في وسط البيداء الساكنة( قبل ظهور الإسلام), والرمال تكسو أرضية المشهد,وتتلون بلون الشمس كلما أشرقت أو غربت, سمع الناس صهيل( داحس) و(الغبراء) تعدوان فرس وفرسة تتسابقان علي خلفية رهان بين صاحبيهما; فداحس فرس يملكها قيس بن زهير من قبيلة عبس, والغبراء فرسة يملكها حمل بن بدر من قبيلة ذبيان, وكان الرهان مائة بعير لمن يفوز!! ولما كانت هناك في نهاية مضمار السباق شعاب كثيفة, كان أن فطن حمل بن بدر صاحب( الغبراء) إلي فكرة تمكن فرسته من الفوز بالرهان: مجموعة من فتيان يختبئون وسط هذه الشعاب, فما أن يقبل عليهم( داحس) حتي يثب هؤلاء في وجهه فيردوه عن الطريق, فيتخلف عن السباق, لتفوز( الغبراء)!! وبالفعل أقبل( داحس) مسرعا متجاوزا( الغبراء), فلما رآه الفتية مقبلا,وثبوا في وجهه,فخسر( داحس) ومن ثم خسر صاحبه قيس بن زهير- السباق!! عادت( الغبراء) منتصرة إلي صاحبها حمل بن بدر, فأرسل قومه شخصا يدعي مالك بن حذيفة إلي قيس بن زهير صاحب( داحس) لمطالبته بالمائة بعير, فما كان من قيس إلا أن قتل مالك كناية عن رفضه لنتيجة السباق!! فلما رأي حذيفة( والد القتيل) أحد أبناء قيس بن زهير وكان يدعي مالكا أيضا يرعي بإبله في الأرض, كان أن رماه برمح فأرداه قتيلا أيضا,فاجتمع القومان, وقالوا: مالك بن زهير مقابل مالك بن حذيفة, وتبقي المائة بعير قائمة وفق ما تم الاتفاق عليه بالأساس, فرفض قيس بن زهير,فقامت بين القبيلتين عبس وذبيان حربا دامت لمدة40 سنة وعرفت( في الجاهلية) بحرب( داحس والغبراء)!! منتهي التفاهة بصراحة,ومنتهي القصور العقلي, ومنتهي الفراغ المؤدي إلي تكبير( توافه الأمور) وتأجيج الانفعال إلي درجة التضحية بالأرواح!! قطع ( علي طريقة الأفلام السينمائية) .. وفي وسط البيداء الساكنة( قبل ظهور الإسلام), والرمال تكسو أرضية المشهد,وتتلون بلون الشمس كلما أشرقت أو غربت, علت سطوة شخص من قبيلة( تغلب) يدعي كليب, حتي أن كليبا هذا منع الناس من الاقتراب من منابت الكلأ إلا بإذنه!! تزوج كليب من فتاة من قبيلة بكر,وكان للفتاة أخ يدعي جساس!! فتصادق كليب وجساس وجمع بينهما طول السهر!! لجساس خالة كانت تدعي( البسوس), نزل في دارها ضيفا كان يدعي سعد الجرمي,وقد أحضر الضيف بصحبته ناقة أودعها وسط نياق جساس لترعي!! خرج الصديقان كليب وجساس إلي المراعي, فلمح كليب ناقة غريبة بين النوق,فسأل فقال له جساس إنها ملك الجرمي ضيف خالته البسوس,فما كان من كليب إلا أن توعد الناقة بالقتل إذا ما رعت في أراضيه مرة أخري,فما كان من جساس إلا أن توعد كليب شخصيا بالقتل إن هو فعل!! عاد كليب في اليوم التالي فوجد الناقة ترعي في الأرض فقتلها, فلما علمت البسوس خالة جساس بالحدث ذهبت إليه تصرخ: وا ذلاه.. وا ذلاه!! فلم يتمالك جساس نفسه,فذهب إلي كليب فقتله!! علم قوم كليب بما حدث,فذهبت قبيلته( تغلب) إلي قبيلة( بكر) تحمل أربعة مطالب محددة كان علي والد جساس أن يقبل بأحدها لإراقة الدماء: فإما أن يحيي كليب من الموت,وإما أن يعطيهم جساس ليقتلوه,وإما أن يعطيهم ابنه همام عوضا عن جساس ليقتلوه أيضا,وإما أن يفتدي الأب جساس بنفسه!! شروط معجزة لم يقبل والد جساس بأي منها, فنشبت بين القبيلتين تغلب وبكر حربا شديدة الوطيس