تناولنا في الحلقة السابقة أهمية إصلاح الحكم علي المستوي القومي, ونتناول اليوم أهمية إصلاح الحكم علي الصعيد العالمي. فمطلوب بداية إصلاح منظومة الأممالمتحدة بحيث تصبح نموذجا للحكم الديمقراطي الصالح علي صعيد العالم, ويعني ذلك علي التحديد, الحد من سطوة مجلس الأمن علي القرار الدولي عن طريق تقليص دور العضوية الدائمة, وتوسيع العضوية في المجلس, وإلغاء سلطة النقض( الفيتو) المقتصرة حاليا علي بعض كبار الدول, علي أن يصبح اتخاذ القرارات بالأغلبية, مع اشتراط أغلبية الثلثين علي الأقل في قرارات التدخل المسلح, واخضاع مجلس الأمن للرقابة والمساءلة السياسية من قبل الجمعية العامة والقضائية من قبل محكمة العدل الدولية. ويستحسن بالاضافة توسيع نطاق الزامية قرارات الجمعية العامة مع توسيع نطاق المشاركة في مداولات الجمعية العامة, واتخاذ القرار فيها. ويتحقق ذلك في البداية بزيادة دور منظمات المجتمع المدني, والعمل علي تحويل الجمعية العامة الي برلمان البشرية عن طريق التمثيل الشعبي المباشر أسوة بالبرلمان الأوروبي ومجلس الأمة العربية, الذي يرجي ان يكون قد نشأ وقتها. ومطلوب كذلك ادخال اصلاحات مقابلة علي حكم المنظمات المتخصصة, وجدير بالذكر هنا أن تنظيم وأساليب عمل المنظمات الدولية المتخصصة تعكس هيكل القوة المعوج القائم في العالم, ولم يكن ذلك لقلة الاقتراحات المؤدية لتنظيم أفضل للعلاقات الدولية في منظور خدمة السلام والرخاء في العالم, ولعل أوضح مثال علي هذا هو تنظيم العلاقات الاقتصادية الدولية, فقد قامت منظمة التجارة العالمية لتحقق مصالح القوي المهيمنة علي النظام الرأسمالي العالمي, إهدارا لمقترحات أكثر عدالة سابقة عليها مثل مقترح الاقتصاد الأشهر جون مينارد كينز بإنشاء المنظمة الدولية للتجارة. لكن هذه الإصلاحات الموصوفة سابقا, حتي لو قامت كاملة, فلن تؤتي أكلها إلا بتبلور قوي عالمية تعدل كفة تسلط القوة الأضخم حاليا علي الساحة الدولية, وكذلك بتعاون هذه القوي تحت مظلة حقوق الانسان, والعدالة والرخاء للجميع, ولكن الغاية المرحلية عمليا هي نوال الأهداف التنموية للألفيةMDG التي حظيت بإجمالي دولي هائل ومع ذلك يتقاعس الجهد الدولي عن تعبئة الموارد اللازمة لنوالها علي حين لا تواجههم صعوبة في تدبير الاف المليارات لمشروعات الغزو والهيمنة. والانظار هنا تشخص الي أوروبا من ناحية, وإلي شرق آسيا من ناحية أخري, وقد كان الأمل أن تؤدي عملية صوغ دستور الاتحاد الأوروبي وعملية التوسع, مع ارهاصات توحيد السياسة الخارجية والدفاع, الي تعظيم فرصة تحول أوروبا الي قوة عالمية يعتد بها, وتلتزم التزاما نزيها بمبادئ العدل والسلام والرخاء للجميع في حمي القانون الدولي لحقوق الانسان, غير أن أوروبا قد خيبت الآمال المعقودة عليها حتي الان, لا سيما فيما يتصل بنصرة الحقوق العربية المشروعة بما يتفق وتشدقها بالحرص علي الحرية وحقوق الانسان, وأكبر مثلين علي هذه الخيبة هما مشاركة أوروبا في حصار تجويع الشعب الفلسطيني عقابا علي اختياره الحر والنزيه لحركة حماس في الانتخابات التشريعية(2005), وتقاعسها عن نصرة الشعب اللبناني خلال العدوان الصهيوني في صيف2006 وأهل غزة في محرقة2008, وبدت أوروبا في الحالتين تابعا خانعا للسياسة الأمريكية الامبراطورية والظالمة في المنطقة العربية, بل أسفرت بعض من أكبر دول أوروبا عن تطلعات لإعادة بسط نفوذها علي لبنان من خلال المشاركة في القوة الدولية التي أنشأها قرار مجلس الأمن1706, ولعل الأمل مازال قائما, وربما أكبر من حالة أوروبا, في أن تنحو القوي الصاعدة في شرق آسيا, ودول الجوار الإسلامية الكبري تركيا وإيران, منحي مقاوما للهيمنة وداعما لإحقاق الحقوق في العالم. إلا أن تبلور كتلة عربية