بعد نهاية المنتدي الخامس لتحالف الحضارات الذي عقد في العاصمة النمساوية بعنوان قيادة مسئولة في التنوع والحوار والذي شارك فيه عدد غفير من الرؤساء ورؤساء حكومات كان في مقدمتهم السيد بان كي مون سكرتير عام الأممالمتحدة بالإضافة إلي العديد من منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المختلفة والذي أكد المشاركون فيه علي أن العالم يمر بمرحلة دقيقة تتعاظم فيها المسئولية المشتركة بين القيادات السياسية والفكرية والثقافية والروحية لإنقاذ البشرية من مخاطر جمة ناتجة عن عدم احترام التنوع الثقافي الخلاق وتنامي التطرف اللذين يعوقان الحوار الجاد بين الثقافات والحضارات وأتباع الأديان في ساحة التعاون الدولي. ويتضح بما لايدع مجالا للشك أن العالم في الوقت الراهن أحوج ما يكون إلي الحوار الذي يبدأ من الإحترام المتبادل بين الثقافات الإنسانية بهدف الوصول إلي تحالف الحضارات. وبات من المؤكد بعد العواقب الوخيمة التي نتج عنها تصادم الحضارات أن الحوار ليس طرفا فكريا أوعملا ثانويا بل هو ضرورة حيوية للإنسان في هذا العصر وفي كل عصر. إن تعزيز ثقافة الحوار بهدف الوصول إلي ما يعرف بتحالف الحضارات لن يأتي إلا من خلال تعميق قيم التعايش علي شتي المستويات من أجل نبذ العنف ومحاربة الإرهاب بكل صوره وأشكاله. لاشك أن النظرية التي أتي بها صمويل هينجتون في كتابه صراع الحضارات والذي أكد فيه أن القرن الواحد والعشرين سيكون قرن الصراع بين الحضارات وليس صراعا بين الدول وأن المحرك الأساسي لهذه الصراعات هو الخلافات الحضارية التي تتمثل في الثقافة والدين والعادات والتقاليد وأن أكبر خطر يهدد الحضارة الغربية هو الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية قد أدت إلي عواقب وخيمة وإلي خلق حالة من التصارع والتناحر والاختلاف. إن ما شهده العالم أجمع من حالات عنصرية كما كان الحال في جنوب إفريقيا بين البيض والسود والولايات المتحدة قبل الثورة التي تزعمها مارتن لوثر كينج أو العداء ما بين الدول كما كان الحال في سنوات الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي قد أودي بالعالم إلي حالة من التناحر والتلاطم وانعدام الرؤي وضبابيته, إلا أن العالم أجمع أدرك أن أي صراع بين الحضارات ستكون عواقبه وخيمة وأن البشرية جمعاء ستعاني الأمرين في هذا, لهذا بدأت فكرة حوار الحضارات ثم تبعها منتدي تحالف الحضارات الذي يعقد سنويا بهدف تشجيع التحاور والتكامل بين الحضارات حيث أن البشرية لم تصل إلي ما وصلت إليه الحضارة في صورتها الحالية إلا من خلال البناء علي آخر ما وصلت إليه الحضارات المتعاقبة فالحضارة الإغريقية أخذت عن الحضارة الفرعونية والحضارة الإسلامية أخذت عن الحضارة الإغريقية والهندية والحضارة الأوروبية أخذت عن الحضارة الإسلامية وهو ما يؤكد أن التكامل وليس التصارع هو الطريق الوحيد إلي بناء نهضة وثقافة حضارية, فالسلام في الأرض يبدأ تفاهما بين الأمم وتحاورا بين الثقافات وتحالفا بين الحضارات. السلام والأمن والطمأنينية في العالم لا يصنعها السياسيون ولا القادة العسكريون ولا رجال الاقتصاد والمال ولكنه يبني في العقل من خلال الحوار بين الثقافات وتوسيع المشتركات الإنسانية وتوسيع دائرة التعاون والتكامل. يدرك العالم أجمع في الوقت الراهن أنه لابد أن يكون هناك تضافر للجهود من أجل إعادة الاتزان والاعتدال إلي المجتمعات البشرية حتي يعم السلام وتسهم الأسرة البشرية في صناعة السلام الأمن المستقر علي شعوب العالم أجمع ونبذ العنف والكراهية والتطرف والإرهارب.