منذ أيام صدر بيان صحفي من وزارة الخارجية الألمانية تحت عنوان الحكومة الألمانية تدعم التحول الديمقراطي في مصر- افتتاح صالون التحرير في القاهرة. وهو منتدي في معهد جوته بالقاهرة خصصت له الوزارة ميزانية قدرها تسعون الف يورو, يتيح المجال للناشطين السياسيين واعضاء المنظمات غير الحكومية والجماعات الحقوقية والمدونين الذين ساهموا بشكل فعال في انطلاق عملية التحول الديمقراطي في مصر, للحوار والنقاش وطرح الرؤي حول مستقبل مصر, كما يقول البيان. وعلي الصعيد الاقتصادي أعقب إفتتاح المنتدي بيومين زيارة لرئيس اتحاد الصناعات الألماني هانس بيتر كايتل للقاهرة, كان الهدف منها استطلاعيا في الاساس, علي حد تعبير مصدر دبلوماسي مصري رفيع, حيث اكتفي كايتل في ختام زيارته بوعد غير ملزم بزيادة الإستثمارات الألمانية في مصر إذا ما توافرت الشروط لمناخ تنافسي وإستثماري حر. وتزامن افتتاح صالون التحرير وزيارة كايتل للقاهرة مع نقاشات موسعة تشهدها المانيا علي مختلف الاصعدة السياسية والإعلامية والبرلمانية حول كيفية التعامل مع ثورتي مصر وتونس, كان من بينها جلستا استماع في البوندستاج الألماني لخبراء أكاديميين وإعلاميين المان وعرب قدموا خلالهما توصياتهم للحكومة الألمانية في التعامل مع البلدين وغيرهما من الدول العربية التي قد تلحق بهما علي طريق التحول الديمقراطي. ولفت النظر في بعض النقاشات انتقادها للتركيز الألماني علي ممارسة تأثير ما علي القوي السياسية الصاعدة والقائمة في مصر علي حد سواء, وذلك من خلال أفرع المؤسسات التابعة للأحزاب السياسية الألمانية والتي تنشط بقوة في مصر الآن تحت شعارات دعم الديمقراطية, ونشر الوعي السياسي والمشاركة السياسية والمساهمة في بناء الأحزاب, خاصة أن تخصيص صندوق لتمويل نشاط هذه المؤسسات في مصر وتونس كان أحد أولي الخطوات التي اتخذتها الحكومة الألمانية. وبالتأكيد يعد صالون التحرير في معهد جوتة إحدي ادوات هذا التأثير. ويتمثل وجه الإنتقاد هنا في ان الدعم الاقتصادي أو الإجراءات الألمانية التي تتيح تحسنا ملموسا وسريعا للوضع الاقتصادي في مصر لا تأتي بنفس سرعة دعم عملية التحول السياسي حتي لو كان علي الطريقة الألمانية, فلا يزال علي سبيل المثال الطلب المصري بإلغاء ضريبة الطيران علي الرحلات السياحية قيد الدراسة برغم ما تسبب فيه من زيادة ملموسة في تكلفة الرحلات السياحية لمصر في وقت لا تزال السياحة الألمانية بعيدة كل البعد عن معدلاتها الطبيعية. كما أن المانيا تتبني موقفا رافضا لاستقبال الاتحاد الأوروبي للاجئين الليبيين والتونسيين بينما يشكل مئات الآلاف من اللاجئين عبئا كبيرا علي الاقتصاد المصري وتفتقد القاهرة هنا الدعم الألماني والأوروبي الكافي. و أمام الحكومة الألمانية حاليا العديد من المقترحات في التعامل مع مصر وتونس خلال المرحلة الانتقالية تقدمت بها شخصيات مؤثرة وذات ثقل كبير نشير إلي إثنين منهما, الأول هو فولكر بيرتس رئيس مؤسسة العلوم والسياسة البحثية الذي تحدث امام لجنة العلاقات الخارجية في البوندستاج, وطالب الحكومة الألمانية اولا بأن تتبع سياسة الفائدة المشتركة في التعامل مع البلدين بعيدا عن اي محاولة لفرض سياسات أو إملاءات أو تحقيق مكاسب علي حساب شعبي البلدين, بل