وزير التعليم: المراجعات النهائية المجانية تستهدف التخفيف عن كاهل أولياء الأمور    الأوقاف: افتتاح 12 ألف مسجد في عهد السيسي بتكلفة 18 مليار جنيه    الأوقاف توزع 56 طن سلع غذائية من صكوك الإطعام في 11 محافظة    مصر تشهد ارتفاعا ملحوظا فى أعداد السيارات الكهربائية    البرلمان العراقي يتجه لجولة ثالثة من التصويت على انتخاب رئيسه    الأمم المتحدة: 800 ألف فلسطيني أجبروا على النزوح من رفح جنوب غزة    رسالة قوية من الترجي لجماهيره قبل مواجهة الأهلي    توخيل يختمها ب خسارة مع بايرن ميونيخ ... ليلة وداع ماركو رويس.. بوروسيا دورتموند يستعد ل ريال مدريد برباعية أمام دارمشتات ... نجم منتخب مصر يسجل فى تعادل فرانكفورت مع لايبزيج    تجديد حبس الأب المتهم بقتل ابنته وتقطيعها لأشلاء في الجيزة    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث مروري بالفيوم    السكك الحديد تعلن تشغيل قطارات إضافية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    جامعة دمنهور تحتفل باليوم العالمي للمتاحف    فصائل فلسطينية تعلن استدراج قوة للاحتلال.. وقتل 5 جنود وإصابة آخرين    أعراض الذبحة الصدرية عند الرجال والنساء، وما هي طرق علاجها؟    لافروف: روسيا منفتحة على الحوار مع الغرب بشأن الاستقرار الاستراتيجي    19 صورة لاكتشاف نهر بجوار الهرم الأكبر.. كيف بنى المصريون القدماء حضارتهم    عزة مصطفى: عادل إمام شخصية وطنية.. وكل الشرائح العمرية تحب أعماله    الوالدان يستحقان معاملة خاصة.. الأزهر يناقش حقوق كبار السن بملتقى المرأة الأسبوعي    متحدث فتح: نتنياهو لا يريد حلا.. وكل من يقف جانب الاحتلال سيلوث يده بدماء الأبرياء    «الصحة» توجه نصائح هامة لمرضى الجيوب الأنفية للحماية من التقلبات الجوية    «معلومات الوزراء» يعلن أجندة وبرنامج عمل مؤتمره العلمي السنوي بالتعاون مع جامعة القاهرة    حصاد تريزيجيه مع طرابزون قبل مواجهة إسطنبول باشاك شهير فى الدوري التركي    مذكرة قواعد اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي 2024.. لا يخرج عنها الامتحان    المعارضة الإسرائيلية: على جانتس الاستقالة اليوم    وزير التعليم: لدينا 46 ألفًا و994 طفلًا من ذوي الهمم.. و159 ألفًا و825 بمدارس الدمج    بالخطوات.. طريقة الحصول على نتيجة الشهادة الابتدائية 2024    خالد المولهي: جميع الفرق الإفريقية تخشى الأهلي داخل أو خارج أرضه (خاص)    برج الثور.. حظك اليوم السبت 18 مايو: عبر عن أفكارك    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    رسميًا.. إشبيلية يعلن رحيل مدربه بنهاية الموسم    أخبار مصر.. غدا طقس شديد الحرارة ورياح والعظمى بالقاهرة 38 درجة    العلاج على نفقة الدولة.. صحة دمياط تقدم الدعم الطبي ل 1797 مواطن    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    هل مواقيت الحج والعمرة ثابتة بالنص أم بالاجتهاد؟ فتوى البحوث الإسلامية تجيب    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    «التمريض» تطلب من وزير المالية إعادة النظر في الدعم المقدم للفرق التمريضية    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. علي جمعة يوضح    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    انطلاق امتحانات نهاية العام 2024 ب«أعمال الإسكندرية».. وعميد الكلية يتفقد اللجان (صور)    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    بالفستان الأحمر.. هانا الزاهد وعبير صبري في زفاف ريم سامي | فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخيانة في العينين "1"

