في الجزء الثاني من ندوة مستقبل الثقافة في مصر بين طه حسين وثورة يناير التي عقدت بالاهرام نواصل طرح اوراق الندوة حيث يقدم الدكتور محمود عزب مستشار شيخ الازهر والقس الدكتور اكرام لمعي استاذ اللاهوت ومقارنة الاديان رؤيتين دينيتين مستنيرتين لشكل المستقبل لخصاها في حلين هما: الحواركما يفعل الازهر حاليا بحسب عزب والابداع الجماعي بحسب لمعي هذه قراءة في رؤيتين مهمتين لقراءة مستقبل الثقافة المصرية تفتحان بابا للحوار والجدل كما هو هدف هذه الندوة التي تثير اسئلة اكثر مما تطرح حلولا جاهزة فالحوار والابداع الجماعي ليسا حلين جاهزين بل هما تحريض علي التساؤل والبحث د: محمود عزب: الأزهر هو توأم للقاهرة ولد معها في نفس اليوم, كان دائما رفيق أخته مساندا لها ومجاورا لها ومنطلقا معها كان يعلو بعلوها وينحدر إذا ضعفت. فلما قدر لها أن تتنحي عن دور الريادة كان لابد أن يصيب الأزهر بعض ماأصابها وقد مر الازهر باربعة لحظات فارقة في حياة الأمة المصرية نأخذ منها أربعا فقط. . اللحظة الفارقة الأولي: إبان الحملة الفرنسية عل مصر بونابرت وقد انفجرت القاهرة غاضبة عندما اجتاح بونابرت هذا الجامع العتيق بخيوله فكانت ثورة القاهرة الأولي والثانية, صحن الأزهر أرض النضال وتجميع النقابات وكل أهالي مصر من مسلمين ومسيحيين معا وبعد رحيل بونابرت كان الأزهر هو الذي يقوم بالعقد الاجتماعي مع محمد علي ويملي عليه شروط الأمة وهذاكان تحولا خطيرا في تاريخ مصر ثم جاءت اللحظة الفارقة الأخري وهي ثورة1919. وعلم جميعا ماحدث فيها. و وكيف كان الأزهر معقل المقاومة والمواجهة وأرض الوطنبة الأولي ولم يكن غريباوانطلق الأب سارجيوس من كنيسة القللي إلي أرض الأزهر وتلاحم الأقباط المسيحيون مع المسلمين وظهرعالم كنا نراه في ثورة يناير شعاره عاش الهلال مع الصليب. وهو شعار نستجلبه دائما في لحظات الخطر من هذا النوع. في هذه اللحظة كانت الأمة بمسيحيها ومسلميها تعرف الازهر بيتا لها وكانت اللحظة الفارقة الثالثة في1956 في حرب السويس. ولم يجد الزعيم جمال عبد الناصر إلا منبر الأزهر مكانا ليطلق منه خطابه الوطني فتوجه الزعيم إلي الأزهر واعتلي منبره ليخاطب مصر كلها مسلمين ومسيحيين: سنقاتل وسنقاتل وسنقاتل.. وانتصرت إرادة مصر خارجة من باب الأزهر إلي الشارع. ثم كانت اللحظة الرابعه هي التي نعيشها في ثورة يناير2011 ربما يكون ثمة لغط حول موقف الأزهر الحقيقي, ربما كانت هناك محاولات لاختطاف الثورة من هنا أوهناك. وأنا أعاصر الثورة يوما بيوم كمواطن مصري بالدرجة الأولي في الأيام الثلاثة الأولي لم يكن أحد يدرك ملامح الثورة الحقيقية فقد كانت اشبه بانتفاضة تتكرر دائما في أبريل أو في وقت ما من أوقات السنة كنا نعلم جميعا أن الوضع الذي كان قائما لايمكن أن يستمر, ولكن كيف ينتهي او ومتي؟ فلايستطيع أحد أن يدعي هذا العلم بدقة في اليوم الثالث للثورة قلت للإمام الأكبر أنني ذاهب إلي ميدان التحرير فقال لي: أتريد أن تتظاهر ؟ قلت له: هذا حقي كمواطن مصري وقد ذهبت لأصف له حقائق ميدان التحرير كما رأيتها كنت مع السفير رفاعة المستشار الإعلامي للأزهر كنا نأتي إلي شارع القصر العيني من ناحية القصر العيني ونشتري بعض الأطعمة وزجاجات المياه في حقيبة ونوزعها في ميدان التحرير وفي اليوم التالي قلت لشيخ الأزهر: ان شباب التحرير لايأكلون من كنتاكي ولا يمولهم أحدا من خارج مصر, لان الشعب يقف معهم فهم صوته وإرادته. . ومنذ بدأت الدماء تراق كان شيخ الأزهر أول من سمي ضحايا ميدان التحرير شهداء. بداية الحوار وبعد التنحي وسقوط النظام قال الامام الاكبر: الأزهر مفتوح للحوار وبدأت الوفود تأتي للأزهروجاء شباب التحرير واستقبلهم الإمام واستمع إليهم ونصحهم وقال لهم: أنتم تملكون الطهر والشجاعة والأزهر يملك التجربة والحكمة والمعرفة ولو تكاتفنا سنكون جناحين لهذه الأمة تستطيع أن نرتفع بها.. ومنذ ذلك الوقت استمرالأزهر في الحوار. و نعرف أن مجتمعنا المصري كان محروما من الحوار في السنوات الماضية ونعترف أن ثقافتنا لم تعد ثقافة حوار فنحن مجتمعات أبوية الكبير فيها يتكلم والباقي مستمعون. الحقيقة أن الحوار أزيح من ثقافتنا منذ فترة باسم الدين علي إعتبار أن الفقيه والواعظ له حق الكلمة والباقي مفرغ.. والقسيس يتكلم في الكنيسة والباقي أوعية فارغة تتلقي مايلقي فيها فقط و الدين ليس كذلك فالإسلام أول من رسخ في الثقافة العربية وفي الشرق حق الحوار لأنه تكلم عن الإختلاف العجيب أن الخطاب الإسلامي والمسيحي الديني الآن لايتكلم عن الإختلاف لكن الاختلاف قاعدة قرأنية وسنة من سنن الله في خلقه ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين في القرآن الكريم حاور الله سبحانه وتعالي إبليس وأتاح له أن يرد عليه. قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين إلي أخر هذا الحوار الذي ينبغي أن يعلمنا كيف نتحاور والأزهريريد إعادة غرس ثقافة الحوار في المجتمع المصري أولا ثم في المجتمعات المحيطة ثانيا ولذلك كان خطة شيخ الأزهر قبل أن تقوم الثورة منذ لحقت بخدمته وخدمة الأزهر في أكتوبر2010 أن نفتح الحوار الداخلي أولا قبل الخارجي فنحن لانريد أن نحاور روما ولاالفاتيكان وأوروبا باسم الحوار الإسلامي المسيحي, ولكن الحوار يبدأ من دوائر ضيقة تتسع حتي تشمل العالم كله أولا نبدا بالحوار الإسلامي الإسلامي ثم الحوار مع غير المؤمنين او مع المختلف مهما كانت درجة الإختلاف للإتفاق علي المشترك, وعلي القيم العليا المتفق عليها لتطبيقها, ثم جاء الحوار مع المثقفين ثم الحوار مع المسحيين. والمسيحيون بالنسبة لنا تعني مصر أولا ثم الكنائس العربية ثانيا لأن المسيحية العربية هي التي فتح الإسلام عينيه عليها فاحتضنها وساعدته في ترسيخ أصول العلم والحياة العلمية في الحضارة الإسلامية. ولذلك فهي جزء لايتجزأ من الحضارة الإسلامية. وبدأ الأزهر يطبق هذه النظرية كنا قد بدأنا نحاول استجلاب رموز من الوهابية للتفاهم معهم ولكن قامت الثورة فغيرت الأولويات وقلنا سنركز علي هذا الوطن أولا لأنه عندما يستقيم تسقيم الأمور في المنطقة كلها وقد تستقيم في العالم الإسلامي كله. جاء الإخوان المسلمون للحوار واستمع إليهم الإمام الأكبر, وكان هناك نوع من الإتفاق علي القيم العليا المشتركة في الإسلام ثم جاء رموز السلفيين في للتوصل الي خطاب إسلامي يشرف الإسلام والمسلمين ويسهم في الحضارة الإنسانية وفي استقرر مصر بالدرجة الأولي ثم حوار جاء من يسمون بالعلمانيين الأقباط مع السيد نجيب ساويرس وتحاورنا في الازهر واستمعنا إليهم واستمعوا إلينا, وكان التركيز دائما علي القيم العليا الإنسانية والمصرية في هذه اللحظة ثم جاء الحوار الكبير و لايزال مستمرا حتي الآن مع المثقفين والمفكرين والكتاب وأستاذة الجامعات ونوقشت عدة مصطلحات