يجب أن يحدد كل طرف مصالحه, وأن تراعي الصيغة الجديدة تحقيق مصالح الطرفين معا. وقال إن المانيا يمكنها الدفع داخل الاتحاد الأوروبي بطريقين أحدهما نحو تنفيذ خطة مارشال جديدة لدول شمال إفريقيا بما يعنيه ذلك من أموال ومساعدات وتمويل مشروعات تنموية ضخمة من خلال المؤسسات القائمة مثل اتحاد البحر المتوسط. والثاني هو إقامة شراكة جديدة تلعب فيها المساعدات المالية دورا مهما ولكنها تقوم علي الثقة والمنفعة المتبادلة وتبدأ باستغلال المليارات المجمدة للرؤساء وكبار المسئولين السابقين وتحفيز دول الخليج الغنية علي المشاركة في مشروعات مشتركة في شمال إفريقيا مع اتخاذ إجراءات غير مسبوقة بإزالة الحواجز علي الصادرات الزراعية لمصر وتونس بداية. إضافة إلي إبرام شراكة في مجال التعليم والتدريب المهني تستكمل بفتح ابواب الهجرة المؤقتة لخريجي الجامعات من مهندسين واطباء وغيرهم في المجال العلمي. وأوضح بيرتس أن الاتحاد الأوروبي يدرس بالفعل هذا الاقتراح الذي يتيح للخريجين المصريين التقدم بطلبات للتدريب في الشركات الأوروبية والتي سترحب بهم لما تعانيه من نقص في التخصصات العلمية والهندسية, وبدلا من أن يضطر الشباب إلي اللجوء للهجرةغير الشرعية يتم تقنين جزء منها لمصلحة الطرفين وبعد الانتهاء من التدريب تمنح للشباب المصري والتونسي قروض لبدء مشروعات في بلادهم بعد العودة إليها. أما إرنست بورجباخر مفوض الحكومة الألمانية لقطاع الأعمال المتوسط والسياحة والذي عاد منبهرا من استقبال المصريين له في ميدان التحرير ودعا الألمان للحذو حذوه وقضاء عطلاتهم القادمة في مصر مثله, فنصح حكومة المستشارة أنجيلا ميركل بأن تستغل المانيا المكانة التي تتمتع بها لدي المصريين وقصة نجاحها في إعادة توحيد شطريها لكي تكثف بشكل فعال وليس بالكلمات فقط من الاستثمارات الألمانية في مصر وخاصة في قطاع الشركات المتوسطة, وطالب بأن ترسل وزارة الاقتصاد الألمانية إلي مصر خبراءها الذين أشرفوا علي تحول اقتصاد المانياالشرقية إلي اقتصاد السوق واندماجه في إقتصاد المانياالغربية, موضحا أن الشركات المتوسطة تشكل عماد الإقتصاد الألماني وستمثل الأهمية نفسها للاقتصاد المصري. وأوصي بورجباخر بمساعدة مصر في اسرع وقت علي بناء هيئة قوية لمكافحة الاحتكار والفساد الاقتصادي. غير أنه سواء كان بيرتس أو بورجباخر أو غيرهما من الخبراء والسياسيين فإن هناك إتفاقا علي ضرورة ربط اي تعاون مشترك مع مصر وتونس في المستقبل بمدي التقدم الذي يحققه البلدان في مجال حقوق الإنسان ودولة القانون والتحول الديمقراطي, وهنا تكمن المشكلة. فرغم تسليم السياسيين الألمان والأوروبيين بعدم إمكانية نقل النموذج الديمقراطي الغربي حرفيا للدول العربية إلا أن هناك تصميما علي زرع قيم تعتبرها اوروبا خاصة بها في الديمقراطيات الناشئة في منطقة الجوار الأوروبية. وهو ما يتضح جليا في وثيقة حول الخطوط العريضة للسياسة الألمانية والاوروبية الجديدة في التعامل مع التحول الديمقراطي في العالم لعربي, تقدم بها حزبا الائتلاف الحالي في المانيا للبرلمان. وتضمن وضع خطة تفصيلية للإصلاحات السياسية التي ستقوم بها كل دولة ويتم مراجعتها سنويا وإلا تعرضت لفرض عقوبات عليها وإلغاء إمتيازات مالية أو تجارية.