تزامن غريب ومريب ذلك الذي جمع في توقيت واحد إغلاق أقسام شرطة, وإضراب ضباط وأفراد في عدة محافظات. الشرطة بالفعل في إضراب منذ عامين.. لكنه غير علني وغير شامل وغير مسبب. أما هذه المرة فالأسباب المعلنة هي رفض الزج بالشرطة في الصراع السياسي, والمطالبة بالتسليح لمواجهة أعمال العنف, وتحسين الأوضاع المادية, وأضيف إليها مطلب إقالة وزير الداخلية. نصف تلك المطالب وجيه ومنطقي, فليس معقولا بالمرة أن يحمل المخربون والمسجلون ومن يدعون أنهم متظاهرون سلميون أسلحة, بينما الشرطة غير مسلحة. كما أن تحسين الأوضاع هو مطلب كل المصريين. أما الزعم بإقحام الشرطة في السياسة ففيه مغالطة, حيث الامتناع عن العمل هو الذي يجعل الشرطة طرفا في المعادلة السياسية, حيث يعمق الاضطراب الأمني مما يحرج الوزير ويزيد التعثر السياسي للسلطة. ربما يكون مفهوما غضب ضباط وأفراد الأمن المركزي, فبينما يجدون أنفسهم في مواجهة معتدين مسلحين وهم عزل; مطلوب منهم ضبط النفس, وعدم الاعتداء علي أحد, وفي الوقت ذاته تأمين وحماية منشآت المنطقة التي يوجدون فيها. لكن برغم ذلك هناك علامات استفهام حول الطريقة البدائية غير المجدية المتبعة في مواجهة الاعتداءات والتظاهرات غير السلمية. فتشكيلات الأمن المركزي تقوم بالرد علي الحجارة بمثلها, وعلي المولوتوف بقنابل الغاز. وهي ربما الحالة الوحيدة في العالم التي تقوم فيها الشرطة بإلقاء الحجارة. لكن برغم هبوط مستوي أداء وأدوات الأمن المركزي إلي هذا الحد; يمكن تفهم أسباب التململ بين صفوفه. أما ما يصعب فهمه, ولا يمكن قبوله فهو التمرد الذي تقوم به قطاعات أخري في الداخلية دون مبرر. فلا هي في احتكاك مباشر مع المتظاهرين, ولا هي تتحمل الأعباء النفسية والجسدية التي يتحملها أفراد الأمن المركزي من إهانات وإصابات. مع التسليم بأن في كل قطاع من يعمل مخلصا بحق, ومنهم من يخسر حياته وهو يؤدي عمله بإخلاص, مثل محمود أبو العز وهشام طعيمة. إلا أنهما وعشرات مثلهما يظلون أقلية, مقارنة بأغلبية من زملائهم لا يقومون بعملهم. بل إن الاشتباكات التي تحدث يوميا في عدة محافظات بين الأمن المركزي والمخربين لم تكن لتحدث لو أن بقية قطاعات الشرطة تؤدي عملها, إذ من المفترض أن يكون للأمن الوطني وللمباحث العامة والجنائية دور استباقي بتحديد هؤلاء المخربين وأماكن تجنيدهم ورصد نواياهم, ونقاط التجمع والانطلاق, ومسارات تحركاتهم ومصادر التسليح والتمويل. وغير ذلك من معلومات يصعب تصور أن جهاز الشرطة المصري عاجز عن تجميعها وتحليلها. أما إذا كانت الإدارات المختصة بذلك تؤدي عملها, فإن المسئولية تقع علي من بيده اتخاذ قرار القبض علي أولئك المخربين سواء قبل الشروع في الاعتداء علي منشأة أو علي فرد شرطة, أو متلبسين بارتكاب تلك الاعتداءات. وفي كل الأحوال لا مبرر بالمرة للإضراب, أو إغلاق الأقسام. إن هذه التصرفات ليست فقط انتهاكا صارخا لقواعد وقوانين العمل الشرطي, لكنها أيضا بلطجة سياسية وأمنية. فحماية أنفسهم أو زملائهم في الأمن المركزي, إنما تبدأ بهم هم العاملين في الأقسام وفي دوريات النجدة وفي المباحث, ضباطا وأمناء ومندوبين وأفرادا. بأن يقوم كل بدوره في تعقب وضبط المسجلين والمطلوبين وأطفال الشوارع. وليست بالتعامي عنهم, وإغلاق الأقسام أمام المواطنين, والمطالبة بإقالة الوزير. الشرطة التي كانت سلاح السلطة السياسية, تضرب به الأبرياء, وهربت عندما ثار الشعب ضدها. حري بها الآن أن تنأي عن السياسة وأن تحفظ الأمن للشعب. أما الإضراب فليس سوي نكاية سياسية في السلطة وعقاب أمني للشعب.