الرأي عندي أن عام1981 يمكن أن يقال عنه إنه عام التناقضات الحادة التي تستلزم إقصاء أحد طرفي التناقض. وكان الرئيس السادات هو محور هذه التناقضات, فقد دخل في تناقض مع كبار القيادات السياسية والدينية والثقافية فاعتقلهم في4 سبتمبر من ذلك العام. ودخل في تناقض مع الأصولية الاسلامية عندما عقد صلحا مع اسرائيل. ودخل في تناقض مع الجامعة العربية عندما عقد معاهدة سلام مع اسرائيل بدون مشاركة عربية الأمر الذي أفضي إلي طرد مصر من الجامعة العربية مع نقل مقرها إلي تونس. ودخل في تناقض مع منظمة التحرير الفلسطينية لأنه استسلم لشروط اسرائيل. ودخل في تناقض مع رأس الكنيسة القبطية بدعوي أنه مثير للفتنة الطائفية. وأخيرا دخل في تناقض مع جهاز المخابرات الأمريكية التي كانت قد تكفلت بشراء معدات بعشرين مليون دولار للاستعانة بها في تدريب فرقة خاصة لمكافحة الارهاب لحمايته من أي محاولة خاطفة لاغتياله. وأنا هنا لا أثير السؤال التقليدي الشائع: لماذا فشلت الفرقة الأمريكية الخاصة في حماية السادات؟ إنما أثير السؤال البديل: لماذا لم تتحرك هذه الفرقة لإنقاذه لمنع اغتياله في أثناء الاستعراض العسكري خاصة أن وزير الداخلية المصري حينها قد حذره من أنه سيغتال إذا ذهب إلي ذلك الاستعراض؟ ومع ذلك ذهب و بدون القميص الواقي من الرصاص وجاءته الطلقة القاتلة من حسين عباس محمد بطل الرماية في القوات المسلحة والذي خرج بعد ذلك من الساحة دون أن يواجه أي اعتراض من أحد وعندما قبض عليه بعد ذلك بيومين وتطوع أحد المحامين للدفاع عنه قال له: لماذا جئت للدفاع عني؟ لكي يكون الحكم مؤبدا بدلا من أن يكون إعداما. أنا أؤثر الاعدام لأنه يعجل بوصولي إلي الجنة. وأظن أن هذه العبارة معبرة بدقة عن بزوغ ظاهرة أطلقت عليها مصطلح العنف المقدس وهي الظاهرة التي أشاعها بعد ذلك بن لادن بفضل تدبيره لأحداث11 سبتمبر بنيويورك. ومن هنا يمكن القول إن السادات أدخل العالم الإسلامي في تناقض حاد مع الغرب. وقد فطنت إلي هذا التناقض ودونته في بحثي الذي ألقيته في المؤتمر الدولي الفلسفي الاسلامي الأول الذي عقدته في القاهرة في عام1979 تحت عنوان الاسلام والحضارة وكان عنوانه مفارقة ابن رشد. فكرته المحورية أن ابن رشد ميت في الشرق حي في الغرب. ومن هنا فكرت في عقد المؤتمر الدولي الفلسفي الاسلامي الثاني عن مستقبل الحضارة الاسلامية في القاهرة في ديسمبر.1981 وكان السؤال المحوري لذلك المؤتمر: كيف يمكن للحضارة الاسلامية أن تؤدي دورها مرة ثانية في دفع الحضارة الانسانية نحو غايتها المنشودة وهي تحرير الانسان؟ وكانت فلسفة ابن رشد تدور في ذهني في أثناء صياغة ذلك السؤال, إذ هو الذي حرر أوروبا من ظلمة العصور الوسطي بعد ترجمة مؤلفاته إلي اللاتينية والعبرية وبزوغ الرشدية اللاتينية. والمفارقة هنا أنه بمجرد الاعلان عن ذلك المؤتمر وصلتني رسالة من محسن مهدي الأستاذ بجامعة هارفارد و رئيس جمعية دراسة الفلسفة والعلم في الاسلام والذي كانت جمعيته قد تراجعت عن المضي في المشاركة في المؤتمر الإسلامي الأول بدعوي أنني أتناول قضايا خطرة. إلا أن رسالته في هذه المرة, كانت علي نقيض الرسالة الأولي, إذ أفادت بأن جميع أعضاء الجمعية قد شعروا بسعادة غامرة بأن المؤتمر الثاني في طريقه إلي الانعقاد, وأنه هو شخصيا سعيد للغاية. وفي اليوم نفسه الذي تسلمت فيه رسالة محسن مهدي جاءتني رسالة من جورج حوراني أستاذ الفلسفة بجامعة نيويورك جاء فيها أنه يشرف ويسعد بأن يكون مدعوا لالقاء بحث عنوانه الفلسفة الغربية الخلقية والاسلام. وأهمية حوراني مردودة إلي سببين: السبب الأول أنه هو الذي ترجم كتاب ابن رشد المعنون فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال إلي اللغة الانجليزية. والسبب الثاني مردود إلي أنه رصد وديعة لتدعيم البحوث الأخلاقية في الفلسفة الاسلامية. وكذلك وافق علي المشاركة الفيلسوف الجزائري محمد أركون والمستشرق فربيكه السكرتير الدائم للأكاديمية الملكية ببلجيكا, وعبد الوهاب بوحديبة رئيس بيت الحكمة بتونس, ومنظور أحمد عميد كلية الآداب بجامعة كراتشي بباكستان والأب سبانخ عضو لجنة التفاهم مع الأديان غير المسيحية بالفاتيكان والمستشرق الأسباني سلفادور نوجالس المتخصص في الفلسفة الاسلامية, والمستشرق الأمريكي تشارلس بترويرذ بجامعة ميريلاند بأمريكا والمتخصص في تحقيق مؤلفات ابن رشد. وهذا مجرد انتقاء لأدلل علي أهمية المؤتمر. وقبل المؤتمر بثلاثة أشهر ورد في أحد التقارير أنني أخطر أستاذ في الجامعات المصرية علي النظام ففصلت من الجامعة بقرار من الرئيس السادات في1981/9/5 وألغي المؤتمر ومنعت من السفر.