ما إن طرح المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة فكرة الاستفتاء علي بقاء المجلس العسكري في السلطة من عدمه لحين انتخاب رئيس للجمهورية في يونيو القادم حتي ثارت حالة من الجدل في الشارع السياسي. وانقسمت الآراء بين مؤيدين لبقاء المجلس لممارسة مهامه خلال المرحلة الانتقالية لعدم وجود بديل, ومعارضين لذلك, والحل في رأيهم- فكرة إنشاء مجلس رئاسي مدني يضم بعض العسكريين,أو نقل السلطة إلي حكومة إنقاذ وطني وإذا كان البعض يقول إن المجلس العسكري قد تولي إدارة أمور البلاد بالتكليف وليس بالانتخاب ولا بالاستفتاء, ومن ثم تصبح فكرة الاستفتاء علي بقائه في السلطة غير مقبولة قانونا ولا دستوريا, فإن الدكتور صلاح الدين فوزي أستاذ ورئيس قسم القانون الدستوري بحقوق المنصورة يري أن من حق المجلس العسكري دستوريا-طرح أي أمر من الأمور العامة للاستفتاء الشعبي وفق الإعلان الدستوري الصادر في30 مارس2011, والذي أعطي للمجلس في مادته رقم(56) مهمة إدارة شئون البلاد, وجاء علي رأس هذه المهام مهمة التشريع, وتعيين الأعضاء المعينين في مجلسي الشعب والشوري ورئيس مجلس الوزراء, والعفو عن العقوبة, وكافة الاختصاصات الأخري المقررة لرئيس الجمهورية بمقتضي القوانين واللوائح.. لكن فكرة الاستفتاء في تقديري- تعد حلا غير عملي, وهي نوع من التنظير السياسي إن جاز التعبير. ** لكن, كيف يكون شكل الاستفتاء إذا تم اللجوء إليه؟ - الإجابة كما يقول الدكتور صلاح الدين فوزي, إنه من البديهي أن تكون الإجابة بنعم أو لا.. وتكون أسئلة الاستفتاء كالتالي: هل توافق علي استمرار المجلس الأعلي للقوات المسلحة في إدارة شئون البلاد لحين انتخاب رئيس للجمهورية في20 مارس2012 ؟.. نعم أو لا؟ إذا كانت الإجابة بلا.. يكون السؤال: هل توافق علي تشكيل مجلس رئاسي من مدني عسكري يتولي ذات الصلاحيات المنوط بها المجلس الأعلي للقوات المسلحة حاليا؟.. نعم أم لا؟ إذا كانت الإجابة بنعم: يكون السؤال: هل توافق علي أن يشكل المجلس الرئاسي علي النحو التالي: ويتم طرح أسماء محددة يتم الاستفتاء عليها.. ويجب أن يكون الاستفتاء حزمة واحدة, بمعني أنه يشترط الإجابة علي جميع الأسئلة الواردة به. لكن هناك حلا أيسر من ذلك كله, إذ يمكن أن يفوض المجلس الأعلي للقوات المسلحة- كما يقول الدكتور صلاح الدين فوزي- كافة صلاحياته المتعلقة بإدارة الشأن الداخلي للدولة, والواردة في الإعلان الدستوري الصادرة في30 مارس2011, إلي حكومة إنقاذ وطني, علي أن يحتفظ المجلس بحقه في إدارة الأمور المتعلقة بالشأن الخارجي وما يتصل بأمور الأمن القومي. ** سألت الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع: هل أنت مع الاستفتاء علي بقاء المجلس العسكري في السلطة لحين إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة؟ - د. السعيد: قبل أن أجيب فإنني أطرح سؤالا بسيطا, وهو: هل رفع شعار إبعاد المجلس العسكري مفيد أم ضار؟