لم ينج منها أحد ودامت نحو40 سنة أيضا وعرفت( في الجاهلية) بحرب( البسوس)!! منتهي التفاهة أيضا, ومنتهي القصور العقلي, ومنتهي الفراغ المؤدي إلي تكبير( توافه الأمور), وتأجيج الانفعال إلي درجة التضحية بالأرواح!! قطع .. وفي وسط مدينة تدعي بلطيم( بعد ظهور الإسلام), والأسفلت يكسو أرضية المشهد,ولا يتلون بلون الشمس أبدا كلما أشرقت أو غربت,طافت بشوارع المدينة زفة كبيرة,وتصادف مرور شاب من قرية قريبة تدعي( سوق الثلاثاء) بالقرب منها,وكان هذا الشاب يمتطي( توك توك), فلما حدث وأن احتك التوك توك بإحدي سيارات الزفة فأحدث بها بعض تلفيات, نشبت بين هذا الشاب وأصحاب الزفة مشادة, فما كان من أهل العروسين إلا أن انهالوا عليه ضربا!! عاد الشاب إلي أهله في( سوق الثلاثاء) يستصرخهم, فخرجت( سوق الثلاثاء) عن بكرة أبيها تحمل الأسلحة البيضاء والشوم والعصي الغليظة في حملة تأديبية لأهل بلطيم بشأن ما فعلوه بحق أحد أبنائهم, وكان الهجوم مباغتا تم فيه تهشيم عدد من مركبات التوك توك في المقابل وبعض من سيارات الميكروباص, ثم عاد أهالي( سوق الثلاثاء) فتحصنوا بأن حفروا خندقا حول قريتهم ودفعوا بمجموعات من شبابهم يحملون أسلحة آلية وأخري نارية ليذودوا عن قريتهم من وراء الخندق في مواجهة الهجمات البلطيمية المحتملة, بينما قام أهالي مدينة بلطيم في المقابل بتكسير المحال والمنشآت الخاصة بأهالي( سوق الثلاثاء) بداخل مدينة بلطيم نفسها, وتوالت الهجمات بعد ذلك بين الفريقين فسقط وفق آخر البيانات( التاريخية) لهذه الأحداث ثلاثة قتلي ومائة وستة مصابا من الجانبين!! هذا ولم ينته المؤرخون بعد من تحديد مدة هذه الحرب تحديدا وإن أطلقوا عليها مؤقتا( حرب التفاهة)!! أي ردة هذه عن الحضارة, وأي تطابق هذا بين عقول بدائية صحراوية قبلية وبين عقول تدعي التحضر والتمدن,وأي فشل ذريع هذا نحياه, ونحن نري أقاليم الدولة ينفرط عقدها من حولنا واحدة تلو الأخري تارة في بلطيم وتارة في دمياط وتارات في قنا ودشنا وغيرها,ولتتطاير إلي مسامعنا أسماء إثنيات متناحرة ما عهدنا عليها آباءنا من قبل, فتلك حرب بين بطون قبيلة هوارة البلانيش,وتلك معركة بين قبيلتي الأشراف والعرب,ولتشتعل ساحات القتال في أماكن أعتذر لكوني لا أعرف لها مكانا استراتيجيا واضحا علي خريطة بلادي,كمثل قرية أبو حزام, وحمرة دوم,والمعيصرة!! أي تفتيت هذا وأي تشرذم بلا حدود للوطن ؟ لقد كان أن خرجت علينا سيدة العالم كونداليزا رايس في ذات ليلة عتماء من العام2003 بعبارة( الشرق الأوسط الكبير) فرسمت أمام أعيننا عشرات العلامات الاستفهامية أنذاك ولم نفهم, وبرغم تحقق ملامح( نبوءتها) تباعا بعد7 سنوات مازلنا أيضا لا نفهم حجم الكبر بكسر الكاف وفتح الباء الذي ألمحت سيادتها إليه تحديدا, فمن الواضح أن هذا الكبر قائم ليس علي فكرة تكبير المساحة بقدر ما هو قائم علي فكرة كثرة الانشطار داخل الإقليم, فإذا كانت( النبوءة) تعني الانشطار إلي مستوي دولة( سوق الثلاثاء) ودولة( حمرة دوم),فليس أمامي بد في هذه اللحظة من أن أستلهم أشهر عبارات السيدة زكية زكريا فأقولها لباراك أوباما و بالفم المليان: عزيزي أوباما.. كشكشها.. ماتعرضهاش!! المزيد من أعمدة أشرف عبد المنعم