كان تفجر الثورة ضد الطاغية معمر القذافي مناسبة لاستحضار الاجواء التي استوحيت منها هذه القصة وقد كتبتها في بداية احداث الثورة‏,‏ وجاء مصرعه يضع خاتمة لإجرامه وطغيانه فالي جميع ضحاياه‏,‏ من مات منهم ومن مازال علي قيد الحياة‏,‏ اهدي هذه القصة اعرف الخائن بمجرد النظر في عينيه‏.‏ ظلت هذه الجملة ترن في ذهني, بعد ان رمي بها في وجهي, وهو يضع عينيه في عيني, فاحس بهما يرسلان رصاصا حارقا خارقا, كذلك الذي تعود استخدامه في التعامل مع خصومه, مر الآن اسبوع منذ ان سمعتها منه, لم استطع ان اريح عقلي من إلحاحها, فالعبارة صارت في لون الكوابيس, احاول الانشغال عنها باي شيء آخر, فتقتحم علي كل لحظة من حياتي وتفسدها, اجلس الي مائدة الطعام, أنشغل بمضغ الاكل دون ان استطعمه يبقي ذهني يقلب الجملة التي قالها, اجلس في صالون البيت اتابع برنامجا, أو تمثيلية بوليسية, فاجد عقلي يشرد وراء مجرم آخر غير الموجود في التمثيلية, مجرم اخر هو انا, اتمثله مساقا الي المشنقة او واقفا امام كتيبة الاعدام.
اجلس لاراجع دروس ابني علي, فاجد نفسي عاجزا عن الاهتداء الي اجابات عما يطرحه من اسئلة, لانه لم يعد في عقلي مساحة لغير الاسئلة التي يطرحها هذا التهديد القادم من سابع سماء يجلس فوقها الرجل الذي يدير مقدرات اهل هذه البلاد:
اعرف الخائن بمجرد النظر في عينيه.
لم يكن هناك سياق يقتضي منه قول هذه الجملة, الا انه اطال النظر في وجهي بعد ان قلب صفحات من التقرير, واطلق تهديده المرعب, فادركت حينئذ انه لم يأمر باستدعائي الي خيمته, ويطلب ان اعرض عليه التعديل الذي اجريته للخطة, الا لينفث هذه الكلمات في وجهي, ويتعمد قولها بشكل كانه فحيح الافعي.
اعرف الخائن بمجرد النظر في عينيه.
كنت مجرد مدرس اقتصاد في الكلية, لاعلاقة لي بالسلطة ورجالها, بل لا علاقة لي باي مناشط داخل الجامعة غير التدريس, لا انشطة اجتماعية ولا رياضية ولاسياسية ولا ذات صبغة ثورية, احافظ علي تقديم محاضراتي, والتزم بتنفيذ الجدول, واعود الي بيتي منشغلا بشئون اسرتي والتحضير لدروسي, شاني شان زملاء اخرين مثلي, اختاروا الا يدخلوا سباق الفئران من اجل المناصب الجامعية الذي يقتضي الانغماس في هذا الصخب الثوري بلجانه ومؤتمراته, وحدث ان انضم الي هيئة التدريس شاب ثوري يعمل امينا لشعبة الاقتصاد في مكتب الاتصال باللجان الثورية, ونال درجة دكتوراه في الاقتصاد عن اطروحة حول النظرية العالمية الثالثة, اعطتها له جامعة في بولندا, وهي البلاد التي وجد فيها الثوريون مكانا يمنحهم شهادات الدكتوراه دون جهد ولاتحضير, ولاتأخذ منهم وقتا غير حضورهم الي وارسو ليوم واحد, يستلمون فيه الشهادة, ويدافعون فيه دفاعا صوريا عن الاطروحة باللغة العربية, مقابل ثمن معلوم, المهم, جاء الرجل الي الكلية ليكون استاذا, واخترعوا له مادة عن اقتصاد النظرية العالمية الثالثة. كما وردت في الجزء الثالث من الكتاب الاخضر, وكان رجلا بشوشا ودودا, ساخرا ضاحكا, لا يخفي ان الامور بالنسبة له مجرد تسال