إزالة 9 حالات تعد بالبناء المخالف على الأراضي الزراعية بالشرقية    نائب وزير المالية: إرساء دعائم الحياد الضريبي من أجل تمكين القطاع الخاص    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مواقع لحزب الله في 3 مناطق جنوب لبنان    "النواب العراقي" يدين القصف الإسرائيلي على مخيم النصيرات بغزة    مواجهات قوية في تصفيات كأس العالم واستعدادات اليورو.. مواعيد مباريات اليوم الأحد    تجهيز 76 لجنة رئيسية لاستقبال 25,275 طالبًا وطالبة في كفر الشيخ    وزير الزراعة يوجه بتكثيف حملات التفتيش على منافذ بيع اللحوم والدواجن    أفضل الأدعية والأعمال في يوم التروية    «التضامن الاجتماعي» توافق على قيد ونقل تبعية 3 جمعيات بالقاهرة والغربية    العمل: زيارات ميدانية لتفقد مواقع الإنتاج بأسيوط    رئيس الهجر ة الدولية في السودان: ارتفاع كبير بأسعار المياه والوقود    وزير الخارجية يتوجه إلى روسيا للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية تجمع بريكس    فتح باب التقدم لجوائز جامعة القاهرة لأعضاء هيئة التدريس حتى نهاية يوليو المقبل    بيدري: الإصابة أصبحت من الماضي.. ودي لا فوينتي شجعني في الأوقات الصعبة    فكري صالح: مصطفى شوبير حارس متميز وشخصيته في الملعب أقوى من والده    تشاهدون اليوم.. تونس فى ضيافة ناميبيا بتصفيات إفريقيا للمونديال وفرنسا تستعد لليورو بمواجهة كندا    إدريس : أتوقع أن نحقق من 7 إلى 11 ميدالية في أولمبياد باريس    عاجل.. إعلامي شهير يعلن أولى صفقات الأهلي الصيفية    رئيس جامعة بني سويف: بدء الدورة الثالثة للمبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    رئيس مركز المناخ يحذر من التعرض لأشعة الشمس للحفاظ على السلامة الشخصية    السكة الحديد تفتح باب حجز التذاكر على قطارات العيد الإضافية اليوم    تجديد حبس شقيقين قتلا جارهما بالسلام    تضمنت قائمة بأدلة الثبوت.. إرسال قضية سفاح التجمع إلى النائب العام    أجندة قصور الثقافة.. عروض لفرق الأقاليم المسرحية واحتفالات بيوم البيئة العالمي    في يومه العالمي.. كيف كان أرشيف الحضارة المصرية القديمة وأين يحفظ؟    صدمة لجمهور أفلام عيد الأضحى.. الأطفال لن تشاهد تلك الأفلام (التفاصيل كاملة)    عمرو محمود يس وياسمين عبدالعزيز في رمضان 2025 من جديد.. ماذا قدما سويا؟    فى ذكرى رحيله.. عبدالله محمود شارك عمالقة الفن خلال رحلة فنية قصيرة    محافظ كفر الشيخ يتابع جهود حملات إزالة الإشغالات بدسوق    وزارة الصحة: نستهدف رفع الوعي بالكشف المبكر عن الأورام السرطانية    الصحة: الانتهاء من قوائم الانتظار لعمليات قسطرة القلب بمستشفى السويس العام    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق (تفاصيل)    «معلومات الوزراء» يلقي الضوء على ماهية علم الجينوم وقيمته في المجالات البشرية المختلفة    أستاذ صحة عامة يوجه نصائح مهمة للحماية من التعرض لضربات الشمس    «الداخلية»: ضبط 552 مخالفة عدم ارتداء الخوذة وسحب 1334 رخصة خلال 24 ساعة    رفع 