مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المصرية شددت ألمانيا بشكل غير مسبوق, من لهجتها في مخاطبة الحكومة المصرية ومن وراءها المجلس الأعلي للقوات المسلحة. فقد إزدادت الانتقادات الألمانية لأوضاع الأقباط وأسلوب التعامل مع الناشطين والمدونين ولا تخلو تصريحات أي مسؤل ألماني الآن من انتقادات لملف حقوق الإنسان والحريات في مصر, وهو أمر غير معهود من الدبلوماسية الألمانية الحذرة بطبيعتها. وتثير السياسة الألمانية تجاه مصر أخيرا إنطباعا بأن برلين بدأت في اتباع إستراتيجية مزدوجة مع القاهرة خلال المرحلة الانتقالية, فهي من ناحية تزيد من الضغط عليها ومن ناحية أخري تربط أي دعم للإقتصاد المصري بمدي التقدم الذي تحرزه مصر في مجال حقوق الإنسان وإطلاق الحريات وحماية الأقباط والالتزام بجدول زمني للتحول الديموقراطي. غير أن هناك في المانيا نفسها تحذيرات من خطورة هذه السياسة ذات الحدين. وأخيرا لفتت تصريحات السفير الألماني في القاهرة ميشائيل بوك الانتباه, حيث انتقد ربما للمرة الاولي أداء الحكومة المصرية التي تبرر عدم إتخاذها قرارات تدعم الإقتصاد المصري بأنها حكومة تسيير اعمال وطالب بوك المستثمرين المصريين أولا بالنهوض بإقتصاد بلادهم ودافع عن موقف بلاده مؤكدا أنها لاتتقاعس عن تقديم العون لمصر فنيا أو ماليا ولكن هناك قلقا لدي المستثمرين الألمان بسب الاوضاع الأمنية المتوترة وإحجام المصريين انفسهم عن الأستثمار. وإذا كانت مبررات بوك تبدو منطقية فقد أضافت تصريحات مفوض حقوق الإنسان في الحكومة الألمانية ماركوس لونينج بعدا سياسيا علي الموقف الألماني, حيث إنتقد مرارا إعتقال الناشط القبطي مايكل نبيل واصفا تلك الخطوة بالفضيحة وطالب بالإفراج عنه وعن كل المحتجزين من الناشطين بسبب تعبيرهم الحر عن رأيهم وطالب مصر رغم المرحلة الانتقالية باحترام حقوق الإنسان وإنهاء المحاكمات العسكرية للمدنيين والتمسك بطريق الديموقراطية. واتسعت الدائرة بتصريحات وزير الخارجية الألماني جيدو فسترفيله الذي حذر من تأجيل الانتخابات المصرية تحت اي ظرف وحذر من السماح لفلول النظام السابق والقوي المتبقية منه بتأجيل الانتخابات إلي ما لانهاية وطالب المجلس الأعلي بتحمل مسؤليته في تنظيم عملية نقل السلطة لحكومة منتخبة. ما من شك أن الحكومة الألمانية أولت اهتماما كبيرا لنجاح عملية التحول الديموقراطي في مصر و إجراء انتخابات برلمانية نزيهة ووضع دستور توافقي وإطلاق الحريات وذلك منذ الأيام الأولي لنجاح الثورة المصرية ولكنها تؤكد ايضا في كل مناسبة أنها ستدعم مصر من اجل تحقيق طفرة اقتصادية واجتماعية حقيقية حتي يشعر المواطنون بثمار الثورة وإلا فشلت في تحقيق أهدافها لا قدر الله غير ان الملاحظ حاليا أن هذا الدعم الاقتصادي الألماني أو الأوروبي أيا كان شكله يتم ربطه الآن بشكل مباشر بمدي التزام الحكومة المصرية بالإصلاحات الديموقراطية علي الطريقة الاوروبية. ويمكن الإشارة إلي جونتر نووكه مفوض المستشارة الألمانية لشئون إفريقيا ومجموعة الثماني فقد صرح منذ أيام بأنه من الأسهل ان نقنع دافع الضرائب الالماني بتخصيص هذه الأموال لمصر إذا حققت مصر تقدما في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان وكانت جهود الحكومة في هذين المجالين ملموسة وواضحة..' في المقابل هناك جهود ألمانية ملموسة وواضحة للغاية في مجال دعم منظمات المجتمع المدني المصرية ونشر الوعي السياسي بين الشباب منها علي سبيل المثال لا الحصر' موقع مصر تنتخب' الذي مولته وزارتا الخارجية الالمانية والكندية بنحو100 الف يورو بهدف دعم تشكيل الإرادة السياسية في مصر ومن خلال ما يسمي بالآلة الإنتخابية المصرية وبالتعاون مع ممثلي المجتمع المدني في مصر يمكن تعريف الناخبين المصريين بمواقف الاحزاب من القضايا المختلفة مثل نظام الحكم والمساواة بين الجنسين والحرية الدينية وتقارن الآلة إجابات الناخب بمواقف الاحزاب لتقدم له في النهاية نتيجة غير ملزمة بالحزب الذي يتوافق مع آرائه, وبعد الثورة مباشرة شكلت ألمانيا صناديق لدعم الديموقراطية والإقتصاد والتعليم في شمال إفريقيا خصصت لها في العام المقبل وحده50 مليون يورو وتركز المشروعات التي تشرف عليها أفرع المؤسسات التابعة للأحزاب السياسية الألمانية في مصر علي مجالات مثل تأهيل الصحفيين لضمان تغطية حرة ومحايدة للانتخابات وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان والديموقراطية ودعم صناع الافلام القصيرة لإنتاج افلام تثقف المصريين سياسيا قبل الانتخابات وهناك حافلات الحرية التي تطوف اقاليم ومحافظات مصر لتعريف المواطنين بالديموقراطية وحقوقهم السياسية, وكما سيسعي الجانب الألماني لتأكيد موضوعات حقوق الإنسان والأقباط والحريات ومراقبة الانتخابات وغيرها يتعين ايضا علي الحكومة المصرية ان تحصل علي إجابات من المانيا حول قضية الأموال المجمدة لأعضاء النظام السابق ومصير الدعم اللوجيستي لإعادة بناء مؤسسة الشرطة المصرية, وكيفية إسهام برلين سريعا في دعم غير مشروط للاقتصاد المصري. ويمكن الإشارة هنا إلي توصية مركز الدراسات السياسية والأمنية في برلين أخيرا للحكومة الألمانية بعدم المجازفة بتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر, وأكد المعهد أن مجالات التأثير الألماني علي التطورات الداخلية في مصر ستبقي محدودة, ولكن علي برلين أن تحول دون إنهيار الإقتصاد المصري لما يعنيه ذلك من طوفان من المهاجرين خاصة الشباب باتجاه أوروبا بالإضافة إلي انتشار التطرف الديني بين الشباب المحبط.