فشلت حكومة الدكتور عصام شرف في استعادة الأمن, كما لم يحظ الملف الاقتصادي بالقدر الكافي من الاهتمام رغم ان التعامل مع هذين الملفين كان ولايزال من المهام الاساسية للحكومة الانتقالية وان كان من الانصاف الإشارة إلي أن هذه الحكومة السابقة لم تحصل علي الصلاحيات الكافية, الا انه لم يكن هناك ما يحول دون قيام الحكومة بدورها في الحفاظ علي الأوضاع الاقتصادية دون التدهور الذي وصلت اليه حاليا بسبب التباطؤ الشديد بل والعزوف خلال الأشهر الأولي علي الأقل من اتخاذ القرارات والاجراءات اللازمة والمناسبة بسبب الخوف والايادي المرتعشة, واختيار بعض وزراء المجموعة الاقتصادية بعيدا عن معايير الكفاءة, وليس غائبا عن كثيرين ان احد وزراء المجموعة الاقتصادية لم يوقع علي قرار واحد علي مدي أربعة أشهر طوال مدة بقائه بالوزارة, رغم التصريحات الإعلامية الكثيرة التي كانت تعقب اجتماعاته مع المنتجين والتجار وعندما تتساءل عن معيار اختيار هذا الوزير, كانت تصدمك الاجابة: انه علي علاقة قوية بنائب رئيس مجلس الوزراء الذي قام بدوره بترشيحه للمنصب, وبالطبع كان هذا الأمر يثير العجب, كما يطرح سؤالا مهما حول معايير اختيار الوزراء والمسئولين بعد الثورة؟! ومن الانصاف ان نشير إلي جهود بعض الوزراء في التعامل مع ملفات صعبة فلا احد ينكر ما قام به الدكتور جودة عبدالخالق وزير التضامن والعدالة الاجتماعية, وكذلك الحال بالنسبة للدكتور محمود عيسي وزير الصناعة, ولكن المطلوب ان تكون الكفاءة وسرعة اتخاذ القرار الملائم في التوقيت المناسب هي السمة لكل أعضاء المجموعة الوزارية حتي تنعكس بشكل واضح في الاداء الاقتصادي. واذا كانت المحسوبية هي التي تجب كل مادونها من معايير في تولي معظم المناصب العامة الوزارية وغير الوزارية في العهد السابق, فلابد لمصر بعد الثورة ان تتخلص تماما من كل هذه الاخطاء وتلك الخطايا التي كانت سببا اساسيا في هجرة الكفاءات, كما أدت إلي التخلف الذي تعاني منه مصر الآن, يجب وضع معايير لتولي المناصب العامة تضمن تكافؤ الفرص حتي يسهم اصحاب الكفاءة والخبرة في صناعة التقدم الذي ننشده. وما نتمناه ان تستفيد حكومة الانقاذ الوطني من اخطاء الحكومة السابقة وان تتفادي الاستغراق في القضايا الفرعية علي حساب الاولويات, كما نأمل من هذه الحكومة ان تعلن عن خطتها في التعامل مع الملفات الشائكة ذات الاولوية, وفي مقدمتها استعادة الأمن للشارع, ودفع الاداء الاقتصادي والأدوات السريعة والمناسبة التي من شأنها تخفيف وطأة هذه الأزمة وفق جدول زمني محدد. وقد يكون من المفيد ان يتم الابقاء علي الوزراء الذين أبلوا بلاء حسنا وقطعوا خطوات في وزاراتهم خاصة اذا توافرت لديهم النزاهة, توفيرا للوقت, خاصة ان الأوضاع الاقتصادية تتفاقم, في ظل ارتفاع عجز الموازنة العامة وتراجع احتياطي النقد الأجنبي وفقدان14 مليار دولار في الأشهر الماضية, وتخفيض مؤسسات التصنيف الدولية للاقتصاد المصري بسبب المخاطر الراهنة, ناهيك عن ارتفاع حجم الدين العام المحلي, وارتفاع أعباء خدمة هذا الدين بعد رفع سعر الفائدة علي الودائع المصرفية, وارتفاع العائد علي الاذون والسندات, كل هذه التحديات تفرض وجود حكومة انقاذ وطني بحق, وحتي تتمكن الحكومة من ذلك فهي مطالبة باتخاذ حزمة اجراءات عاجلة لبناء الثقة في الاقتصاد, وان تبدأ اولا مع اصحاب المطالب الفئوية أولا الذين تحملوا أعباء كثيرة طوال العهد الم اضي من خلال تطبيق بعض السياسات التي من شأنها تخفيف حالة الاحتقان, وتمثل خطوة اساسية في تحقيق العدالة الاجتماعية, وفي مقدمتها تنفيذ الحد الأقصي للدخول, ويتعلق بهذا الموضوع أيضا ضرورة بدء تطبيق الضريبة التصاعدية, وكذلك الضريبة العقارية بعد تعديلها لتفادي الثغرات ومعالجة التشوهات, إضافة إلي سرعة إلغاء دعم الطاقة للصناعات كثيفة استخدام الطاقة خاصة الحديد والأسمنت والسيراميك والأسمدة, وقبل كل ذلك اتخاذ خطوات جادة وحقيقية في ضغط الانفاق العام, ومواجهة كل صور الاستفزاز الحكومي الذي يتناسب مع طبيعة الأوضاع الاقتصادية الحالية. مصر أحوج ما تكون الآن إلي حكومة لانقاذ الوطن, حكومة قوية تتمتع بالكفاءة ولديها الاختصاصات, بما يمكنها من استعادة الأمن, ووقف تفاقم الأوضاع الاقتصادية, واتخاذ خطوات نحو العدالة الاجتماعية وان تسهم في التحول الديمقراطي لا أن تكون عبئا عليه, والمؤكد انه ليس من مصلحة احد ان تتزايد تكلفة المرحلة الانتقالية في مجتمع يعاني نصف سكانه من الفقر, وتحاصر البطالة نحو4 ملايين من شبابه الذين يملكون الطاقة والقدرة علي صناعة النهضة, والأهم ان ما تعاني منه البلاد الآن ليس بسبب فقر الموارد الامكانيات, ولكن بسبب فشل وفساد النظام الذي يستحق درجة الامتياز في اهدار الفرص والموارد.