3 رايات على شواطئ الإسكندرية بسبب الأمواج اليوم.. اعرف التفاصيل    اليوم.. "إسكان الشيوخ" تعقد 7 اجتماعات بشأن مشروعات طرق    الملامح النهائية للتشكيل الحكومي الجديد 2024    إلغاء الأدبي والعلمي.. تفاصيل نظام الثانوية الجديد وموعد تطبيقه    وزيرة البيئة: إطلاق مركز التميز الأفريقي للمرونة والتكيف بالقاهرة خلال 2024    عدلي القيعي يكشف شعبية الأهلي في مصر ب إحصائية رقمية    حنان ترك تتصدر التريند بسبب ابنتها.. ما القصة؟    «مع بدء طرح أفلام العيد».. 4 أفلام مهددة بالسحب من السينمات    مجلس التعاون الخليجي: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء استهدفت الأبرياء العزل في غزة    عالم أزهري يوضح فضل الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة وكيفية اغتنامها    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    «الإفتاء» توضح أعمال يوم النحر للحاج وغير الحاج.. «حتى تكتمل الشعائر»    حزب الله يستهدف موقع الرمثا الإسرائيلي في تلال كفر شوبا اللبنانية المحتلة    «البحرية البريطانية» تعلن وقوع حادث على بعد 70 ميلا جنوب غربي عدن اليمنية    عرض حلول تحديد الهوية بمؤتمر الأمن السيبراني .. تفاصيل    شركة فولفو تنقل إنتاج السيارات الكهربائية من الصين إلى بلجيكا    برقم الجلوس.. الموقع الرسمي لنتيجة الصف الثالث الإعدادى 2024 الترم الثاني للمحافظات (رابط مباشر)    هذه الأبراج يُوصف رجالها بأنهم الأكثر نكدية: ابتعدي عنهم قدر الإمكان    من تعليق المعاهدات إلى حرب «البالونات» الأزمة الكورية تتخذ منعطفًا خطيرًا    أمير هشام: كولر يعطل صفقة يوسف أيمن رغم اتفاقه مع الأهلي ويتمسك بضم العسقلاني    النديم: 314 انتهاك في مايو بين تعذيب وإهمال طبي واخفاء قسري    ما هي أيام التشريق 2024.. وهل يجوز صيامها؟    انتصار ومحمد محمود يرقصان بحفل قومي حقوق الإنسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحولات القذافي بين الثورة والديكتاتورية
نشر في المساء يوم 27 - 02 - 2011

ين ظهر القذافي علي شاشة التليفزيون الليبي. يشرح التطورات من وجهة نظره. ويعيد - بلهجة أقسي - تهديدات ابنه سيف الإسلام التي اعتبرها المحللون إعلان حرب ضد الشعب الليبي. فطن المشاهدون إلي ان الرجل يعاني ويحتاج إلي طبيب نفسي: الملامح المتقلصة. العينان الزائغتان. الشتائم المتلاحقة ضد أبناء شعبه. نسبة ما يحدث إلي المؤامرات الدولية. الملابس التي تمزقت من تحت الابطين بما لا يليق بحاكم دولة.
قبل التهديد القذافي. ظهر الرجل في "توك توك" ينفي فراره. اكتفي بكلمات مدغمة. ثم أخفي وجهه - في مشهد درامي - بمظلة يحملها. ومضي!
إذا كان الكثيرون قد استغربوا وقفة القذافي. وطريقته في الخطابة. وميله إلي الصراخ. والتلويح بقبضته. فإن المراجعة الارشيفية لكل وقفات القذافي وتحركاته وتصرفاته تؤكد ان "الزعامة" هي المظهر الذي يحرص عليه الرجل. فالقبضتان تتحركان إما بوعد الثورة أو بالتهديد. والنظرات تتجهان إلي أفق يراه وحده. يستلهم منه أفكاره وأقواله.