وأكل عيش, ثم يرد علي سؤال لا يجرؤ احد علي طرحه عليه, عن ذنب الاولاد الذين يعلمهم, فيقول إن الامل فيكم, انتم الذين تأخذون المسائل بجد, ومسئولية, وكانت الشهادة العالية في النظرية الثالثة فاتحة خير عليه, فمع اعتماده استاذا في الجامعة, جاءه التصعيد في مؤتمر الشعب العام, ليكون امينا لما يسمي اللجنة الشعبية للاقتصاد والتخطيط, وتفضلا منه علي هيئة التدريس في الكلية, وربما لثقته انهم يستطيعون تعويض ما به من ضعف وقصور, اشرك بعضنا في اللجان الكثيرة التي تعمل في امانته, مع مكافأة نظير كل اجتماع, مما شكل دخلا اضافيا لي ولغيري من زملاء, كنا في حاجة اليه بسبب ضعف المرتبات, وكانت اللجنة التي وجدت نفسي ضمن اعضائها لجنة مسئولة عن وضع ما يسمي الخطة الخمسية, التي تعتمد علي ما يردها من جميع الامانات والشعبيات من مشاريع تحت الانجاز واخري تم اقرارها ولم يتم انجازها بعد, وتوالت الاجتماعات التي كنا نسعد بما يترتب عنها من مكافآت, وشعرنا جميعا بالارتياح وغمرنا احساس بمتعة الانجاز, ونحن نري الخطة قد اكتملت فصولها, وقد تفنن رئيس اللجنة في تنسيقها حيث وضع لكل قطاع لونا مختلفا, فقطاع الزراعة ورق اخضر, واصفر لقطاع الاعلام, واحمر لقطاع النفط, وبنفسجي لقطاع الصحة وهكذا, وان لم يكن لونا مختلفا, فدرجة مختلفة من نفس اللون مع فهرست للمشاريع التي يضمها كل قطاع, لتسهيل المراجعة لأي مسئول سوف يطالعها, بدءا من القائد, وصولا الي اعضاء اللجنة الشعبية العامة, واعضاء امانة مؤتمر الشعب العام, وفي ختام الجلسة الاخيرة طلب رئيس اللجنة من الاخ الامين اعفاءه من رئاستها لان لديه رحلة علاج الي الخارج تمنعه من مواصلة العمل, بعد ان تم اعداد الخطة, ولم تبق الا المتابعة, شكره الاخ الامين قائلا بان الخطة قد تحتاج الي تعديل او تصحيح وهو امر مقدور عليه حتي في غيابه, ودون تشاور معي, سمعته يقترح ان اتولي رئاسة اللجنة في المرحلة القادمة, وينظر نحوي مبتسما قائلا انها مسالة يسيرة هينة لن تستمر سوي بضعة ايام, ورفع الجلسة مستأذنا في العودة الي مكتبة وقد صار تكليفي برئاسة اللجنة امرا واقعا لا مراجعة فيه.
وعندما جاءني استدعاء الي مكتب الامين في اليوم التالي, ظننت ان الامر يتصل باخذ رأيي في رئاسة اللجنة, الا انه لم يكن كذلك, وانما لابلاغي بان هناك موعدا قد تحدد لي وله, للقاء مع الاخ العقيد في خيمته بباب العزيزية, من اجل تقديم الخطة له, ويطلب مني, باعتباري رئيس اللجنة, ان اكون جاهزا لاعانته في تلخيص محتويات الخطة للاخ العقيد, والرد علي استفساراته حولها, ولم يترك لي فرصة الاعتذار, فهذا تشريف وتكليف في ذات الوقت كما قال, وقبل الموعد بقليل كنا نجتاز في سيارة حكومية من نوع البيجو يقودها سائق الامين, اول بوابات المعسكر, وهي بوابة عملاقة تعلوها شرفات تنتصب فوقها المدافع ويقف حولها جنود يحملون الرشاشات, بينما وقف عدد اخر في الباب, بعضهم يحمل الرشاشات, وبعضهم يكتفون بمسدسات تتدلي من احزمتهم, وهرع احدهم يحمل ورقا وقلما, فكتب الاسماء وتاكد من بطاقات الهوية التي معنا, وامر بفتح الباب لندخل طريقا يعترضه جدار يرتفع مسافة متر فوق الارض, فنتجنبه يمينا او شمالا لنقف في مواجهة جدار اخر بنفس الحجم, نحيد عنه لنجد جدارا رابعا, حتي نصل الي بوابة ثانية بنفس حجم البوابة الاولي, ونفس الزحام