في السابق, كانت أصابع الاتهام في أزمة البوتاجاز التي تشهدها الأسواق في فصل الشتاء, تتجه دائما نحو نقص الكميات المطروحة للبيع بسبب استخدام الاسطوانات في الغرض غير المخصص لها, كأن تتسرب الاسطوانات المنزلية إلي قمائن الطوب, ومزارع الدواجن, والمحلات التجارية. , لكن الأزمة الحالية لها أسباب أخري.. فالكميات التي تم ضخها في المستودعات تكفي احتياجات الأسرة المصرية, وظهر سبب جديد للأزمة وهو سيطرة البلطجية علي مستودعات البوتاجاز, والسطو علي سيارات نقل الاسطوانات في أثناء ذهابها من المخازن ومحطات التعبئة إلي المستودعات, حتي وصل سعر الأنبوبة إلي45 جنيها في بعض المناطق! أحدث هذه الجرائم ما حدث في جنوبأسيوط قبل أيام, حيث قام بعض الأهالي كما يقول محمود عمر( موظف) بتهديد سائق سيارة اسطوانات البوتاجاز التي كانت متجهة إلي قرية ديروط الشريف, مستخدمين الأسلحة الآلية, وتم توجيه السيارة إلي الطريق الزراعي في مركز منفلوط بأسيوط, حيث تم تفريغ حمولة السيارة من الاسطوانات المعبأة بالقوة, وتم تحميلها باسطوانات فارغة, وتركوا للسائق قيمة الشحنة. الأزمة مفتعلة في الواقع, يبلغ الإنتاج المصري من أنابيب البوتاجاز كما يقول عبد النبي عبد المطلب الخبير الاقتصادي- ما يقرب من355 مليون اسطوانة بوتاجاز سنويا بواقع30 مليون اسطوانة تقريبا في الشهر طبقا لبيانات عام2011/2010, ويبلغ عدد الأسر المصرية نحو15 مليونا و200 ألف أسرة موزعة علي أنحاء الجمهورية يسكن نصفهم في الحضر والنصف الآخر في الريف, ووفقا للأرقام فإن نصيب الأسرة بالقاهرة يبلغ نحو8,1 اسطوانة لكل أسرة, مقابل2.1 في البحيرة, و2,2 اسطوانة في القليوبية, و1,1في الجيزة اي ان متوسط نصيب الأسرة من أنابيب البوتاجاز يبلغ نحو2 اسطوانة شهريا, وتستحوذ محافظة القاهرة علي نحو4.1 مليون اسطوانة شهريا بواقع10.3% من اجمالي أنابيب البوتاجاز, تليها محافظة البحيرة بنحو2.1 مليون اسطوانة شهريا بما يمثل نحو7.2% من اجمالي أنابيب البوتاجاز. والسؤال: هل تكفي اسطوانتا بوتاجاز شهريا احتياجات الأسرة المصرية ؟! الأمر يختلف من مكان إلي آخر, حيث يعتقد الدكتور عبد النبي عبد المطلب أن المتوسط يرتفع عن اسطوانتين شهريا في حال استبعاد عدد الأسر التي تستخدم الغاز الطبيعي في المدن الكبري, إضافة إلي استبعاد بعض الأسر التي تستخدم البوتاجاز للطهي فقط, حيث تشير البيانات إلي أن المستفيدين من الغاز الطبيعي المنزلي في مناطق القاهرة الكبري, والإسكندرية, وبورسعيد, والسويس, والإسماعيلية و محافظات الدلتا وصل إلي2.2 مليون وحدة أي ما يقرب من2.2 مليون أسرة إذا اعتبرنا أن كل أسرة تسكن في وحدة سكنية. والأمر كذلك, فإن الإحصاءات والبيانات توضح زيادة المعروض من اسطوانات البوتاجاز علي الاحتياجات الفعلية, والمقصود بها الاستخدام المنزلي فقط, وهذا يقودنا إلي السؤال التالي: أين المشكلة؟ ولماذا تشتد الأزمة وتنفرج دون أسباب حقيقية واضحة؟. الإجابة عن السؤال تكمن كما يقول د.عبد النبي- في وجود الدعم لهذه الاسطوانات, فمثلا يختلف سعر الاسطوانة المخصصة للاستخدام المنزلي(الاسطوانة الصغيرة سعة12 كجم) عن الاسطوانة المخصصة للمجالات التجارية وهي الاسطوانة الكبيرة. والفرق هنا كبير جدا بما يغري أصحاب المستودعات بتفضيل بيع الاسطوانات المخصصة للمنازل إلي أصحاب المحال التجارية. وقد كشفت الحملات التي قامت بها الأجهزة المعنية لضبط سوق البوتاجاز عن استخدام مصانع صهر الالومنيوم, ومصانع إنتاج الطوب والكثير من المحال التجارية ملايين الاسطوانات شهريا, ولاشك أن فارق السعر في اي مجال يخلق نوعا من السوق السوداء, ويخلق مجموعة من أصحاب المصالح تستعين ببلطجية من اجل منع المستحقين لأنابيب البوتاجاز من الحصول علي حقهم, كما أن هناك عددا كبيرا من سكان المدن لا يستطيعون الذهاب إلي المستودع أو حمل الاسطوانة إلي أماكن إقامتهم لأن ذلك يتكلف كثيرا. وبحسبة بسيطة, فإن نقل اسطوانة البوتاجاز من المستودع إلي محل الإقامة يتكلف في المدينة