ووصف معمر المتظاهرين - أو المحتجين - بأنهم عبارة عن مجموعات من البلطجية والعمال المصريين والتونسيين. ومعهم فئة قليلة من الليبيين الذين يتعاطون المخدرات وأقراص الهلوسة. وقرأ القذافي مواد كثيرة في قانون العقوبات الليبي. تقضي جميعها بإعدام من يخالفه.
كان معمر القذافي واثقاً من زعامته. وأنه - بالفعل - كل تلك التسميات التي اطلقها علي نفسه. وكان علي يقين انه حين يواجه الجماهير الغاضبة. فلابد ان تنصت إلي كلماته. وتقتنع برأيه. وتنفذ ما يطلبه. لم يتصور أن الليبيين - الذين طال صمتهم أكثر من أربعين عاماً - سيخرجون للمناداة بإسقاطه. لذلك كانت صدمته قاسية بما انعكس في كلماته وتصرفاته. ودعوته للقضاء علي الثورة الوليدة بأي ثمن.
المألوف ان تطالب الشعوب بتغيير حكامها. لكن معمر القذافي اصر علي العكس. فقد أراد تغيير شعبه!
ولعلنا نتذكر مقولته القديمة الشهيرة انه قائد بلا شعب. يقصد القلة العددية لمواطنيه. أما المصريون فشعب بلا قائد.
وكانت غرابة أزياء القذافي جزءاً من مزاجه الشخصي. وهو مزاج يحرص دوماً علي لفت الأنظار. وإلي جانب الأوسمة الكثيرة التي كان يضعها علي صدره. فإنه وضع صورة فوتوغرافية للقائد التاريخي الشهيد عمر المختار. بما ذكرنا بالمارشال علي مجذوب حي الحسين!
أضاف القذافي إلي غرابة تصرفاته. تلك الخيمة التي كان يحملها إلي أي بلد يزوره. ويلتقي زواره فيها. ولأن مكانته أكبر من أي منصب. فقد كان ينيب واحداً من زملائه في مجلس قيادة الثورة لاستقبال الضيف في المطار. ويرافقه إلي الخيمة. ثم يعود رفيق الثورة إلي العزلة التي فرضها القذافي علي كل أعضاء المجلس!
ولعلنا نذكر فاصل التهريج الذي أداه القذافي - بامتياز - في جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقذفه بالأوراق ناحية رئيس الجمعية لانه مسئول ليبي. فهو إذن أحد موظفيه. وإطالته الخطاب إلي حد نزع المترجم سماعته. واحتج بأنه لا يستطيع ملاحقة الرجل في كلماته المهومة!
ولافتتانه بالزعامة. فقد صحا القذافي - ذات يوم - باسم جديد للجمهورية الليبية سماها الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمي.
وأتذكر قول المواطن الليبي في فضائية عربية ان القذافي ينفذ - في الصباح - ما حلم به في نومه من اجراءات وقرارات وأشياء تفرضها مخيلة النائم.
إلي آخر العمر
استمر القذافي قائداً لثورة قوامها ضباط عرفهم الناس. لكنه ما لبث ان تخلي عن رفاقه بالعزل. وبالعنف ومحاولات الاغتيال. ودعا إلي حكم الشعب نفسه بنفسه. علي ان يكون هو قائد ثورة الشعب. وألغي كل المتعارف عليه سياسياً من مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية. وكون ما اطلق عليه اللجان الشعبية. واستبدل بالوزراء أمناء تلك اللجان. كل في تخصص اللجنة التي اختير أميناً لها.
من هنا جاء نفي القذافي في خطابه للشعب الليبي - الذي طالب بتنحيه - ان يكون شاغلاً لمنصب بحيث يتنحي عنه. هو - علي حد تعبيره - قائد ثورة. وسيظل كذلك إلي آخر العمر!
وحاول الرجل ان يرضي أبناء شعبه. فإنه عرض ان يحصل كل مواطن علي حقه من البترول. ولو اننا اردنا تصور هذا المشهد. فسنجد طابوراً بلا نهاية من المواطنين الليبيين يحملون الجراكن للحصول علي حصصهم من بترول البلاد!
