المرور واحد من أهم معالم التحضر في دول العالم, فمهما يكن الزحام نتيجة تضخم عدد السكان فإن الانضباط المروري يكون الفيصل والمحك, مصر تعرف( الكونستابل) منذ قديم الأزل ولكنها لا تعرف الانضباط المروري. الكونستابل هم فئة من رجال المرور تقع بين الضباط والمجندين وعرفتهم مصر منذ عام1901 وكانوا في البداية من الأجانب ولكن مصر أنشأت مدرسة للكونستابلات المصريين في عام.1903 وفي عام1936 تم تطوير المدرسة وهم يعينون كجنود ثم يرقون لصف ضباط أو أمناء شرطة بعد ذلك, وكانت مهنة بدون ترقيات فالعسكري يقوم بمهنته دون ترقيات ويستمر في رتبته حتي تنتهي خدمته, وهو نظام مأخوذ من النظام الانجليزي, ولكن لقب الكونستابل ألغي بعد ثورة يوليو في نهاية الستينات ولكنه ظل لصيقا بأذهان الناس عقب قصة الكونستابل عبد الله الذي انقذ سمعة مصر في قضية اللورد موين عام1944, فلقد سقط اللورد موين وزير الدولة البريطاني في الشرق الاوسط قتيلا بعد اطلاق الرصاص علية وصار هذا الحادث الرهيب الذي ارتكبة عملاء اليهود في مصر حديث الناس والعالم ومع هذا الحادث المروع الذي هز الأمن والاستقرار في مصر عموما بدأ اسم الكونستابلات تتناقله السنة الناس.. فقد استطاع الكونستابل( الأمين عبد الله) ان يطارد الجناة فور وقوع الحادث ويقبض عليهم ليجنب مصر عواقب وخيمة وموقفا حرجا علي الصعيد الدولي وصداما قويا مع القيادة البريطانية والحكومة التي تتصيد الأخطاء لمصر. تلك المهنة التي عرفت بأعبائها لتلبية متطلبات المجتمع وتسهيل حياة الناس وحل مشاكلهم وهي أيضا تحتاج لمجهود بدني كبير حيث تجبر صاحبها علي الوجود في أماكن محددة دون النظر لطبيعة الطقس سواء في الصقيع أو الشمس الحارقة. عسكري المرور محمد مصطفي محمد واحد من أبناء تلك المهنة من مواليد20 يوليو77 محافظة المنوفية مركز منوف, وهو الابن الثالث من بين سبعة أشقاء, كان متفوقا في دراسته ولكن ظروف أهله الاقتصادية أجبرته علي أن يتجه للتعليم الصناعي ليأخذ الدبلوم ويعمل ليساعد والده علي نفقات المعيشة وأعبائها, ضاع حلمه في التعليم, فعمل بائعا متجولا لبعض السلع حتي علم بوجود فرصة للالتحاق بالعمل في وزارة الداخلية وبالطبع وكلنا يعرف المثل القديم( إن جالك الميري اتمرمغ في ترابه) فالتحق بالعمل في الداخلية كعسكري مرور. محمد مازال من سكان المنوفيه وعمله في القاهره وهو يعمل يوما بعد يوم وتستغرق رحلته للعمل والعودة6 ساعات كاملة يقضيها في الطريق وورديته16 ساعة في الشمس الحارقة أو البرد القارص لا يهم ما يحيط به من أجواء ولكن المهم هو الحفاظ علي عمله في حفظ نظام المرور بالشارع, الباعة الجائلين وسائقي الأجرة والسيرفيس والملاكي كل هؤلاء يجاهد معهم محمد يوميا للحفاظ علي النظام. تلقي محمد تدريبا لمدة90 يوما ولكن بالطبع العملي غير النظري ومرور بلادنا غير أي مرور, أكبر مشاكله أن الناس تسيء معاملته وخاصة بعد الثورة, وهو يحمل سائقي الأجرة مسئولية الجزء الأكبر من متاعبه فهم لا يحافظون علي النظام وينتظرون في أي مكان لركوب الناس أو نزولهم دون النظر لتعطيل الطريق, ولكنه لا يملك إلا أن يدون أرقام تلك السيارات المخالفة, وهو يعرف أن اي احتكاك مع هؤلاء لن يكون في لمصلحة( عنده عيال عايز يربيها) كما قال. لكن الأمر يختلف في وجود الضابط فالسائقون يخشونه لذا يطمح محمد أن يكون ضابط مرور لكي يحافظ علي النظام وكذلك يستطيع حماية نفسه, فهو يري أن سائقي الأجرة يريدونها فوضي, فالتحق محمد بكلية الحقوق وهو الآن بالفرقة الأولي. لم يكن محمد الذي يعمل16 ساعة في الوردية يتقاضي إلا450 جنيها كمرتب حتي جاءت ثورة يناير فضوعف مرتبه ليصبح900 جنيه لكن طبعا الأسعار كمان أصابها الجنون, فمحمد يستقل مواصلات بعشرة جنيهات للوصول لعمله والعودة وكذلك ينفق عشرة جنيهات أخري علي طعامه وهو في ورديته ولكنه يحمد الله ويشكره علي نعمته ويقول( والله فيهم البركه)..اما احلامه فهي بسيطة فيتمني ان يكمل دراسته ليصبح ضابط في المرور. إنها أحلام بسيطه يعيش من أجل تحقيقها وها هي صورة من مهنة عسكري المرور أو كونستبل القرن الواحد والعشرين.