ونحن على أبواب أول انتخابات لمجلس الشعب بعد الثورة؛ يتردد السؤال على الألسنة: مَنْ أنتخب؟ ويذكرني السؤال بشخص يريد أن يتزوج من ابنتك؛ فإنك ستبحث عن توافر معايير محددة في هذا الشخص، كما جاء في حديث: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه.. إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". (حديث ضعيف، ولكن معناه صحيح). والواقع أن انتخاب مجلس تشريعي للأمة هو أمر أكثر أهمية من تزويج المرء لأبنته؛ ذلك أنه يربط مستقبلها - كأمة وأفراد – بحسن اختيار أعضائه؛ لذلك يصح أن نقول: "إذا أتاكم مَنْ ترضون قوته وأمانته فانتخبوه.. إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". والقوة، وبجانبها الأمانة، معيار كريم للاختيار السليم، أثنى عليهما القرآن، فيما جاء على لسان إحدى ابنتي العبد الصالح: "إن خير من استأجرت القوي الأمين". (القصص: ( 26. وتشمل القوة المطلوب توافرها في المرشح كل أنواع القوة: على المستوى الشخصي: قوة الاعتقاد والرؤية الواضحة.. قوة الفعل والتنفيذ.. قوة اتخاذ القرار والمشورة.. قوة الحكمة والإلهام. وعلى مستوى التيارات السياسية تشمل القوة: قوة التنظيم والاستعداد.. قوة الحركة والرؤية والبرنامج.. لنهضة مصر.. استنادا إلى مرجعية سليمة. أما الأمانة فتشمل أمانة التجرد من الهوى، وخبث المقصد، وفساد الطوية، والتنزه عن المال العام، وعدم وجود سابقة تربح أو فساد أو رشوة أو شراء أصوات، أو إفساد للحياة السياسية، وكذلك التجرد من العاطفة، والعصبية، مع تغليب صوت العقل والنزاهة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية :"ينبغي أن يُعرف الأصلح في كل منصب ، فإن الولاية لها ركنان : القوة والأمانة كما قال تعالى : "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ". (القصص: 26). والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل، والأمانة ترجع إلى خشية الله، وألا يشتري بآياته ثمناً قليلاً، وتركِ خشية الناس. واجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، لهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "اللهم أشكوا إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة". (انتهى كلام ابن تيمية). لابد إذن من الاحتكام في الاختيار إلى المعايير السليمة، التي يتم بمقتضاها انتخاب أناس صالحين، ومن هذه المعايير النزاهة، والتاريخ النظيف، والصدق، ونظافة اليد، وعفة اللسان، والجرأة في قول الحق. ويعني هذا بالتبعية عدم انتخاب لصوص المال العام، ومفسدي الحياة السياسية، ومنافقي كل العصور، والقتلة وسافكي الدماء، ومُلهبي الفتن، وأصحاب التمويل المشبوه، ورافعي الشعارات المناقضة لثوابت الأمة، وآداب المجتمع. ويجب أيضا - عند الانتخاب - عدم الانسياق للعواطف، أو العصبية الشخصية أو المجاملة أو المنفعة.. وإلا أصبحنا أمام مجلس جديد مشوه، لا يختلف كثيرا عن سابقيه في النظام لبائد. إذن: انتخبوا الأكثر تجردا، والأكثر تضحية، والأكثر ثباتا في مواجهة الظالمين، والأكثر تنظيما، فمصر لا تحتمل الفوضى، ولا الضعف، ولا العمل الفردي. انتخبوا من له سابقة معرفة بالعمل العام، وممارسة له، والأكثر فهما لدوره التشريعي في المرحلة المقبلة، والأكثر صلابة في خدمة الناس، والعمل بينهم. ولنحاول إشاعة هذا الوعي الانتخابي بين الناس: نعم للانتخاب على أساس النزاهة والاستقامة، ولنتجاوز الأشخاص إلى البرامج، والشعارات إلى المضامين، والوعود إلى القدرة على التنفيذ. إن الاختيار السليم لأعضاء مجلس الشعب المقبل يكتب نصف النحاح لمصر المستقبل، ويتحمل مَنْ تأتي بهم الانتخابات تبعة نجاح النصف الثاني. إن مصر تحتاج إلى جيل جديد من النواب الذين يتصفون بالأمانة والقوة والاستقامة، وفي الوقت نفسه يكون لدى كل منهم - على المستوى الشخصي والجماعي - رؤية للمستقبل والحلم المصري، ومقومات تحقيق هذا الحلم، وسبل تحويله إلى دولة مبنية على أساس سليمة. أخيرا: تذكر عزيزي الناخب أن صوتك أمانة، وأن الله تعالى سائلك يوم القيامة: لمن أعطيته؟ فلا تكتم شهادتك.. قال سبحانه: "ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه". (البقرة: 282). [email protected] المزيد من مقالات عبدالرحمن سعد