ورغم ذلك فقد وصف القذافي أبناء شعبه بأنهم جرذان وفئران وقطط سائبة وجراثيم. ولعنهم. ولعن آباءهم وأمهاتهم.
وتأكيداً علي قطع كل صلة بين القذافي وشعبه. فقد استأجر المئات من المرتزقة الأفارقة. ونقلهم بالطائرات إلي طرابلس والمدن الليبية الاخري ليفرضوا نظامه بالقوة المسلحة. وعندما صرخ في التليفزيون بأنه سيحارب في كل حارة وزقة وبيت. فقد كانت تلك كلمة السر للمرتزقة كي يطلقوا الرصاص علي كل شيء يتحرك وهو ما شاهدناه بالفعل في هجوم المرتزقة علي مدينة الزاوية.
واللافت ان هتاف المتظاهرين الليبيين بإسقاط النظام. اقتصر - في معناه - علي شخص القذافي وأبنائه. فهم الزعامة الوحيدة لليبيا
وللقذافي زوجتان. انجب من زوجته الأولي ابنه محمد. أما الزوجة الثانية فهي صفية فركاش. وأنجب منها سبعة أبناء. وكشفت وثائق ويكليكس - مؤخراً - عن امرأة ثالثة في حياة القذافي هي ممرضته الخاصة.
وقد اطلق الرجل اسماء ابنائه علي فرق الجيش. كل اسم علي فرقة. وهو ما لم يحدث في أعتي الديكتاتوريات. ولا في الدول الملكية التي تحكم بالحق الإلهي!
ولأن عبدالناصر - في مناسبة احتفالية بطرابلس - أشار القذافي - الذي كان شاباً واعداً - بأنه يذكره بشبابه. واعتبره الأمين علي القومية العربية.. تلقف القذافي قول عبدالناصر. ونسب إلي نفسه أمانة القومية العربية. ودعا إلي وحدة الأقطار العربية. وسير لذلك مسيرات جاوزت - بالعنف - الحدود المصرية. وعقد اتفاقية ثلاثية في ميت أبوالكوم وقع عليها - إلي جانبه - الرئيسان السادات وحافظ الأسد. لكن الاتفاقية ظلت ساكنة في أوراقها!
ولأن عبدالناصر كتب "فلسفة الثورة" فقد كتب القذافي "الكتاب الأخضر" يضع فيه تصوراته للمستقبل الليبي. وتطلعاتها العربية والعالمية.
ثم ألحت موهبة الكتابة علي الرجل - فيما بعد - فأصدر ثلاث روايات - أكاد أعرف المؤلف الحقيقي لها - وناقشها بالإرسال التليفزيوني مع عدد من مثقفي الوطن العربي.
حالة نفسية
تكررت محاولات القذافي لإقامة دولة الوحدة العربية. لكن محاولات واجهت الفشل. لا لغياب الحس العروبي. وإنما لان الجميع تبينوا وإن لم يعلنوا حالة الرجل النفسية. أيام الخلافات العربية العربية وحدها هي التي أكدت النفسية التي تعبر عنها أفكار الرجل. ولعلنا نذكر خلافه مع الرئيس السادات. والكاريكاتير الذي كان يرسمه له الفنان مصطفي حسين. وهو يجلس فوق "قصرية". أو يضع فوق رأسه "كسرولة"!
قرر القذافي ان يبدل اتجاهه فأنفق المليارات من أموال الشعب الليبي لاقناع قادة افريقيا بما سماه الولايات الافريقية المتحدة. وأقيمت مؤتمرات ومهرجانات.