من الجنود والاسلحة والمدافع المنتصبة فوق السور, وجندي يأتي يدس راسه من النافذة ليسال عن الاسماء ويعرف انها موجودة في السجل ليفتح البوابة, فاذا بمسافة اخري مقدارها عشرين او ثلاثين مترا نجتازها الي بوابة ثالثة, في هذه المرة بها رجل يقود كلبا بوليسيا يطرف بالسيارة, وجندي يطلب ان نفتح له بوت السيارة لتفتيشه, قبل ان يعرف الاسماء ويتأكد من وجودها, ليفتح لنا الباب الذي ندخله بالسيارة ويسألنا ان نضعها خلف هذا الباب, لانه يفضي الي محطة سيارات, نتركها ونترك السائق حيث سيجد قاعة انتظار معدة لامثاله من سائقين او حراس, بينما قادني الاخ الامين الي بوابة اصغر حجما هذه المرة بها جهاز لفحص القادمين, دخلنا عبرها, ولم يكن خلف هذا الباب مكاتب او قاعات انتظار او طريق يقود الي هذه المكاتب والقاعات, كانت هناك قطعة من البادية الليبية, اغلب نباتات البادية مثل الديس والرتم والقزاح كانت موجودة, واشجار مثل الاثل والطلح والسدر كانت تتناثر تحيط بها كثبان صغيرة من الرمل, واكثر من ذلك كانت هناك ناقتان ترضع كل منهما حوارها وثلاثة جمال, في اقدامها القيد, وتضع رءوسها في الارض تتغذي علي بعض النباتات الصحراوية. كان الوقت شتاء, وكان منظر البادية التي ظهرت خلف هذه البوابات, وارضها المفتوحة علي التيارات القادمة من الجهات الاربع, يضيف بردا الي ما شعرت به من برد فور الخروج من دفء السيارة, ولم يكن صعبا ان نري الخيمة تلوح من خلال النباتات, وحمدت الله ان معي رجلا يعرف مكانها, وسبق له زيارتها قادني اليها دون تاخير, كانت هناك نار كبيرة تستعر قريبا من مدخل الخيمة وكان هو يجلس علي كرسي وامامه طاولة صغيرة فوقها عدد من الهواتف والاوراق, وكان بجواره عون من اعوانه, انتصب واقفا فور وصولنا وغادر الخيمة, ليقف الاخ العقيد مرحبا بنا, داعيا ايانا للجلوس علي مقعدين يحاذيان مقعده, لم يكن هناك وجود لحارساته العديدات, اللاتي يتفاوتن بين جميلات ذات شعر ذهبي, وزنجيات ذات عضلات وقوة, فقد نظرت في مختلف الاتجاهات دون ان ألمحهن, فهن فيما يبدو ملمح من ملامح سلطة العقيد يظهر في الاستعراضات والحفلات العامة, كان ثمة اشباح في الجوار لحراس يتلفعون بالعتمة, ولم يكن ثمة تأثير للنار التي ترسل لهبها في الجو, فقد ظل البرد داخل الخيمة قويا مثلما كان خارجها, ورغم انني كانت احتفظ بمعطفي اثناء جلوسي, واحكم ربط ازراره حول صدري فقد كان جسمي يرتعش بردا, بينما كان الاخ العقيد يرتدي بلوفرا مفتوح الصدر فوق القيمص, ولا يظهر اي احساس بالبرد, ودودا, باسما, وبقي للحظات يقلب اوراق الخطة قبل ان يسأل الاخ الامين أن يقدم له تلخيصا عنها, وشاركت ببعض الاضافات والشروح, وكنت وانا اراه ينصت باهتمام الي شرحنا, اتساءل بيني وبين نفسي اهو الرجل الذي امر بتعليق المعارضين في المشائق وبينهم طلاب في الجامعة, وامر بالاعدامات لبعض العسكريين المتمردين والذي ارسل فرق الاعدام لاغتيال خصومه السياسيين في الخارج, وتذكر صديقا من اهل المحاماة كان زميلي في المراحل الدراسية الاولي, مثالا للتهذيب والطيبة, اخذوه للتحقيق في واحد من اجهزة الأمن ثم اعادوه لاسرته قتيلا يحمل آثار رصاصة في صدره, فهل صديقي مات باوامر من هذا الذي يبدو الان وديعا باسما, يتكلم بصوت خفيض, وجاء الرجل الذي يعد الشاي امام الخيمة يقدم له السفرة التي