, والحقيقة أن من يرفعون هذا الشعار لا يدركون أنهم بذلك سيسلمون البلد للإخوان المسلمين, لكن ذلك لا يمنعني من القول بأن المجلس العسكري ارتكب أخطاء كبيرة خلال إدارته للأمور في المرحلة الانتقالية, وعليه أن يدرك كيف يصحح أخطاءه.. فالمصريون يجب أن يعرفوا مستقبل بلدهم, ويطمئنوا عليه, وإذا كان هناك أحد يتآمر أو يعمل علي تنفيذ أجندات, أو يحصل علي تمويل أجنبي كما يقولون-, فلا بد أن يقولوا لنا من هو.. باختصار اللهو الخفي الذي يتحدثون عنه لابد أن يعرفه الناس جميعا. والحقيقة, أن الاستفتاء سيعطي أغلبية كاسحة للمجلس العسكري, وقد يكون ذلك غير مفيد, لأنه- أي العسكري- ربما يقول أنا معي سلطة من الشعب, مع أن الاستفتاء يجري في ظل حالة من الرعب لدي المواطنين, ومع حالة الرعب هذه, يري المواطنون أن الحل هو إمساك المجلس العسكري بزمام السلطة, وهذا لا يعني أننا معجبون بأداء المجلس, وهذا الأداء يحتاج في الواقع إلي مراجعة, وضبط إيقاع, واحترام إرادة المواطنين. ** قلت: هل تتفق مع من يطالبون بإنشاء مجلس رئاسي لإدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية؟ - السعيد: هذا الاقتراح سيفتح أبواب جهنم.. وفي تقديري لن تكون لهذا المجلس الرئاسي سلطة دستورية.. والأمر الثاني هو من سيختاره؟.. ولو فتحنا باب الاختيار فستجد عراكا علي أسماء المرشحين لهذا المجلس الذي لن يتفق أحد علي أسماء المرشحين فيه.. ولا خلاف علي أن يفوض المجلس العسكري صلاحياته وسلطاته التنفيذية لحكومة إنقاذ وطني تتولي إدارة شئون البلاد في الوقت الراهن. العسكر والسلطة بينما يفضل الدكتور فؤاد بدراوي سكرتير عام حزب الوفد أن يبدأ حديثه بسؤال: استفتاء علي ماذا؟ فقد بات واضحا أن المؤسسة العسكرية غير راغبة في الاستمرار في الحكم, وتريد أن تعرض الأمر علي الشعب- إذا اقتضت الضرورة ذلك- بحيث يقول كلمته: نعم أو لا.. لكن بشكل عام, أنا أؤيد سرعة الانتقال من الوضع الراهن, ونقل السلطة إلي سلطة مدنية, واتخاذ كافة الإجراءات العاجلة لاستكمال التحول الديمقراطي, وتحديد خطوات ومواعيد محددة ومعلنة لتحقيق ذلك. ويسألني: ما البديل إذا ترك المجلس العسكري السلطة؟.. أما الحديث عن مجلس رئاسي يدير البلاد خلال المرحلة الانتقالية, فهذا يقودنا إلي سؤال: من سيشكل هذا المجلس الرئاسي؟.. إن علينا أن نعترف بأننا أخطأنا حينما لم نضع الدستور أولا, وعلينا إنهاء المرحلة الانتقالية بأسرع وقت ممكن لانجاز عملية التحول الديمقراطي. تصحيح المسار وبشكل عام, يرفض الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة فكرة الاستفتاء, فهي في رأيه- تمثل أمرا خطيرا جدا, وتعكس إشارة سلبية في خطاب السيد المشير.. ويسألني: كيف سيتم طرح سؤال الاستفتاء, هل سيكون السؤال: هل توافق علي أن يظل المجلس العسكري في السلطة حتي إجراء انتخابات رئاسية في البلاد؟.. وبطبيعة الحال سوف يجيب الشعب بنعم.. وفي رأيي أن إطالة أمد الفترة الانتقالية فهو إجهاض للثورة, ومطالبها, وأهدافها, وللخروج من الأزمة الراهنة يتعين علي جميع الأطراف المعنية بالشأن العام في مصر أن تقوم بتشخيص دقيق لما يجري الآن في ميدان التحرير ولدلالاته الحقيقية, كي يكون بمقدورها تلمس السبل الصحيحة للحلول المطلوبة أو المتاحة: وفي تقديري أنه يتعين النظر إلي ما يجري في ميدان التحرير باعتباره صرخة احتجاج علي الأداء السياسي لجميع الأطراف: المجلس العسكري, والحكومة, والنخب السياسية, وهي صرخة نابعة من قلب مصر ومن ضميرها الوطني