الصراع بين الفكر الإسلامي والفكر العلماني صراع نجم عن سوء فهم لمعني العلم, عندما استأثر رجال الكنيسة في الغرب بمعرفة العلم وحدهم وتحكموا في مصائر الناس, قام ضدهم رجال العلوم التجريبية. الذين لم يؤمنوا إلا بما هو محسوس, وأنكروا عليهم ذلك, وقصروا مفهوم العلم علي العلم التجريبي فقط وأنكروا ما سواه. وما زالت قضية مرجعية النهضة الحضارية في الفكر الإسلامي المعاصر محور الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين في العالم الإسلامي, رغم أن الكل مسلمون ينطقون بالشهادتين; ومن هذا المنطلق صدر حديثا بمكتبة دار السلام بالقاهرة كتاب امشروع النهضة بين الإسلام والعلمانية.. دراسة في فكر د.محمد عمارة ود.محمد عابد الجابري, الكتاب من تأليف الدكتور محمد علي أبو هندي مدرس العقيدة الإسلامية بجامعة المدينة العالمية بماليزيا سابقا ومدرس العلوم الإسلامية بجامعة نجران بالسعودية حاليا, والكتاب في الأصل رسالة دكتوراه نالها الباحث من قسم الفلسفة الإسلامية بدار العلوم جامعة القاهرة بمرتبة الشرف الأولي بإشراف الدكتور عبد اللطيف العبد يرحمه الله, ومناقشة كل من: الدكتور سليمان الخطيب يرحمه الله, والدكتور السيد رزق الحجر حفظه الله. ويهدف المؤلف من خلال دراسته هذه إلي تجديد الفكر الإسلامي عن طريق معالجة المشكلات الحضارية المتجددة علي المستويات الثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية, وتنمية ثقافة المشروع النهضوي في مجال الفكر الإسلامي, من خلال الدراسة المقارنة, وصولا إلي مشروع أكبر وهو ابلورة نظرية النهضة في الفكر الإسلامي المعاصرب. وفكرة الكتاب انطلقت من التصور الفكري لمشروع النهضة, وفي ضوء هذه الفكرة جاءت الدراسة في مدخل تمهيدي وأربعة أبواب علي النحو الآتي, تناول المؤلف في المدخل التمهيدي معالجة المفاهيم المتعلقة ببمشروع النهضةب من حيث مفاهيم:( مشروع, نهضة, حضارة), ثم معالجة المفهوم التركي لبمشروع النهضة الحضارية, ودراسة ملامح تطور الحياة الثقافية في العالم العربي وأثرها علي مشروعات النهضة, وأوضح المؤلف أثر التجربة الفكرية لدي الدكتور محمد عمارة علي مشروعه النهضوي, وأثر الحياة الثقافية لدي الدكتور محمد عابد الجابري علي مشروعه النهضوي, وأردف ذلك بتعقيب مقارن. وتناول المؤلف في الباب الأول المقومات العقائدية للنهضة, وناقش في الفصل الأول دعوي إنكار دور الرسالة القرآنية في تكوين العقل العربي, وفي الفصل تناول دور الرسالة القرآنية في المنهج العلمي والتجربة الحضارية الإسلامية, وموقف الاتجاه الإسلامي من دور القرآن في قيام الحضارة والأبعاد المستقبلية لفقه السنن الإلهية ثم التعقيب النقدي التركيبي علي الباب. أما الباب الثاني فتناول فيه المؤلف المقومات الثقافية للنهضة, حيث درس في الفصل الأول منه تطور أسباب التأخر الحضاري في العالم الإسلامي, وفي الفصل الثاني موقف الحداثة العلماني من خطاب النهضة في الفكر المعاصر لدي الإسلاميين, والليبراليين والماركسيين, أما الفصل الثالث فعرض لموقف الاتجاه الإسلامي من خطاب النهضة لدي العلمانيين, ولدي التيارات الإسلامية المعاصرة, ثم التعقيب النقدي التركيبي علي ما جاء في الباب من قضايا. وتناول المؤلف في الباب الثالث المقومات الفكرية للنهضة عرض في الفصل الأول فلسفة التجديد الأصولي من حيث: فلسفة المقاصد في الفكر العربي المعاصر, وفي الفصل الثاني تناول فلسفة التحديث الإبداعي الحضاري من حيث دعوي الحداثة العربية وتبيئة المفاهيم والمناهج الماركسية في مشروع النهضة وفي قراءة التراث الإسلامي. أما الباب الرابع فتناول المقومات الاجتماعية للنهضة( الدولة المدنية), تناول في الفصل الأول منه القضايا الخاصة بالمجتمع المدني الإسلامي من حيث قضية العلاقة بين الفكر الإسلامي والنظام السياسي وتطور موقف الحداثة تجاهها, وأثرها في مشروع النهضة وموقف الاتجاه الإسلامي منها, وفلسفة حقوق المواطنة والمرأة في الفكر العربي المعاصر لدي الاتجاه الحداثي, والاتجاه الإسلامي, ثم المقارنة بين آراء الاتجاهين في القضايا المرتبطة بهاتين القضيتين, ثم درس الباحث موقف الاتجاهين من انعكاس فلسفة العولمة وتطبيقاتها علي المجتمعات الإسلامية مع المقارنة بين موقف الاتجاهين, وفي الفصل الثاني عرض المؤلف موقف الفكر العربي المعاصر من المتغيرات العالمية في العلاقات الدولية( فلسفة صدام الحضارات وتطبيقاتها) من حيث مفهوم مذهب الصدام الحضاري في الفكر الغربي, وموقف الاتجاهين الحداثة العلماني والإسلامي منه, وهكذا يتضح لنا أن فكرة أن الإسلام يعادي العلم هي مجرد زعم لا وجود له, وادعاء صراع بين الإسلام والعلم ادعاء باطل لا أساس له, بل هو ناجم عن جهل وسوء فهم لحقيقة الإسلام الحنيف واهتمامه بالعلم والعلماء.