دقيقة جدا أهمها الدولة المدنية التي تعني الدولة الوطنية الديمقراطية الدستورية الحديثة. وبعد6 لقاءات خرجت وثيقة الأزهر, صحيح ان اسمها وثيقة الأزهر لكن ليس الأزهر هو الذي ألفها وأنتجها. بل كان طرفا فيها اسهم بالحوار مع المفكرين في اخراجها والإعلام لم يعط الوثيقة حقها حتي الآن في مصر بينما لاقت في العالم العربي وفي أوروبا اهتماما أكبر واهم ما في الوثيقة في رايي انها ثمرة حوار و السياق الذي تم فيه هذا الحوار فان يكون هناك مسلمون ومسيحيون وشيوخ وأساتذة جامعات ومفكرون وكتاب من اليمين واليسار ويناقش هذا تحت قبة الأزهر بلا صدام او ضوضاء فهذه خطوة في ترسيخ ثقافة الحوار. وبعد المحاضرة بدأ نقاش حول ما قدمه الدكتور عزب كيف يقوم الأزهر بدور عالمي ويشارك في دعم الثورات وهو لايقدم تعليما جيدا ؟ الازهر لايقدم تعليما جيدا هذا صحيح ولكني قلت في أول الكلام ان الأزهر بدأ ثورة في إبريل2010 بعدما أصبح علي قمة الأزهر فيلسوف جمع الحسنيين: ثقافة التراث العميقة في كلية أصول الدين, والثقافة الفرنسية في جامعة السوربون ودرس الفلسفة اي انه ليس رجل دين كهنوتي بل مفكر بدإ بإصلاح التعليم في الأزهر وأزاح عنه مجموعة من الغيلان كانت تلتهم اقتصاد الازهر وأعاد الفلوس لمدرسي المعاهد الأزهرية و الفلاحين في الأقاليم والصعيد.. وعندنا اجتماع كل أسبوعين من لجنة دقيقة جدا لاستعادة المناهج الأزهرية وتنقيتها مما أصابها في30 سنة أو أو أكثر و يتم التركيزعلي التعليم الأزهري الإعدادي والثانوي قبل الجامعي في جدية شديدة وعلينا ان نعترف ان التعليم في مصر كلها أصابه ماأصابه كيف نفهم التناقض بين دعم شيخ الأزهر للثورة وهو من دعم النظام السابق بل كان جزءا منه ؟ هذا كلام لاأقبله لأن كل من عمل في وظيفة لا يمكن ان نتهمه بالمساهمة في الفساد لاننا سنتهم الكثيرين من أبناء الشعب المصري ممن كاموا في وظائف عامة أيام النظام البائد وربما كنا كلنا متهمين, و اريد ممن يتهم شيخ الأزهر بانه ساند الفساد في اليوم الفلاني ان ياتي بمقال اوبكلمة محددة تدعم هذا الاتهام كلنا كنا موجودين في عهد مبارك وكلنا متهمون بشكل او بآخر, يقاطعه الشاعر زين العابدين قائلا: تحدث عن اننا كل كلنا متهمون لكي لا نفتح ملفات الماضي محمود عزب: أقصد ان مقاومتنا لم تكن بدرجة كافية. زين العابدين: بعضنا كان يقاوم بدرجات مختلفة ويتعرض للقتل او السجن او الانفي وبعضنا كان يدعم ولايقاوم علي الإطلاق. عزب: هذا صحيح ولكني ادعو الي البناء ودعم الازهر بدلا من التوقف عند الماضي ونبش ملفاته. زين العابدين فؤاد: الأزهر بدأ الثورة لأن هناك شخصا مستنيرا ولكن هناك شخص له المواصفات نفسها اخد دكتوراة من فرنسا وكان شيخ الأزهر وفي فترته بدأ بيع الأزهر للوهابية ؟ محمود عزب: صحيح أن من علي قمة الأزهر مهم لكن السياق مهم محمد عبده وطه حسين أهميتهما تنبع من السياق الذي طلعا فيه, فيما يخص الوهابية قبل الثورة بحثنا عن اثنين معتدلين لندخل في حوار علي اساس اننا في خندق الحضارة والثقافة الإسلامية. هنا تدخل زين العابدين ليقول: لماذا تبحث عن الوهابيين وعندكم في الازهر كثيرون من الوهابيين. .. ليرد عزب: الوهابية الموجودة في مصر كلها تسمي سلفية, أنا قلت مرة في التليفزيون انني سلفي إذا كانت السلفية هي أتباع السلف الصالح, لكن السلفية هي الغطاء الشكلي للوهابية واؤكد لك ان الأزهر ليس كله