في المتوسط15 جنيها بين أجرة نقل وتركيب يضاف إليها ثمن الأنبوبة في المستودع4 جنيهات فيبلغ ثمن وصولها15 جنيها, مما يجعل غالبية المصريين في المدينة يفضلون التعامل مع التجار السريحة عن التعامل مع المستودع ويدفع20 أو25 جنيها مقابل توصيلها إلي محل الإقامة, وعندما تشتد الأزمة يرتفع سعر الاسطوانة في السوق السوداء إلي45 جنيها. الحل يبدأ من هنا والحل يكمن كما يراه الدكتور عبد النبي عبد المطلب في تغليظ العقوبة علي المستودعات التي تتاجر في اسطوانات البوتاجاز المخصص للاستهلاك المنزلي, و مصادرة كل الاسطوانات وغلق المصانع أو المحال التجارية التي تضبط مستخدمة للاسطوانات المخصصة للاستهلاك المنزلي مع حبس أصحابها وتغريمهم غرامات مالية كبيرة, والإسراع في تنفيذ مشروع توزيع اسطوانات الغاز بالكوبونات بواقع اسطوانتين شهريا لكل أسرة مكونة من خمسة أفراد, وثلاث اسطوانات للأسرة أكثر من ذلك, مع إتاحة الحصول علي ما فوق ذلك بالأسعار الحقيقية وضرورة مشاركة المجتمع المدني في رقابة توزيع اسطوانات الغاز علي الفئات المستحقة بالكميات المستحقة بما يمنع التلاعب والتسرب إلي الأغراض التجارية. تكثيف الحملات الرقابية الرقابة مستمرة علي مستودعات البوتاجاز- هكذا يؤكد فتحي عبد العزيز رئيس قطاع الرقابة والتوزيع بوزارة التضامن الاجتماعي- ولكن هناك حالة غير مسبوقة من الانفلات الأمني, يقوم خلالها البلطجية باقتحام المستودعات, مشيرا إلي أن الخارجين عن القانون, قاموا بحرق إطارات السيارات أمام مخازن شركة بوتاجاسكو في منطقة عين الصيرة, كما قاموا بتحطيم زجاج السيارات المحملة بالاسطوانات للحيلولة دون تحرك السيارات لتلبية احتياجات المناطق المختلفة من الاسطوانات, غير أن السائقين يلجأون إلي تغيير مسارات السيارات تفاديا لأعمال البلطجة, كما تم الاستعانة بقوات من الشرطة العسكرية لتأمين المستودعات, إلي جانب إنشاء خط ساخن برقم19468 للإبلاغ عن أي تجاوزات, وتهيب وزارة التضامن بالمواطنين التمسك بالسعر الرسمي للاسطوانة وعدم شراء الاسطوانة بأكثر من4 جنيهات, لتضييق الخناق علي تجار السوق السوداء. والحال كذلك, هناك تنسيق كامل بين وزارة التضامن والمحافظين لتوفير الاحتياجات المطلوبة من اسطوانات البوتاجاز, فضلا عن تكثيف الرقابة علي المستودعات, حيث يجري البيع تحت إشراف مديريات التموين لضمان وصول الاسطوانات إلي مستحقيها, ومواجهة التلاعب بها, لبيعها في السوق السوداء, مشيرا إلي أن هناك خطة لتوزيع الاسطوانات بكوبونات بواقع اسطوانة واحدة لكل3 أفراد, واسطوانة ونصف الاسطوانة للأسر الكبيرة, علي أن يتم التسلم كل شهرين عبر الكوبونات التي يتم توزيعها علي البطاقة التموينية, وكانت الخطة جاهزة للتنفيذ انطلاقا من محافظتي الوادي الجديد والبحر الأحمر لكن الدواعي الأمنية, والظروف الراهنة التي تشهدها البلاد حالت دون ذلك, وتقرر تأجيل مشروع الكوبونات لحين استقرار الأوضاع. وفي محاولة لمواجهة زيادة معدلات الاستهلاك, ودعم المناطق التي تشهد اختناقات في البوتاجاز, عقد وزير التضامن والعدل الاجتماعي الدكتور جودة عبد الخالق والمهندس عبد الله غراب وزير البترول اجتماعا منذ أيام, تم خلاله الاتفاق علي زيادة حصة البوتاجاز إلي14 ألف طن بدلا من12 ألف طن يوميا أي بما يعادل مليونا و120 ألف اسطوانة يوميا. الانفلات الأمني الأمر نفسه يؤكده المهندس أحمد غراب رئيس شركة الغازات البترولية بتروجاس فالأزمة الراهنة لم تنشأ بسبب نقص في الكميات, لأنه تم ضخ مليون و200 ألف اسطوانة خلال الأيام الأخيرة, ولكن الأزمة ترجع إلي حالة الانفلات الأمني التي تشهدها البلاد حاليا, فضلا عن ممارسات البلطجية الذين يستهدفون المستودعات, وسيارات النقل المحملة بالاسطوانات, ويبحثون عن وسيلة للتربح, من خلال السطو علي الاسطوانات المدعمة وبيعها بأضعاف سعرها, ولذلك يجري العمل بالتنسيق مع الأجهزة المعنية لتأمين المستودعات, والحيلولة دون وصول البلطجية إليها, والقضاء علي الوسطاء. [email protected]