يا أخي كل يوم أفتح الصحيفة فلا أجد إلا وجع القلب.. الله يلعن الأقارب أينما كانوا! وسكت الرجل.. وكان لابد أن أسأله طبعا.. فليست عبارته هذه إلا مثل الدقات التقليدية علي المسرح وبعدها تنفتح ستائر الكلام.. ولكني فهمت ما الذي يريد أن يقوله فسكت أنا لحظات لعل ذلك يضاعف عذابه مرة أخري.. فعاد يكرر المعني بعبارة أفضل: يبدو أن الذي يبحث عن الحزن يجده وبأسرع مما يتصور, ما من يوم إلا وأجدني أمشي في جنازة أو أتلقي العزاء! فهو كثير الأقارب والأصدقاء أو شديد المجاملة للناس أيا كانت صلتهم به, ولذلك فهو حزين معظم الوقت ويحاول أن يبرر ذلك بأنه من الحكمة أن يمشي الإنسان في جنازة غيره ليتعظ وليعرف أن كل شيء إلي نهاية.. وأن هذه الحياة الدنيا فانية وأنه لا داع لأن يتمسك بها ويكفيه أن يعيش بلا متاعب فإذا مات كانت نهايته بلا عذاب.. وهو كلام يقال في مثل هذه المناسبات وينساه الناس عادة عند أول لقمة حلوة أو وجه جميل أو تهديد في لقمة عيش أو لمقعد يجلس عليه. وسألني: وما رأيك أنت؟ ولم يكن يريد رأيي ولكن يريد أن أوافقه علي رأيه ولكني وجدت حلا فذكرت له حادثة معروفة, قلت له إن المشرع الإغريقي سولون زار صديقا له وتحدثا في أشياء كثيرة.. ثم اتجه الي سولون ليقول له: ألم يكن يجدر بك أن تتزوج ويكون لك أولاد.. ثلاثة.. سبعة.. عشرة.. أنا أحب أن يكون لي عشرون من الأولاد! وسكت الصديق ثم قال: إن رجلا جاء من أثينا سوف يتناول الغداء معنا.. قال سولون: أريد أن أراه لأسأله عن حالة الناس هناك فأنا تركت أثينا منذ شهور.. وجاء الرجل علي الغداء.. وسأله سولون عن أخبار الدنيا فقال الرجل: انه سمع عن وفاة شاب وهو ابن رجل مشهور.. وسأله سولون: ما اسمه؟ لا أعرف.. وفي أي مكان يسكن؟عند أطراف المدينة.. هل اسمه باولوس؟ أظن.. هل تعرف أباه؟ يقولون: رجل مشهور جدا.. وحكيم جدا! وانهار سولون.. وتقدم منه الصديق يقول له: لا تحزن إن هذه مداعبة.. إنما أردت أن أقول لك إنه من أجل هذا لم أتزوج وليس عندي أولاد.. فالذي عنده الكثير يخاف أكثر ويحزن أعمق! ثم إن الناس والدنيا لا تساوي شيئا! [email protected] المزيد من أعمدة أنيس منصور