يحمل فها كئوس الشاي الاخضر, ليأخذ كأسه, فاذا به يتناول الكأس ويقدمه لي, وانا اتناوله منه محرجا, وادعوه في ارتباك ان يشرب قبلي, لكنه وضع الكأس في يدي, ثم كأسا ثانية في يد الامين, قبل ان يتناول كأسا لنفسه, كانت تعليقاته عما كنت اقوله ويقوله الامين عن الخطة مقتضبة, قليلة لاتظهر فيها اي معرفة للرجل بالاقتصاد. لكنه القائد ولابد ان ننصت له بانتباه واحترام حتي وهو يقول هذرا, وهو فعلا ما حدث عندما انتبهنا انتباها شديدا واستعد الامين بالقلم والورقة وقمت انا بنفس الاستعداد لننقل فحوي مايريده من اضافة تحتاجها الخطة, كما قال وانتظرنا ان يكمل الجمل ويشرح معني الاضافة, ولكننا اكتشفنا ونحن نشعر بالخجل انه لم يكن يخاطبنا وانما يخاطب رجل الشاي يريده ان يضيف حطبا الي النار التي رأي لهبها يتناقص, وهو يريده دائما في حالة قصوي من التوهج والاشتعال, وليس ماذهب في اذهاننا من اضافات للخطة, تنفسنا بعدها بارتياح لانه اعفاني واعفي الامين من عناء البحث عن مشاريع جديدة نظيفها للخطة التي كانت في حالة اكتمال.
وقف بعد انتهاء النقاش ايذانا بانتهاء الجلسة, يمد يده لوداعنا واعدا بانه سيعاود النظر في الخطة ويسجل حولها ملاحظاته, ويعيدها إلينا دون تأخير باذن الله, كان الوقت قد صار ليلا دامسا, وكانت النار التي يواصل عامل الشاي لقمها بمزيد من الاحطاب طوال استعارها تصنع بهرة من الضوء حولها, علاوة علي بعض المصابيح المعلقة فوق رءوس الاعمدة, بحيث كان الطريق واضحا الي الباب ثم الي حيث السيارة, وكنت مستعجلا علي ركوبها, وفتح المكيف لأشعر بشيء من الدفء, بعد قرابة ساعة من الارتعاش في خيمة القائد.
كان الاخ العقيد صادقا في وعده باعادة الخطة دون تأخير, وجاءني هاتف الأمين في صباح اليوم التالي للمقابلة, قائلا بان الخطة موجودة علي مكتبه, ويريد سرعة مجيئي اليه لكي ننظر سويا في امرها, قبل معاودة عرضها علي اللجنة, وعندما وصلت الي مكتبة, وجدته مشغولا مع بعض اركان امانته, فناولني ملف الخطة طالبا ان اجلس في الصالون الملحق بمكتبة, لاطالعها قبل ان يلحق بي بعد لحظات, وما ان جلست منفردا بنفسي وفتحت ملف الخطة, حتي هالني مارأيت, اذ وجدت علي الصفحة الاولي علامة اكس فوق كل الصفحة, وهكذا مع الصفحة الثانية, والثالثة, والتي تليها والتي تليها, الي آخر الخطة, لم تبق صفحة واحدة من صفحات الخطة السبعين لم تحمل هذه العلامة دون استثناء لسطر واحد, ولم يكن عجبي فقط لالغاء كل الخطة, ولكن العجب الاكبر هو متي وقد غادرناه البارحة ليلا, وارجعها بواكير هذا الصباح, وجد الوقت لقراءة كل صفحة من صفحات الخطة, واعمل فيها التفكير, واتخذ بشأنها القرار, وهي لم تكن مشروعا واحدا وانما عشرات, بل مئات المشاريع, بعضها لم يكن غير مواصلة لمشروع تم اقراره منذ خمس سنوات وتواصل العمل فيه عبر هذه المدة, بل بعضها مما يحتاج لامد طويل بدأ العمل فيه قبل خطتين يعني منذ عشر سنوات, وتواصل العمل فيه ايضا كل هذه المدة, ولم يكن يحتاج الا لاجراءات استكماله, وتوقفت عند الصفحة الاخيرة عندما وجدته يحرر في البياض المتبقي في جزء منها, عدة اسطر تأملت ان اجد فيها شيئا يفسر لي ماحدث ويطفئ فضولي لسبب هذا السلوك, وكانت كالآتي:
خطة فاشلة
افكار تقليدية قديمة بلا تجديد
خطة تصلح للعهد الملكي المباد, وليس لثورة الفاتح العظمي.