من الوهابيين, هم قلة لكن صوتهم عال جدا والإعلام أعطاهم مساحة و أنا أناشد الإعلام ان يركز علي العناصر التي تساعد علي نشر ثقافة الحوار ولكن الاعلام مازال مع المختلف والإثارة فهم يركزون علي فقه الصحراء, والتفاهات ونحن نركز علي فقه الأولويات وليس الهامشيات علي مبروك:. اذا كنا نتكلم عن دولة حديثة حقيقية لابد أن تتمتع فيها المؤسسات بمافيها مؤسسة الأزهر باستقلالها محمود عزب:أنا سمحت لنفسي واستاذنت شيخ الأزهر أنا أقول الأزهر الجديد لاعبر عن الجهد المبذول لإصلاح التعليم وادعوك وادعو قاريء الاهرام الكريم لمتابعة جهودالتطهير من الركود الذي حدث لمصر خلال30 سنة ملحوظة.. بعد أيام من عقد الندوة اثبت الازهر ان هناك تحولا مهما فيه فقد انحاز لثوار ميدان التحرير في ثورتهم الثانية ورغم ان الازهر كمكان اقرب لميدان العباسية ولكنه كمكانة اقرب للتحرير وقد انحاز الازهر الجديد كما يصفه الدكتور محمود عزب الي التحرير. رؤية مسيحية وبعد ذلك القي القس الدكتور أكرام لمعي استاذ اللاهوت ومقارنة الاديان مداخلة حول رؤيته لمستقبل الثقافة. إكرام لمعي: لايطرح سؤال المستقبل في بلادنا إلا إذا كان الحاضر يعاني أزمة حادة ويستشعر خطرا حقيقيا يهدد الهوية, ونحن بعد25 يناير نعيش أزمة حقيقية. فهناك خطر يهدد هويتنا كشعب مصري ولكي نتكلم عن مستقبل الثقافة في مصر لابد ان نعود للبدايات والبداية كانت بصدمة الحملة الفرنسية التي كشفت مدي وجود مصر خارج التاريخ في ذلك الوقت,. بعد ذلك أسس محمد علي مصر الحديثة بالانفتاح علي الغرب وإنشاء المدارس والتأكيد علي المواطنة والمساواة ومحمد علي سار علي النهج الأوروبي في تكوين الدولة, ولكن المشكلة ان كثير من المصريين في ذلك الوقت كانوا يرون أن كل ما جاءت به الحملة الفرنسية حرام, وأن كل مايأتي من الغرب محرم. جاء الخديوي عباس الذي رفض كل ما عمله أبوه وتقرب إلي التيار الديني المضاد للغرب ثم جاء اسماعيل بثقافته الفرنسية,وحفر قناة السويس وأنشأ السكك الحديدية وأسس أول مدرسة للبنات, وفرض ضرائب علي ملاك الأرض, وأعاد تفسير وصياغة الشريعة الإسلامية في القوانين المصرية, والغي تطبيق الحدود من القانون المصري. من هنا بدأ خروج الفكر المضاد للفكر العلماني ليواجه ماقام به محمد علي واسماعيل بعد غزو الإنجليز لمصر. في ذلك الوقت برز سؤال مهم في الجو الثقافي المصري: لماذا أعطي الله القوة والنصر للغرب الكافر ليتحكموا في شعب الله المؤمن ؟ و حاول كل المثقفين في ذلك الوقت أن يجيبوا علي هذا السؤال فكان جواب الافغاني: لأن الأمة الإسلامية غير متحدة والحل في الأمة الإسلامية, وأننا لابد ان ندرس الحضارة الغربية ونأخد منها مايفيدنا. وبعد الافغاني جاء محمد عبده مفتي الديار المصرية ومن أهم ما قاله: ان ماحدث في عهد الرسول لايمكن إعادة تطبيقه بحرفيته في العصر الحالي لوجود تغيرات كثيرة إجتماعية وثقافية وسياسية تتطلب اجتهادات حديثة وتأويلا جديدا للنص الديني, كما تحدث عن الحاجة للتغيير مع ربط التغير بمباديء الإسلام و كان من تلاميذه قاسم أمين الذي أجاب علي هذا السؤال بان الجهل السبب في انتصارالغرب علينا ولابد من تعليم المرآة اما أحمد لطفي السيد فأجاب ان الإستبداد هو السبب وأن الحرية السياسية أساس لكل الحريات الأخري وأكد علي المواطنة كحل بعدها جاء طه حسين. وهنا ملاحظتان علي فكر النهضة الأولي: ان واحدا