وفي أثناء ذلك. وقبله. وبعده. سعي القذافي من منطلق الزعامة التي تملكته إلي نشر الثورة في أمريكا اللاتينية وافريقيا. ومساعدة انفصاليي أيرلندة أذكرك بأن دور القذافي في انفصال الجنوب السوداني يصعب إغفاله وقد شجعت الثورة الليبية الحالية أحد مساعدي القذافي علي التصريح بأن القذافي هو من أصدر الأمر في حادثة لوكربي.
ومقابلا لدعوة الثورة فقد كان الشعب الليبي يعاني أقسي الظروف بداية من العوز المادي حتي ان موظفي الدولة كانوا يتقاضون رواتبهم كل بضعة أشهر. واستمرارا في غياب الحريات والملاحقة الأمنية والمصادرة والاعتقال. وانتهاء بالتذويب في الحامض لمن يظهر الرفض.
زيارتان
زرت ليبيا مرتين. الأولي ضمن وفد كبير للغاية ضاقت به غرف فندق باب البحر بطرابلس. فأمضي الكثيرون أيامهم في القاعة الرئيسة بالفندق. كنا قد استجبنا أدباء ومفكرون وفنانون وأساتذة جامعات لدعوة سعد الدين وهبة بالسفر إلي ليبيا. والمشاركة في مؤتمر عن الوحدة العربية. وظللنا محتجزين داخل الفندق من الصباح إلي ساعة متأخرة من الليل. لتقلنا باصات إلي لقاء شخصية مهمة. ومضت الباصات في ليل طرابلس إلي صحراء تلفها الظلمة. اختفت الأحاديث الجانبية والدردشات. وانشلغنا بتبين الطريق وسط الظلمة الحالكة. حتي أضواء الباصات كانت مطفأة. الضوء الوحيد الخافت صدر عن سيارة جيب صغيرة تحمل مجموعة من الجنود المسلحين بمدافع رشاشة.
أخيراً. أخيراً. مضت السيارة الجيب نحو بقعة ضوء. عرفنا في اقترابنا منها انها تصدر عن خيمة هائلة. صفت في أرضيتها مراتب. اصطففنا قعودا عليها. بعد أن دخل الجميع من جهاز كشف الأسلحة.
هتف من لا أعرفه بما عني أن "زعيم الثورة" وصل. وجلس الرجل - بمفرده - علي كرسي. ونحن أمامه قعود. وتحدث في قضايا كثيرة. عربية ودولية. واضطر الكثيرون - وكبار السن بخاصة - إلي رفض الجلسة القاسية. وجاراهم من غابت عنهم الرؤية. فوقف كل من في الخيمة. بينما "الزعيم" يصل أحاديثه بخيط لا يفلته!
دفع سعد الدين وهبة ثمن هذا الموقف السخيف. مؤاخذة من كل أعضاء الوفد المصري. لم نكن نعرف أن القذافي غرر بالجميع. وأن الدعوة التي تلقاها وهبة. ونقلها إلي الجميع. هي حضور مؤتمر عن الوحدة العربية. ومن يكره؟
صحبني في سيارته - في الليلة نفسها - أديب ليبي صديق. اخترقنا هدوء شوارع طرابلس. أنصت. ويتكلم. يثير فزعي ومخيلتي بحكايات عن المصادرة والخطف والاعتقال والتعذيب والإعدام بالحامض. بمعني إخفاء المعتقلين السياسيين.
لم أقاطع صديقي. ولا حاولت أن ألقي أسئلة. بدا كأنه يجتر ظروفاً قاسية. ليس علي المستوي الشخصي. وانما علي مستوي الجماعة الليبية.
في المرة الثانية. كنت أرأس وفد الاتحاد المصري في مؤتمر اتحاد الكتاب العرب. وتعرفت إلي أمين الزراعة في اللجان الشعبية التي ألفها القذافي. ضمن منظومة تختلف في تكويناتها عن السلطات السياسية المعروفة: التنفيذية والتشريعية والقضائية.
