بعد زوال كابوس الحرب الباردة في نهاية القرن الماضي وانتهاء عهد الاتحاد السوفيتي وما كان يمثله من قوة عظمي تشاطر الولاياتالمتحدةالأمريكية وتزاحمها علي حجز مقعد الهيمنة الدولية, هناك واقع جديد يفرض نفسه علي ساحة النظام العالمي قد يغير معالم الخريطة العالمية ويبدل مقاعد التحكم الدولي, ويخوض العالم منذ سنوات حروبه الرقمية علي قاعدة من يمتلك المعلومات والبيانات يمتلك القوة والقرار. فثمة سؤال يطرح نفسه, هل هناك عدو أكبر في طريقه للظهور يمكن أن يهدد الولاياتالمتحدة الأمر يكية وينافسها علي مقعد الهيمنة الدولية وخاصة بعد ظهور شبح التنين الصيني المتنامي في القوة والامتداد وما يملكه من قدرات وأدوات إليكترونية تمهد الطريق أمامه للهيمنه؟. فقد أكد التقرير السنوي لوزارة الدفاع الأمريكية أن الصين تضاعف من جهودها لاختراق أنظمة حواسيب الجيش الأمريكي. حيث بلغ إجمالي نفقات الجيش الصيني العام الماضي ما بين97 مليار دولار إلي139 مليار خصصتها بكين لميزانية الحرب الإليكترونية. وشهدت أنظمة حواسيب البنتاجون العام الماضي زيادة ملحوظة في عمليات التسلل والخرق الإليكتروني وهو ما ينذر بنشوب حرب إليكترونية بين واشنطنوبكين. فقد أكدت مصادر من وزارة الدفاع الأمريكية أن جيش تحرير الشعب الصيني يقف وراء محاولات التسلل والتي تضمنت معلومات غير سرية ونقل معلومات منها. وقد أجبر البنتاجون العام الماضي علي إغلاق مراسلاته الإليكترونية لمدة ثلاثة أسابيع إثر هجوم علي شبكة الانترنت كانت بكين المتهم الأول الذي يشتبه في تنفيذه الهجوم. كما أنه في العام الماضي أيضا أبدت الولاياتالمتحدة قلقها البالغ من تدمير الصين لقمر صناعي متهالك, الأمر الذي أدي لتناثر الآلاف من الشظايا الخطرة في مدار الأرض.وفي المقابل قامت الولاياتالمتحدة بخطوة مماثله دمرت خلالها قمر تجسس معطل إلي قطع صغيرة احترقت عند دخولها المجال الجوي للأرض. في إطار تصاعد حرب القرصنة الاليكترونية وتبادل الاتهامات بين الصين والولاياتالمتحدة, اعلنت بكين أن موقع وزارة الدفاع الصينية وعددا من المواقع العسكرية الأخري تعرضت العام الماضي لأكثر من1.7 مليون اختراق إلكتروني, ثلثيها مصدرها واشنطن. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية إن المواقع العسكرية الصينية اخترقت أكثر من144 ألف مرة شهريا خلال عام2012, بينها62.9% خروقات من داخل أمريكا وأضاف المتحدث إن لدي الصين تقارير تفيد أن واشنطن ستبدأ في توسيع عمليات القرصنة والاختراق مشيرا إلي ان مثل هذه السياسة لا تخدم الاتجاه الدولي لمحاربة القرصنة الإليكترونية. ويري المحللون أن نزاع القرصنة الإليكترونية يزيد التوتر الدبلوماسي في العلاقة بين الصين والولاياتالمتحدة والتي توترت بالفعل بسبب الشك الصيني في دوافع واشنطن وطموحها إزاء آسيا, كذلك يزيد الجدل حول قضايا كثيرة تبدأ من التجارة إلي حقوق الإنسان.ويخشي المحللون أن تكون الحرب الكلامية بشأن القرصنة بداية لحرب باردة علي غرار ما شهدها العالم في الستينيات والسبعينيات بين الاتحاد السوفيتي و الولاياتالمتحدة. إلا أن هناك مزاعم تقول إن الحرب الباردة بين واشنطنوبكين ليست علي الأجندة العالمية. فإدارة الرئيس باراك أوباما لا تلتزم النعومة السياسية فحسب بل إنه يعمل علي ترسيخ سياسة الإشراك مع الصين, لذلك فإن دوافع الحرب الباردة بين بكينوواشنطن مازالت تبقي دون مستوي الشرارة الكفيلة باندلاعها. فالإدارة الأمريكية الحالية, تميل إلي استراتيجية غير معلنة, تهدف إلي تشجيع التحول الديمقراطي في الصين, لأن ذلك من وجهة نظر أمريكية يزيل تلقائيا أي أسباب لمثل هذه الحرب, حتي في ظل الخلافات والتشنجات الاقتصادية التي تسود العلاقات بين كل من واشنطنوبكين. فنتاج استراتيجية التشجيع السياسي التي تنتهجها الإدارة الأمريكية, يبقي أفضل من ناتج أي حرب باردة وبالطبع أي حرب ساخنة.