لقد أبدي الرأي العام المصري اهتماما كبيرا بتطور علاقات مصر بدول حوض نهر النيل, خاصة بعد ثورة 25 يناير المجيدة, وتابع ما أثير من قضايا المياه في حوض نهر النيل. خاصة بعدما استجد من بناء بعض دول الحوض لسدود في منابع نهر النيل قد تؤثر علي حصة مصر من مياه النيل ويتساءل الشارع المصري عن مصير تشكيل اللجنة الفنية المصرية السودانية الإثيوبية التي طالبت بتشكيلها حكومتا مصر والسودان لدراسة تقييم الأثر البيئي لبناء سد الألفية علي النيل الأزرق وتقديم مقترحات لتخفيف مثل تلك الآثار البيئية علي مصر والسودان في اطار من علاقات حسن الجوار والحوار الذي تبنته الحكومة المصرية بعد ثورة 25 يناير إيمانا منهم بأن ذلك قد يساعدنا في الحصول علي حقوقنا المائية المحكومة بعلاقات حسن الجوار وبالتالي ربما تحفظ العلاقات الحقوق المائية التاريخية لمصر في حوض نهر النيل ولكن لابد ان يكون الثمن مقبولا وليس بأي ثمن. ومازالت وزارة الري المصرية تنتظر ردا رسميا من شركائها الإثيوبيين لمقترح تشكيل اللجنة الفنية وبدء عملها ولكن الانتظار قد طال, مما جعلني أتساءل: ما هو الأجدي لنا أن نؤمن مصادر مياه بديلة أم نبقي علي علاقات جوار طيبة وسلمية بأي ثمن؟ وعندها أذكر وزارة الري المصرية بأن توفير مصادر مياه بديلة ليس بالسهولة وبالتالي فإن علاقات الجوار الطيبة قد تساعدنا في الحصول علي حقوقنا المائية, ولكن ليس بأي ثمن! فمثلا في حوض نهر الأردن أراد الأردن الاحتفاظ بعلاقة جوار مع إحدي الدول الطاغية في الحوض من أجل تأمين مصادر مياه وذلك بتوقيع اتفاقية أهدرت حقوق الأردن أكثر مما أكسبته والمثال الآخر الآن في حوض نهر النيل حيث نحاول حكوميا وشعبيا إرضاء أثيوبيا بشتي السبل إلا أن الإشارات القادمة من أثيوبيا تتجاهل المطالب المصرية بخصوص المشاركة في دراسة تقييم الأثر البيئي لبناء سد الألفية علي النيل الأزرق وتكوين رأي علي أساس علمي يخفف من الآثار السلبية للسد, حيث صرحوا بنيتهم الانتهاء من المرحلة الأولي للسد في أقرب فرصة. أذكر إخوتنا في إثيوبيا بأن الناس شركاء في ثلاثة, وأحد تلك الأشياء الماء, والشراكة لاتعني الخضوع وإنما المساواة في الأعباء والاستفادة, وهذا كفيل بالحفاظ علي كل سمات المساحة المائية للحوض النهري المشترك, بينما الاتفاقيات أحادية الجانب هي نوع من محاولة اخضاع سياسي وهيمنة وانكار لحقوق الغير بما فيها حقوق الطبيعة والجيران. ان اقامة مثل هذه السدود علي منابع النهر لها ارتباط بمصالح اطراف بعيدين جغرافيا عن الحوض النهري ولكن لهم مطامع قد تضر بمصالح دول المصب (مصر والسودان) وهو ما يخالف المعاهدات والاتفاقيات المنظمة لاستخدام مياه النيل قبل وبعد الاستقلال والتي تحظر إقامة أي مشروع علي فروع النيل وروافده إلا بموافقة مصر والسودان, يجب ان تكون القوة الطاغية لمصر والسودان في الحوض النهري بما تشكل من قوي متعددة محفزا لعدم التنازل عن الحقوق المائية وفي نفس الوقت منطلقا جيدا ومؤثرا إيجابيا لعلاقات حسن الجوار. يجب أن تأخذ الدراسة في الاعتبار عدم تأثير بناء السد علي دولتي المصب وكذلك البيئة الطبيعية والحيوية في محيط المشروع, ان بناء السد علي حافة الهضبة الإثيوبية كثيرة الشلالات محفوف بالمخاطر الجيولوجية العديدة, حيث تتعرض مصر والسودان الي مخاطر الفيضان والجفاف, فأخطر أنواع الفيضانات هو ذلك المصاحب لانهيار السدود, فحتي لو اتخذت الحكومة الاثيوبية الاحتياطات الانشائية شديدة التعقيد, فالمخاطر الجيولوجية قد تؤثر علي انهيار السد, كما أن انشاء مثل هذا السد الكبير حتي وإن كان بغرض توليد الكهرباء سوف يعرض دولتي المصب للجفاف وبخاصة مصر التي تعد الدولة الأكثر اعتمادا علي مياه النهر بين جميع دول الحوض, في أثناء فترة تخزين المياه خلف السد والتي تمتد لعشر سنوات, يجب مصارحة أثيوبيا بشكل عقلاني يعتمد علي القوانين الدولية والحقائق العلمية في سياق دراسات الأثر البيئي المتكاملة, يجب ان يكون عنوان الحقبة القادمة للتعاون بين مصر وجميع دول حوض نهر النيل المصارحة والشفافية علي أسس علمية, وعدم التهوين من مخاطر ما تفعله الحكومة الأثيوبية في منابع النهر مما يعد جريمة في حق المصريين وتفريطا في حقوق مصر التاريخية في مياه حوض نهر النيل, مع ضرورة تمسكنا بحسن الجوار والحوار لحل المشاكل بين مصر وجميع دول الحوض.