تلعب دورا مهما علي الصعيد الدولي يتعين أن يكون هدفا رئيسيا لمسيرة النهضة في الوطن العربي, مع التأكيد علي أن قيام مثل هذه الكتلة يستلزم توافر مقوماتها, ولو بشكل جنيني في بداياتها, وتتمثل هذه المقومات في الواقع في مستلزمات نهضة انسانية في البلدان العربية ومن أهمها هنا التنمية المستقلة وقيام الحكم الصالح علي الصعيد القومي, ومن ناحية أخري, فإن قامت هذه الكتلة فستلعب دورا مهما في تسهيل بناء النهضة الانسانية العربية ذاتها, هناك إذن تضافر قوي بين قيام نهضة انسانية في الوطن العربي, تتمركز حول التكامل العربي وصولا للتوحد, ومساهمة العرب في تشكيل عالم أفضل للإنسانية جمعاء, ومن موقع قدرة ومنعة. وبالإضافة يتعين أن ينصب جهد مثابر علي إعادة الحيوية لتكتلات المستضعفين في الأرض, وتيارات المقاومة للهيمنة الامبريالية والبربرية الليبرالية الجديدة, خدمة لغاية التنمية الانسانية للبشرية جمعاء, وفي التغييرات السياسية الأخيرة في أمريكا اللاتينية بداية واعدة في هذا المضمار يتعين أن يلتفت العرب اليها بجدية. دور لمنظومة الأممالمتحدة علي الرغم من الانتقاص من مصداقية المنظمة الأممية في السنوات الأخيرة نتيجة لاختطاف القوة الأضخم الراهنة لآليات المنظمة, خصوصا مجلس الأمن الدولي, وتسخيرها لخدمة أغراضها في فرض هيمنتها علي العالم, وفي الشرق الأوسط خاصة, ما زالت المنظمة الأممية تحظي بمصداقية قد تفتقدها أي دولة منفردة مهما كانت قوتها, وإن كان من اللازم الإقرار بأن الأممالمتحدة قد خانت هذا الدور, تكرارا, في العراق وفلسطين ولبنان, ولكن في المنظور الايجابي, ينتظر ان تقوي مصداقية الأممالمتحدة كلما تقدم اصلاح الحكم علي الصعيد العالمي في الاتجاهات المشار اليها أعلاه. وترشح هذه المصداقية حال استنقاذها بإصلاح المنظمة الأممية, منظومة الأممالمتحدة لدور نزيه, ايجابي وفعال, وواسع القبول, لمساعدة الشعوب والدول علي اجتياز حقب حرجة في تاريخها, خاصة في مضمار الإصلاح السياسي, ومن الأدوار الجوهرية التي يمكن ان تضطلع بها المنظومة في التحول نحو الحرية والحكم الصالح في البلدان العربية, ضمان تحقيق الإصلاح القانوني الابتدائي المطلوب لحرية تكوين منظمات المجتمع المدني ونشاطها, وضمان توافر الشروط اللازمة لحيدة ونزاهة الانتخابات, وربما ولو لفترة انتقالية في بدايات تفعيل نظام الانتخابات, مراقبة اجراء الانتخابات لضمان نزاهتها ومصداقيتها, وشرط نجوع هذا الدور هو استنقاذ المنظمة لاستقلال القرار, من بطش القوة الأكبر, واعادة ترسيخ قواعد القانون الدولي لحقوق الانسان, وصيانتها للأمن والسلم الدولي وفق ميثاقها. ويتكامل مع الدور المأمول من منظومة الأممالمتحدة, توثيق عري التعاون مع تجمعات قوي التحرر, بما في ذلك حركات مقاومة الحرب في الغرب, والمنظمات الأهلية الدولية, خاصة تلك العاملة من أجل احترام حقوق الانسان, علي صعيد العالم كله. ويؤكد أهمية مثل هذا التحالف تعضيد منظمات المجتمع المدني, خاصة الحقوقية لاحترام حقوق الانسان عبر العالم ومن أمثلتها المهمة قيام مجموعة من المحامين الدوليين الذين يمثلون منظمات دولية حقوقية وعلي رأسها الجمعية الألمانية للمحامين الجمهوريين والاتحاد الدولي لحقوق الانسان والمركز الأمريكي من أجل الحقوق الدستورية, برفع دعوي أمام سلطات التحقيق في المحكمة الاتحادية الألمانية باسم معتقلين في سجني أبو غريب و جوانتانامو تتهم عسكريين أمريكيين عملوا في قوة احتلال العراق( جانيس كاربنسكي و ريكاردو سانشيز) وقيادات سياسية أمريكية( ديك تشيني و دونالد رامسفيلد و جورج تينيت و ألبرتو جونزاليس) بتهم تتعلق بالتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان. المزيد من مقالات د . نادر فرجانى