من رواد النهضة لم يسر إلي نهاية الطريق فمحمد علي نادي بالدولة الحديثة لكن ترك التعليم الديني يسير بالتوازي مع التعليم المدني دون محاولة مصالحة بين الاثنين فأصبحت هناك منافسة و رفض متبادل الملاحظة الثانية: أن كل المصلحين لم تكن لهم نظرية متكاملة فالامام محمد عبده تراجع أمام المتطرفين الإسلاميين, و لم يضع نظرية إصلاحية متكاملة للفقه الإسلامي ولذلك كان من الطبيعي أن ينقسم تلاميذ محمد عبده إلي اتجاهين متناقضين احدهما ليبرالي والثاني متشدد. والخطان يدعيان أنهم تلاميذ الامام. طه حسين تحدث عن مستقبل الثقافة في مصر بمناسبة توقيع معاهدة1936 باستقلال مصر و كانت بداية عهد جديد مثلما نحن الآن في بداية عهد جديد بعد ثورة25 يناير في ذلك الوقت شعر الشعب المصري بالحرية والاستقلال وهوالشعور نفسه الذي نحسه الآن ولو قرانا خطاب طه حسين سنجده كمن يتحدث عن حالنا اليوم فهو يقول: من الخير أن نغتبط بهذا ونبتهج له, ولكن علي أن لانكتفي بالإغتباط والابتهاج وننشغل بالفرح عن النشاط وإلا يصرفنا الأمل عن العمل وألا نقف أمام الاستقلال والحرية موقف المعجبين بهما والمطمئنين إليهما إنما نأخذهما كما تأخذهما الأمم الراقية علي أنهما وسيلة للكمال وسبب من أسباب الرقي. ويخشي طه حسين من العالم الخارجي الذي يراقبنا: لئلا ياتي اليوم الذي يقول فيه هذا العالم الخارجي: طالبوا بالاستقلال واتعبوا أنفسهم وأتعبوا الناس في المطالبة به حتي إذا ماا نتهوا إليه لم يذوقوه ولم يعرفوا كيف ينتفعون به.. أعتقد أن هذه الجملة تنطبق تماما علينا بعد ثورة يناير ونخشي فعلا أن يأتي الوقت الذي يقال فيه عنا: طالبتم بالحرية واتعبتم نفسكم وأتعبتم الناس معكم في المطالبة بها ولما حققتم الثورة لم تذوقوها ولم تعرفوا كيف تنتفعون بها وحدد طه حسين رؤيته عن مستقبل الثقافة في إرتباطها بالغرب مؤكدا ان مصر لم ترتبط إطلاقا بالشرق البعيد إذ أن صلتها كانت دائما مع بلاد الشرق القريب فلسطين والشام والعراق أي الشرق الذي يقع في حوض البحر المتوسط.. ويؤكد أن مصر كانت لها علاقات قوية جدا بالحضارة اليوناينة في عصور إزدهارها منذ القرن السادس قبل الميلاد إلي أيام الإسكندر وبعد فتح الإسكندر لمصر صارت مصر إحدي عواصم اليونان الكبير ومصدر من مصادر الثقافة اليونانية, و بعد دخول الإسلام أمن المصريون بالإسلام وتحدثوا العربية كما أن المسيحية التي ظهرت في الشرق غمرت أوروبا واستأثرت بها.. فلم تصبح أوروبا شرقية ولم تتغير طبيعة العقل الأوربي وقد اتصل الإسلام بالفلسفة اليوناينة فأسلمت الفلسفة اليونانية وتفلسف الإسلام.. كما تنصرت الفلسفة وتفلسفت النصرانية.. وبتحليل طه حسين للعقل الأوربي يقول أنه يرجع إلي3 عناصر: حضارة اليونان ومابها من فلسفة وفن, و حضارة الرومان ومافيها من سياسة و قانون والدين المسيحي بما فيه من دعوة للخير وحث علي الإحسان وبعدها يحلل العقل الإسلامي بنفس المنهج فيقول انه يعود الي حضارة اليونان بما فيها من فلسفة و حضارة الرومان بما فيها من سياسة ثم حضارة الإسلام بما يدعو إليه من خير ومايحث عليه من إحسان وبعد ثورة يوليو1952 أصبحت فكرة القومية العربية هي السائدة في مواجهة التيار الإسلامي وأصبح لدينا3 تيارات الأول: الإنتماء للحضارة الغربية بحكم التاريخ والجغرافيا والثاني: الإنتماء للحضارة الإسلامية بحكم التاريخ والجغرافيا والدين والثالث: الانتماء للحضارة العربية بحكم التاريخ والجغرافيا وهذه الصراع احتدم بين التيارات الثلاثة, وكان المسيحيون يميلون للتيار القومي لأنه لايستبعد المسيحيين من العروبة, فالمسيحيون العرب كانوا موجودين قبل الإسلام, واستمروا في ظل الحضارة الإسلامية. إلا أن انحسار التيار القومي بعد هزيمة1967 وصعود تيار الجماعات الإسلامية حصر المواجهة بين تيارين رئيسين: هما تيار الليبرالية من جانب والإسلام السلفي من الجانب الآخر. وبقيام ثورة25 يناير وجدنا أنفسنا مرة اخري بين تيارين الأول هو من قام بالثورة شباب الفيس بوك المنتمي إلي فكرالحضارة الغربية و بعد نجاح الثورة قفز التيار الديني المتشدد علي الثورة ووقعنا بين الاثنين فماذا نفعل من أجل المستقبل ؟ ظواهر نقابية ولكي اجيب علي هذاالسؤال رجعت الي الاسئلة التي اطلقها كانت في دعوته التنوير: مالذي نحتاج أن نعرفه( قضية المعرفة) ؟ ومالذي نحتاج أن نعمله بمعارفنا( قضية الحركة نتيجة المعرفة), ومالذي نحتاج أن نأمله قضية المستقبل؟ أولا: مالذي نحتاج أن نعرفه ؟ نحتاج أن نعرف الواقع الثقافي المصري لنكتشف الأنظمة الثقافية والبنيات الذهنية التي تشكلت مع الزمن, وانعكست عل كل وسائل وبرامج التعليم والإعلام سواء الشعبي أو الرسمي المدني أو الديني وأذكر لكم بعض الظواهر التي رصدتها الظاهرة الاولي: التدين المنقوص يقولون ان الشعب المصري شعب متدين. فهل نحن شعب متدين ؟ وبحسب تصوري الشخصي فأن الشعب المصري شعب متعبد يحرص جيدا علي أداء الفرائض, ولكن التدين الحقيقي يحتوي علي أشياء أخري ودونها ينتفي التدين ومنها السلوك اليومي في احترام القانون بدءا من اشارة, المرور حتي تنفيذ أحكام القضاء, مرورا بطهارة اللسان والفكر والضمير. وعندما نكتشف حجم الفساد الموجود في الشارع المصري بداية من رشوة أمين الشرطة و البلطجي اللي يركن لنا السيارة إلي فساد رئيس الجمهورية والوزراء أقول أن الشعب المصري ليس شعبا متدينا مع الأسف. الظاهرة الثانية: ارتباط الدين بالفقر حيث تمتليء أدبيات الدين الإسلامي والمسيحي بأن الأكثر فقرا هو الأكثر تدينا وأن التدين يحض علي الإتكال علي الله بمعني التواكل ولأن الأغلبية العظمي فقراء فانهم يشعرون بالراحة مع هذا الفكر فالأئمة اوالقساوسة في أغلب عظاتهم ينتقدون الأغنياء علي أسا س أنهم فاسدون اذ أن الغني يؤدي إلي البعد عن الله وأن الفقراء لهم الجنة بسبب معاناتهم في الأرض الظاهرة الثالثة: ارتباط الدين بالعنف ومن الغريب أن بعض العنف يتفجر عقب اداء الصلاة بينما مفهوم الصلاة يعني التقرب إلي الله وهذا تناقض عجيب جدا الظاهرة الرابعة: العقلية الأحادية: نلاحظ أن الأوروبي يمكن أن يكون فرنسيا واوروبيا ومسيحيا في آن دون أن يشعر بأي تناقض لكننا أصحاب عقلية أحادية فنكون اما قوميين أوعروبيين أوإسلاميين و مع ان هناك مفكرين مسيحين يؤكدون أن المحتوي الحضاري للقومية العربية إسلامي وان المسيحيين العرب أسهموا إسهاما ضخما جدا في الحضارة الإسلامية نجد ان هذا منكر لدي بعض المفكرين المسلمين. الظاهرة الخامسة: إزدواجية الخطاب الديني.وهذا أكبرعامل لفشل الحوار الديني في السنوات الماضية والذي تكلف ملايين الجنيهات في منتديات ومؤسسات فما يقوله العالم الديني حول مائدة الحوار يختلف تماما عما يقوله لأتباعه حفاظا علي شعبيته وهذه كارثة بكل المقاييس وأنا اتكلم عن رجل الدين المسيحي والإسلامي, ومن المفارقة أن التطرف زاد في مصر بعد بداية الحوار بين المسلمين والمسيحيين في بداية التسعينيات لماذا؟ لأن المتطرفيين لايستمعون لما يقوله قائدهم علي مائدة الحوار,و لكن لمايقوله في الجلسات المغلقة الظاهرة السادسة: التعليم المتخلف يقول باولو فيراري احد قساوسة لاهوت التحرير: ليس هناك تعليم محايد فإما تعليم للترويض أو تعليم للحرية.. ولو نظرنا لكل المناهج التعليمية عندنا سنجدها تعليما للترويض والتدجين وليست تعليما للحرية, اضافة الي النقاط الست عندنا40% من الشعب أميون وعندنا40% أمية متعلمين وهذه هي الخريطة الثقافية في مصر مع الأسف. مالذي يجب أن نعمله نتيجة إلي هذه المعرفة ؟ .. المسيحيون في مصر لابد ان يتصالحوا مع أنفسهم وان يعيشوا كمواطنيون مصريون, نحن امتداد للمسيحيين العرب الذين اسهموا في الحضارة الإسلامية. وفي أيام الخلافة العباسية كان الناس في بغداد في الشارع يفتحون القرآن و والانجيل ومقالات الفلاسفة وتحدث حوارات في الشارع. .. وأعتقد أن المأساة التي حصلت للحضارة الإسلامية هي عدم انتشار فكر المعتزلة العقلانيين لأنه لو ساد فكرهم و لو لم يرتدوا علي أنفسهم ويقتلوا المخالفين لهم بعد ان صاروا في السلطة لاختلف الوضع الي اليوم. ونعود للسؤال: مالذي يجب أن نعمله ؟علينا صنع ثقافة مضادة للثقافة السائدة المسيطرة علي شعبنا وبحسب تصوري يجب أن تكون لنا رؤية للمستقبل ثم نفكر في كيفية تحقيق هذه الرؤية, لنصنع مستقبل الثقافة في مصر فمن سيضع الرؤية إنهم المهمومون بمستقبل الثقافة في مصر وهناك نوعان من المثقفين: الذي ينظرولكنه لا ينزل الي الشارع و هناك فلاسفة كانوا يسمون الفلاسفة المشاؤون الذين يحاورون الناس. من النوع الأول كان أفلاطون وأرسطو, ومن النوع التاني كان سقراط والمسيح حيث كانا يعلمان الناس نحن الان بحاجة الي فلاسفة مشائين يحتكون برجل الشارع ويزيلون الفجوة الواسعة بينهم وبين الناس وأنا اقترح علي الأهرام أن تقوم بهذه الفكرة وأن تدعو مجموعة المثقفين المخلصين لمصر وتطلب منهم أن يضعوا رؤية للمستقبل في كل المجالات ويحاولوا أن يضعوا آليات لوصول هذه الرؤية للناس السؤال الثالث مانحتاج أن نأمله ؟ مانحتاج أن نآمله هو أن نحقق هذه الرؤية المستنيرة لمجتمعنا ولايعوقنا عائق ثم بدا الحوار مع القس لمعي عقب المحاضرة محمد حربي: كيف تري الثقافة المصرية الحالية.. هل هي جذور مسيحية وفروع إسلامية ؟ أم فروع بلاجذور أم بلا هوية دينية أصلا ؟ اكرام لمعي: الثقافة المصرية تاريخيا هي يونانية رومانية عربية مسيحية إسلامية.. كل هذا موجود في الهوية لأن الهوية عبارة عن التقاء التاريخ والجغرافيا والبشر, ونحن مهتمون فقط بالهوية الدينية مع انها احدفروع الهوية أوأحد فروع الحضارة الإنسانية التي تتكون من الدين والفن والأدب .. والهوية ليست جوهرا ثابتا بل هي ديناميكية متغيرة والمتطرفون هم الذين يقفون بالهوية عند زمن معين ف يصبحون وكأنهم خارج الزمن الحاضر وأهم مافي الحضارة الانسانية الان حقوق الإنسان في كل الأمور وبالتالي نحن نتكلم عن حضارة واحدة كل الثقافات تذوب في ثقافة إنسانية واحدة يتفق عليها العالم كله بقيم مشتركة مثل المساواة و الحرية ابراهيم فاروق: ماذا عن الكنائس وموقفها من ثورة يناير؟ كان موقف معظمها الرفض بعد طول انصياع لنظام مبارك. ومونتسكيو فيلسوف الثورة الفرنسية قال ان هناك ثلاثة أنظمة: نظام ديكتاتوري وعامل استمراره الخوف, فإذا سقط الخوف سقط الديكتاتور.. ثم هناك النظام الملكي وعامل استمراره الإجلال وإذا سقط هذا الإجلال يسقط النظام, ثم هناك النظام الديمقراطي وعامل إستمراره وعي الجماهير والديكتاتور لديه أنظمة أمنية لحمايته وفي الوقت نفسه يحرص علي أن يضع ديكتاتورا صغيرا في كل مؤسسة لكي يتسني له ان يحرك البلد بالتليفون و لما سقط الديكتاتورارتبك كل الديكتاتوريين الذين كانوا حوله ويساندوه ولذلك كان تفكيرهم بطيئا. فكان من الصعوبة أن ينضموا للثورة بهذه السهولة ولكننا رأينا الشباب من الاقباط يخرجون علي رئاستهم و التحرك بمفردهم لأول مرة من30 سنة لأن لجوءهم للكنيسة كان بسبب الديكتاتورية فأصبحت الكنيسة تعمل بالسياسة وتعمل بالدين في الوقت نفسه والان انتهي هذا العهد ده ودخلنا عصرا جديدا. محمد حربي: لماذا تراهن علي النخبة في رؤيتك لمستقبل الثقافة ؟ أكرام لمعي: الشارع عمل الثورة لكن الوعي لم ينتشر بدرجة كافية لتاسيس نظام ديمقراطي مستقر, وما اتكلم عنه هو دور النخبة المؤمنة بالثورة والتغيير وادعوها لان تلتحم بالجماهير ويكونوا مشائين يمشوا وسط الناس ويشجعوهم,90% من ابناء الشعب لا يزالون مدجنين ومروضين ولابد ان يكون الثائرين من المثقفين كارم يحيي: أنا لا اتصور أن تكون هناك مؤسسات تسمي دينية علي رأسها رموز بدأت في وجودها في عهد الديكاتورية ولاتمارس نقدا ذاتيا لما قامت به او تبدي نقدا للمحاكمات العسكرية للمدنييين او القمع الذي ينتشر الان ضد المتظاهرين ؟ علي مبروك: لي ملاحظة حول مفهوم النخبة والجماهير.. إنك( الذي الح عليه محمد حربي ومن يتابع الشأن المصري يدرك أن النخبة هي الأزمة, ولابد أن نتوجه بالخطاب إليها لأن النخبة هي التي تقضي المساءات كلها في الثرثرة علي الشاشات بكلام معاد ومكرور ولامعني له و هي تؤثر في جماهير و لابد أن نتوجه إلي هذه النخبة ونكشف عوار خطابها وهشاشته وبؤسه زينب عبد الرزاق: اري أن كل المجتمع بكل طوائفه وكل نخبه الثقافية والسياسية في حالة تناحر بعد الثورةوكل يرفض الآخر.. فكيف نبدا العمل لوقف هذا التناحر ؟ إكرام لمعي: المؤسسات الدينية بدون نقد ذاتي لاقيمة لها ولاتسطيع أن تشارك الدولة أو الجماهير في صنع المستقبل ؟ اكرام لمعي: النقد الذاتي مهم جدا فالإصلاح الديني بدأ في أوروبا بالنقد الذاتي ولما نجح هذا النقد استطاعت أوروبا ان تنهض دينيا وثقافيا وسياسيا, ومشكلة المؤسسات الدينية أنها تتكلم باسم الرب: الرب قال كذا ولا احد يقول أنما يقوله هو تفسيره لكلام الرب. والمؤسسة الدينية التي لا تدين المحاكمات العسكرية للمدنيين أو أي ممارسات قمعية أخري تتخلي عن الدور الأصلي لوجودها فاللاهوت الخاص بالمؤسسة الدينية المسيحية له قدمان: الدور الكهنوتي والدور النبوي, الدور الكهنوتي يظهر فيالصلاة والفرائض اما الدور النبوي فأن تكون هذه المؤسسة ضمير المجتمع مثل الأنبياء الذين قاومو كل سلطة غاشمة محمد حربي: كيف تري مستقبل الثقافة ؟ اراه في الابداع الجماعي للشعب وللاسف فان الديكتاتورية الموجودة الي الان في المؤسسات المجتمعية أكبر مانع لهذا الإبداع الجماعي ومن اسف فان مصر لايوجد بها إبداع جماعي عندنا إبداع فردي واجتهادات فردية, اما الثورة فكانت لحظة إبداع جماعي اذ نجحت في تطوير نفسها وتوحيد صفها كل يوم, ومن المهم ان نشجع الابداع الجماعي ونحميه حتي من نفسه.