بعيدا عن حسابات القوي السياسية, التقليدية منها والحديثة, هدفها الوحيد استعادة روح الثورة التي هي روح مصر الحقيقية. ومن أجل تصحيح المسار, يقترح الدكتور حسن نافعة إنشاء مجلس استشاري برئاسة المشير طنطاوي يضم عددا محدودا من كبار المتخصصين في شئون السياسة الخارجية, والأمن, والاقتصاد, والعلم والتكنولوجيا, والشئون الدستورية والقانونية, وأن يتولي هذا المجلس وضع تصورات ورؤي إستراتيجية مدروسة بعناية تتعلق بمصر المستقبل وتتضمن جدولا بأولويات العمل الوطني في المرحلة القادمة وفق خارطة طريق واضحة ومتفق عليها وطنيا, علي أن يعهد لكل عضو بالإشراف علي أحد الملفات الكبري والاستعانة بمن يشاء من الخبراء لإعداد الرؤي والتصورات المطلوبة. فهم خاطئ بينما يرفض السفير عبد الله الأشعل المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية فكرة الاستفتاء علي بقاء المجلس العسكري في السلطة, مشيرا إلي أن المجلس لم يتسلم السلطة باستفتاء, ولان الفكرة- في رأيه- تعكس التفافا علي مطالب الثورة, ولو أن المجلس قد تولي الحكم بطريقة شرعية فإن أداءه خلال الشهور الماضية محل ملاحظات, مشيرا إلي أن فكرة الاستفتاء تقوم علي فهم خاطئ للأساس القانوني لوجود المجلس العسكري, فالشعب قام بالاستفتاء علي9 مواد فقط, بينما صدر الإعلان الدستوري متضمنا ما يتجاوز الستين مادة, والحقيقة أن هناك خلطا بين المجلس العسكري والقوات المسلحة, ولا شك أن المجلس ليس هو القوات, لكننا نتحدث عن المجلس العسكري الذي يحكم البلاد, وليس الذي يدير القوات المسلحة, ومن ثم سيكون هذا الخلط القائم حاليا بين قطاعات كبيرة من الرأي العام المصري في صالح المجلس العسكري.. وهذا المجلس يمارس السلطة بالرضا العام, ويعتقد كثير من الناس أن نقل السلطة من المجلس العسكري إلي جهة أخري سيفقد مصر المرجعية, أو الاستغناء عن الجيش, وهذا الأمر غير حقيقي, لكن البديل هو أن تنتقل سلطات المجلس العسكري إلي حكومة إنقاذ وطني مادام ذلك هو مطلب الشعب. أين البديل؟ والحال كذلك, تري الدكتورة نورهان الشيخ- أستاذ العلوم السياسية- جامعة القاهرة- أنه من الصعب عمليا تحقيق فكرة الاستفتاء حاليا, وأنا شخصيا مع استمرار المجلس العسكري لحين اكتمال الهيكل المؤسسي للدولة, لعدم وجود بديل يتولي السلطة في دولة كبيرة مثل مصر, وهذا في اعتقادي- هو رأي غالبية المصريين, لاسيما أن تجربة المجلس الرئاسي فشلت فشلا ذريعا في العراق, ولا نريد أن تتكرر المأساة في مصر, ولا شك أن ما يحدث في المشهد السياسي يعطي مؤشرات علي أنه لا أحد من القوي السياسية المتناحرة سوف يتفق علي أسماء معينة لا في الحكومة, ولا ما يتعلق بإنشاء مجلس رئاسي, وللخروج من المأزق لابد من إجراء الانتخابات, ويمكن للمجلس العسكري تفضلا منه- أن يمنح الحق للقوة السياسية التي ستحصل علي الأغلبية في تشكيل الحكومة, وهذا حق أصيل له وفقا للمادة رقم56 من الإعلان الدستوري, التي تقرر أن مصر دولة ذات نظام رئاسي, ولو لم يفعل المجلس العسكري ذلك, فلا أحد يلومه.. ولكن في كل الأحوال يجب التحلي بالصبر حتي تمر المرحلة الانتقالية بسلام, ويصبح لمصر رئيس منتخب من الشعب, ومن ثم تنتقل السلطة من المجلس العسكري إلي سلطة مدنية.