدل علي وعي وحرص علي حماية هذه الثورة. هذه المناقشات تؤكد أن عامة الناس لن يسمحوا بسرقة الثورة أو الانحراف بها والالتفاف علي أهدافها, فالشعب استرد وعيه وقدرته علي فرض إرادته, وليعلم من لم يكن يعلم أن قوة الرأي العام في مصر اليوم هي الغالبة, وإذا أراد الشعب, فلابد أن يستجيب من بيدهم القرار, ولم تعد هناك أبقار مقدسة!. المناقشات كانت تتناول مسيرة كل مرشح سواء في القوائم أو الفردي, وتاريخه السياسي, ومدي استقامته الأخلاقية ونظافة يده, وواضح أن كل شئ معروف ولا تخفي عن الناس خافية, وإن ظن الفاسدون أنهم يستطيعون خداع الناس..والمفروض أن تبحث اللجنة العليا للانتخابات توافر شرط حسن السمعة فيمن يتصدي ليمثل الشعب المصري وينوب عنه في السلطة التشريعية والرقابة علي السلطة التنفيذية, وأن يسبق شرط حسن السمعة جميع الشروط الأخري, لأن سمعة أعضاء مجلس الشعب هي أساس الحكم علي مجلس الشعب نفسه, وعلي نظام الحكم الجديد, ويتوقف علي حسن السمعة توافر الثقة أو فقدان الثقة في المجلس وفي النظام, وفي نظرة الدول والمنظمات الدولية للدولة, إذا تسلل إلي السلطة التشريعية من فقد هذا الشرط, وإذا عادت الألسنة تلوك سيرة نواب المخدرات, والتهريب من الجمارك, والعمولات, والاحتكار, ونواب القمار والانحراف الأخلاقي, والنواب الذين يديرون شبكة من البلطجية يرهبون بها خصومهم.. إلي غير ذلك من الفضائح المعروفة التي كانت شائعة في كل مجلس سابق, وأدت إلي تشويه صورة كل مجلس, والمفروض أنه مجلس موقر وكل من فيه فوق مستوي الشبهات. وإذا كان شرط حسن السمعة لازما لكل من يتولي وظيفة مهما كانت صغيرة, فإنه أكثر لزوما لمن يمثل الشعب ويتحدث باسمه ويدافع عن مصالحه وحقوقه, ويحارب الفساد والانحراف, ولا يعقل أن يكون ممثل الشعب فاسدا ومنحرفا, ولكن المشكلة أن هناك دائما من يقول إن إثبات حسن السمعة صعب, بعد أن فقدنا الثقة في التحريات التي تجريها المباحث, وهي معلومات مجهولة المصدر. وفي بحث للمستشار الدكتور عماد النجار, أن هذه التحريات لا تستند إلي دليل يعتمد عليه في الإثبات, ومن الطبيعي أن كل إنسان يري في نفسه كل الفضائل ويدعي أنه مثال الأمانة والعفة والنزاهة, وقانون العقوبات يحمي هذا الحق ويعاقب كل من يوجه إلي غيره صفة أو واقعة لو كانت صحيحة فإنها توجب احتقار الناس له, والقانون يريد بذلك حماية سمعة المواطنين من الإساءة بدون دليل,وهذا ما أدي إلي إهمال شهادة حسن السير والسلوك التي كان يقدمها كل مرشح لمجلس الشعب, أو لوظيفة, عليها توقيع اثنين من الموظفين, وكذلك هناك شكوك لا يمكن إنكارها من احتمال أن تكون بعض تحريات الشرطة علي سبيل المجاملة أو الخدمة الشخصية, ولهذا فإن رأي الناس في الشخص يمكن أن يكون الدليل علي توافر شرط حسن السمعة, ولذلك أصبح الاعتماد علي رأي الناس هو الأساس وفقا للقاعدة بأن الناس لا يجمعون علي باطل, وإذا كانت تحريات الأمن فيها واقعة أو دليل فتحال إلي النيابة العامة أو إلي جهاز الكسب غير المشروع للتحقيق. مع ملاحظة أن القانون يحرم من الترشيح وتولي الوظائف العامة كل شخص حكم عليه في جناية ما لم يرد إليه اعتباره, وكل شخص فرضت عليه الحراسة بحكم قضائي, أو حكم عليه في جريمة من جرائم التموين, أو خلو الرجل أو التهريب أو حكم عليه في جرائم مخلة بالشرف مثل السرقة والتزوير وإخفاء المسروقات, أو النصب أو شيكات بدون رصيد أو التبديد, وكذلك المحكوم عليهم في جرائم انتخابية أو تم فصله من الوظيفة, أو حكم بعزله من الوصاية أو القوامة أو خيانة الأمانة.. وأن يكون الحكم نهائيا. فالمحكوم عليهم بمثل هذه الأحكام القضائية النهائية يتم عزلهم سياسيا بمقتضي القانون, وأضيف إليهم الذين يحكم عليهم قضائيا بإفساد الحياة السياسية وفقا للقانون الذي صدر أخيرا ويطبق علي أعضاء مجلس الشعب حتي بعد انتخابهم واكتسابهم العضوية, ولا يمكن الاعتماد علي الحصانة البرلمانية أو علي قرار المجلس باعتباره سيد قراره, كما كان يقال, فلا قرارا للمجلس يمكن أن يخالف الدستور أو القانون. وأما من كان سيئ السمعة, ولم يصدر عليه حكم فأمره إلي الشعب, والشعب هو الوحيد الذي يملك الحكم بالعزل من قبل اكتساب العضوية, وكل شعب له مجلس الشعب الذي يستحقه. المزيد من مقالات رجب البنا