رغم طول أمد الأزمة في سوريا و تصور الكثيرين بأن أيام السوريين باتت تشبه بعضها من كثرة ما نشهد فيها من قتل و دمار و مداهمات للمنازل و غارات علي الأحياء و حديث للمسئولين من هنا و من هناك لا يسمن و لا يغني من جوع, إلا أن الأسبوع الماضي شهد تطورات علي مسرح الأحداث في سوريا وخارجها تنبيء بدخول الأزمة فصلا جديدا من التعقيد لا يدري أحد معه هل ثمة نهاية أم أن نزيف الدم السوري سيظل يسيل إلي أجل غير معلوم.. وعلي رأس هذه التطورات, ثمة حدثان لا يمكن لأي مراقب أن يمر عليهما مرور الكرام, وهما: الجلسة العاصفة التي شارك فيها07 من أعضاء المعارضة السورية بالقاهرة لبحث مبادرة الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني المعارض لحل الأزمة من ناحية, والأنباء التي تحدثت عن عزم الرئيس أوباما تسليح ثوار سوريا. فعلي مدي يومين اجتمعت المعارضة السورية في القاهرة لبحث مبادرة الشيخ معاذ الخطيب والتي نصت في طياتها علي إجراء حوار مع حكومة الأسد وربما اللجوء إلي الروس والأمريكيين أيضا, مما أغضب باقي أطراف المعارضة, اعتراضا منهم علي التحاور مع أي طرف لطخت يديه بالدماء السورية. وبناء عليه خرج المجتمعون بوثيقة تسعي إلي الوصول إلي اتفاق سلام شريطة ألا يكون الأسد طرفا في أي حوار.و يعلق عمر مشوح المعارض السوري علي هذه الأحداث قائلا إن المعارضة مستمرة في مسيرتها ومبادرة الشيخ معاذ محل التنفيذ بعد أن تم تأطيرها بالوثيقة النهائية. وأوضح أن استسلام المعارضة لأي خلافات داخلية وانشغالها بها عن الهدف الأساسي ما هو إلا خيانة للدماء السورية. وبالنظر إلي مسيرة المعارضة السورية وتحديدا منذ تأسيس كيان الائتلاف الوطني لقوي المعارضة السورية, فإن الخناق يضيق عليهم ليس بسبب الخلاف في وجهات النظر بينهم فحسب, و إنما أيضا بسبب طول المدي الزمني للأزمة, وتلاشي الآمال في الوصول إلي حل. فالآن و بعد مرور أكثر من001 يوم علي تأسيس الائتلاف, السوريون يطالبونه بكشف حساب عما قدم. ولعل السبب الأدعي وراء هذه الحالة من التعقيد هو التكتيم الاعلامي من جانب الشيخ معاذ الخطيب والذي أضر به أكثر مما نفعه. فقد كثر الحديث عن الدور القطري والسعودي في توجيه الرجل وإدارة الأزمة بدلا من وأن المال القطري هو الذي يحركه وأنه لا يفعل شيء سوي تنفيذ أجندة خليجية صرفة لا حيلة له فيها. وإذا كان الحديث عن تسليح الأمريكيين للمعارضة السورية جاء خارج سياق الأزمة الحالية, قد خال علي أحد أن الأمريكيين معنيون بنصرة ثورة شعبية ضد نظام فاسد. لكن, كما يقول عمر مشوح الناشط السياسي السوري وعضو الائتلاف المعارض, فإن تفكير الإدارة الأمريكية محاط بسوار كامل من المصالح الأمريكية الإسرائيلية, ولذلك فإن الحديث عن قرار التسليح في هذه المرحلة ما هو إلا استعراض إعلامي جاء نتيجة لصراعات داخل الإدارة الأمريكية نفسها. وإن كانت هناك نية صادقة لمد يد العون للمعارضة السورية- وفقا لمشوح- فلماذا لم تكن هناك مقدمات لذلك, نحن لا نتوقع أن يكون هناك أي صدي حقيقي علي الأرض لمثل هذه التصريحات. حتي وإن سلمنا بصدق النوايا الأمريكية في تسليح ثوار سوريا, فإن التناقض في الموقف الأمريكي سيظل يلاحقنا, حيث نشرت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية تقريرا في نفس الأسبوع كشفت فيه فيه عن أن اوباما رفض تسليح المعارضة السورية' حرصا علي أمن بلاده'.بل و الأكثر من ذلك أن رئيس أركان الجيش الأمريكي الجنرال ريموند أوديرنو قال في ندوة في معهد بروكلين لأبحاث في واشنطن: إن خطط التدخل في سوريا جاهزة, إلا أن الرئيس أوباما يريد حلا دبلوماسيا. ويعقب مشوح: بكل صراحة.. الجميع يبحث له عن مكان وعلاقة مع الثورة ولكن دون تعب وتضحيات.. وإنما مجرد كلام, إنهم يبحثون عن أذرعة لهم تمتد من الآن إلي ما بعد سقوط النظام ومرحلة البناء, ويضيف أن الموقف الغربي كله وبشكل عام ضعيف جدا وهزيل ولا يرقي لمستوي الثورة, وحتي هذه اللحظة هم يتحملون جزءا كبيرا من هذه الدماء التي تجري, لأنهم حتي الآن يتحدثون عن النظام مثله كمثل أي نظام آخر وكأن هذه الدماء لا تعنيهم. وبسؤاله أيضا عن الحديث الذي أثير مؤخرا حول قيام المخابرات الأمريكية بتقديم دعم للثوار قال مشوح: إن هناك تحركات أكيدة للسي آي ايه في محاولة التواصل مع مجموعات محددة فقط من أجل ضمان ولائها لأهداف خاصة بهم. أما تسليح الجيش الحر فهي أكبر أكذوبة في الثورة. وعندما نتحدث عن تسليح فنحن نقصد التسليح الذي يستطيع الجيش الحر بواسطته صد النظام ومواجهته. وإذا كانت هذه هي مواقف أبرز الأطراف الأساسية المحركة لمجريات الأمور في سوريا اليوم.. وإذا كانت هذه هي تحركاتها وأفعالها و ردود أفعالها, فإن سؤالا وحيدا يبقي بلا إجابة: متي تنتهي الأزمة؟وبسؤال المعارض السوري عمر مشوح عن توقعاته بشأن مدي الأزمة في سوريا, يقول: نحن نعتقد أنه لا حل في هذه الثورة إلا بإسقاط النظام تماما, وهذا لا يتم إلا باستمرار المقاومة المسلحة ضد عصابات الأسد, أما الحل السياسي فهو الحوار مع طرف ثالث لم تتلطخ يديه بدماء الشعب السوري من أجل انتقال السلطة. لكن استمرار حالة الثورة لاقي احباطات كثيرة في العالم العربي واتخذ مسارات بعيدة تماما عما قامت الثورة من أجله.. من أين يأتي السوريون بالأمل الذي يقاتلون به ؟ يجيب مشوح علي هذا السؤال قائلا إن السوريين لم يفقدوا الأمل للحظة وهم علي قناعة بأن سقوط الأسد سيغير خريطة الربيع العربي.