ثم لاشيء.
لاوجود لكلمة واحدة عن اسباب الاعتراض, ولاوجود لكلمة واحدة تفسر لماذا هي افكار تقليدية, ولماذا هي لاتصلح الا للعهد الملكي المباد, او لماذا لاتصلح لثورة الفاتح العظمي, ثم لا وجود لكلمة اخري عن الافكار البديلة التي يري فيها ابتكار وابداعا وتجديدا والتي يقترحها او يقترح نهجا يقود اليها.
تأخر الأمين في المجيء, فانتظرته علي قلق, لانه بالتاكيد يعرف اسلوبا للتعامل مع هذه المواقف, وربما يملك تفسيرا لما حدث, فقد خبر هؤلاء الناس طريقة صاحبهم في التفكير, وربما استطاعوا الوصول الي صيغة لفهم اسلوبه والتعاطي معه, كنت قد توقفت منذ اعوام كثيرة عن التدخين, لكنني شعرت في هذه اللحظة بحاجة شديدة الي سيجارة, تصورت انها ستعيد لي هدوء أعصابي وتقضي علي حالة القلق التي تعصف بي, خرجت اطلب من الساعي ان يذهب لشراء علبة, وادركت عندما عاد, واشعلت اول سيجارة, وبدأت امتص رحيقها, بان هذه سوف تسلمني لاخري, وان احدي المصائب التي ستجلبها لي هذه اللجنة ستكون عودتي للتدخين, وعرفت الان لماذا اعتذر رئيس اللجنة السابق عن الاستمرار في رئاستها, لانه بالتاكيد مدرك لان الخطة ستدخل الآن مرحلة المتاعب والمصائب والعبث, ثم وجدت الامين وقبل ان اكمل تدخين السيجارة, يدخل قائلا بانه تعمد ان نجلس في هذا الصالون الذي سيتيح لنا فرصة النقاش في هدوء وانفراد, وهو امر لن يتيحه مكتبه الذي لايخلو من الداخلين والخارجين, علاوة علي رنين الهواتف الذي لاينقطع, وقلت له بأن الامر فعلا يحتاج لمثل هذه الخلوة, فابتسم ابتسامة لاتتوافق مع حرج الموقف وصعوبته, وهو يقول ناظرا الي مشروع الخطة الملقي علي الطاولة أمامي.
مارأيك؟
إنه نسف كامل للخطة.
هكذا هو الأخ العقيد.
لم أفهم, ماذا تقصد؟
هذه طريقته للحصول علي خطة أفضل.
ألا يقول شيئا عن سبب اعتراضه؟ ألا يعطي اشارة عما يريد؟
لا سبب لديه للاعتراض. ولا وجود لفكرة بعينها يريد وضعها في الخطة, يريد فقط أن يدفعنا, أو قل بعبارة أكثر دقة يستفزنا, لوضع خطة احسن مما قدمنا.
ثم نظر لي وانا اطفئ عقب السيجارة وقال يسألني:
ألست أنت مستفزا الآن؟
اذا اردت الحق فانني في اعلي حالات الاستفزاز؟
هذا بالضبط ما أراده الأخ العقيد.
قلت, دون أن اظهر انني اقصد الهزء أو السخرية:
ما شاء الله, ما شاء الله.
البقية الأسبوع القادم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.