بعد ربيع الثورات العربية ووصول عدد من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية إلي سدة الحكم وما تشهده تلك البلدان من اضطرابات, تلوح في الأفق تجربة مختلفة رائدة, وتستحق التوقف عندها والاستفادة من دروسها وعبرها. أتحدث هنا عن الحالة المصرية ونظيرتها المغربية, فإذا كانت التجربة الأولي ما زالت تعيش تحت ضغط الاضطرابات والتظاهرات الممزوجة بالدماء, فالثانية تعيش درجة من النضج والاستقرار بقيادة زعيم حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي- عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة الحالي, الذي حرص علي إحداث حالة من التوافق السياسي بالتوازي مع الإصلاح الاقتصادي التدريجي مدعوما من الملك محمد السادس. وما يستوجب تسليط الضوء عليه حقا هو نجاح التوافق السياسي, الذي لاحظته في أثناء زيارتي للمغرب وقد تبين لي أن هناك حالة من الرضا علي الأداء السياسي وزهوا بتركيبة البرلمان والحكومة معا. بعد أن حصد حزب العدالة والتنمية107 مقاعد في البرلمان من أصل395 مقعدا أصبح من حقه تشكيل الحكومة لأول مرة في تاريخ المملكة المغربية, فماذا فعل بن كيران؟ اجتمع مع زعماء الأحزاب الحاصلة علي الأغلبية التالية لحزبه ووقعوا ميثاق الأغلبيةبين حزبه وأحزاب الاستقلال والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية, وارتكز الميثاق علي أربعة محاور رئيسية هي, التشارك في العمل, والفعالية في الإنجاز, والشفافية في التدبير, والتضامن في المسئولية. وتضمن الميثاق عشرة أهداف تسعي الأغلبية الحكومية لتحقيقها,علي رأسها تفعيل مقتضيات الدستور الجديد لبناء الدولة الديمقراطية وتحقيق المزيد من الإصلاحات, فيما وضع الميثاق أربع آليات لتحقيق تلك الأهداف وهي رئاسة التحالف المكونة من الأمناء العامين للاحزاب المتحالفة, والتحالف علي مستوي مجلسي النواب والمستشارين( الشوري), والاعتماد علي منهجية عمل بخصوص مقترحات القوانين والتصويت والتعديلات, ومناقشة مشاريع القوانين. ولم يكتف الحزب بميثاق الأغلبية,بل عند اختيار الحكومة المغربية الجديدة انتهج طريقة غير مسبوقة في اختيار وزرائه تقضي بترشيح ثلاث شخصيات لكل حقيبة وزارية عن طريق لجنة موسعة تضم54 عضوا. وضع المجلس الوطني( برلمان الحزب) خمسة شروط أعلنها قبل الاختيار لمن يتولي الوزارة باسم الحزب وهي النزاهة والاستقامة والكفاءة والفعالية والالتزام الحزبي, واقترح كل عضو من أعضاء اللجنة الموسعة ثلاث شخصيات لشغل المنصب الوزاري, ثم عرضت أسماء الخمسة الأوائل الحاصلين علي أكبر عدد من أصوات اللجنة علي الأمانة العامة للحزب واختار من بينهم ثلاثة, ثم اختار الأمين العام للحزب, وهو رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران,واحدا منهم لشغل المنصب الوزاري. الحزب لم يكتف بتلك الإصلاحات, بل كان هو الحزب الوحيد الذي رشح سيدة هي الدكتورة بسيمة حقاوي لتولي منصب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن, والواقع يقول إن تجربة العدالة والتنمية في المغرب تستحق الإشادة والدراسة, لأنها تعبر عن كيف يكون التوافق؟.