أبديت - بنية حسنة - ملاحظة حول ما شاهدته من أداء سلبي للجان الشعبية. وأبدي الرجل وجهة نظر مختلفة. وتصورت الأمر انتهي عند مجرد اختلاف ملاحظتين. لكن نظرات الرجل لاحقتني في أرجاء المكان. وحين ضقت بالحصار. اتجهت إليه بالقول: قدمت لمؤتمر اتحاد الكتاب العرب. لا شأن لي بمشكلاتهم الداخلية.
مساجلة
المجنون أخطر من الخائن. ربما تدبر الخائن ردود الأفعال. وجنون القذافي لم يختلف فيه اثنان. سواء من القيادات الحاكمة. أو من الشعب العربي في أقطاره المختلفة. وقد تأخرت الدعوة لوقوف معمر القذافي أمام محكمة الجنايات الدولية عشرات السنين. وإذا كانت صحة الرجل النفسية سبباً في حربه ضد شعبه بالمرتزقة والطائرات والصواريخ. فإن نتائج أفعاله تضعه في موقف الإدانة الصريحة. وإلا ما واجه الحكام الطغاة عقاب شعوبهم. مثل موسوليني الذي علقه أبناء وطنه - مقتولاً - من قدميه.
في أحد مؤتمرات القمة العربية نشبت مساجلة بين العاهل السعودي والقذافي. إذ اتهم الملك عبدالله الزعيم الليبي بتدبير مؤامرة لاغتياله. وأبدي الملك عبدالله رأيه في القائد الليبي. ورد القذافي أن وضعه كرئيس للجماهيرية العظمي. وأمين للقومية العربية. وأمين للوحدة العربية. ورئيس للقمة العربية. وملك لملوك إفريقيا - هو الذي ذكر كل هذه المسميات - يمنعه من أن يهبط بمستواه!.
لاحظ أن الحضور هم القادة العرب الذين تباهي القذافي بأنه يرأس مؤتمرهم!
وبالمناسبة. إذا كان الشعب الليبي. والشعب العربي بعامة. قد عاني تصرفات القذافي المدمرة. فإن الإدانة يجب أن توجه إلي لحكام العرب. لقد أهانهم القذافي في مناسبات كثيرة. وساعد - بالمال والسلاح - علي انفصال جنوب السودان. وقضي علي مساع عربية لاحتواء المشكلات. وتكرر تعامله القاسي. وطرده لرعايا الدول العربية. لمجرد إرضاء نزعة الشر في داخله. بل إنه أقدم - يوماً - علي إلقاء الفلسطينيين في الصحراء. بدعوي أن بلادهم - المحتلة - أولي بهم.
ماذا بعد؟
من عرفوا القذافي عن قرب. من درسوا شخصية الرجل جيداً. وتعرفوا إلي طبيعة تصرفاته. وكيف يأخذ القرارات. وحجم ردود الأفعال.. أجمع كل هؤلاء علي أن المأزق الذي يعانيه معمر القذافي سينتهي إلي أحد حلين. إما أن يظل مسدسه في يده - والتعبير له - حتي يقتل. وإما أن ينتحر.
رفضوا التصور - من خلال استقرائهم لممارسات القذافي - أنه سينصت إلي صوت العقل. أو أنه سيحاول الفهم كما فعل بن علي. أو يدرك حقيقة ما جري كما حدث لآخرين. اكتفي الرجل بالهتاف: إلي الأمام.. من هم الذين يدفعهم إلي التقدم؟ وإلي أين يذهبون؟ ومن يدفع الثمن في النهاية؟
أسئلة خلا منها ذهن القذافي تماماً. لم يعد إلا عجبه من أن يوجد في ليبيا من يرفضه. أو يدعوه: إرحل!. الشعب كله يحبه. هو المعلم والقائد والثورة والمجد. من يناقش ذلك أو ينكره. فإن عليه أن يواجه التصفية علي أيدي قوات المرتزقة الذين هتف فيهم القذافي من الأعماق: إلي الأمام!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.