في يناير عام1924 شهدت مصر أول انتخابات جماهيرية حرة ونزيهة في تاريخها, كانت تلك أول انتخابات لثورة1919 وأكتسحها حزب الوفد القديم. وفي مايو عام1957 شهدت مصر أول إنتخابات لنظام يوليو52. وتميزت بالتدخل الكثيف من الدولة لصالح مرشحين بذاتهم, وهي الصفة التي دمغت كل الانتخابات حتي عام.2010 تري كيف سيكون حال الانتخابات المقبلة؟. (1) في انتخابات عام1924 تم تقسيم البلاد إلي214 دائرة يفوز في كل منها مرشح واحد فقط, وجري حساب عدد الأعضاء في مجلس النواب علي أساس نائب لكل60 ألف مواطن, ومدة المجلس5 أعوام, وكانت كل الدلائل تشير إلي أن الوفد سيحقق نصرا ساحقا بسبب شخصية سعد زغلول وزعامته للأمة, ولم ينافس الوفد في هذه الانتخابات سوي عدد قليل من مرشحي حزبي الوطني القديم والأحرار الدستوريين والمستقلين, وهؤلاء كانوا يعتمدون في مناطقهم علي عصبياتهم العائلية. بالفعل فاز الوفد ب90% من مقاعد المجلس, حتي أن رئيس الوزراء وزير الداخلية يحيي إبراهيم باشا الذي أجرت حكومته الانتخابات سقط في دائرته بمنيا القمح أمام المرشح الشاب الوفدي في ذلك الوقت( والد المهندس سيد مرعي رئيس مجلس الشعب الأسبق). وللأسف كانت نزاهة هذه الانتخابات حالة نادرة في التاريخ المصري, فلم تتصف الإنتخابات طول الفترة من(19521919) إلا في عدد لا يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة بالنزاهة وهي المرات التي فاز فيها حزب الوفد, وبخلاف ذلك كانت كل الانتخابات الأخري تتصف بتزوير فاحش لصالح أحزاب الأقلية. (2) علي النقيض من انتخابات1924 تأتي أول إنتخابات لنظام يوليو52 والتي جرت في عام1957: يحكي الأستاذ موسي صبري, رئيس التحرير الأسبق لجريدة الأخبار, في كتابه50 عاما في قطار الصحافة أن جمال عبدالناصر أعلن عن انتخابات نيابية وقال إنها ستكون حرة100% وقرر موسي أن يدخل المعركة الانتخابية عن دائرة قصر النيل. وكان خصمه فيها الصاغ مجدي حسنين أحد الضباط الأحرار ورئيس مديرية التحرير التي استصلحت أرضا صحراوية وتكلفت مبالغ ضخمة. يقول موسي صبري نصحني مصطفي أمين ألا أقدم علي ذلك لكنني أصررت ويضيف: لعل أقوي لافتة انتخابية وقتها وكانت حديث الناس هي التي علقتها في شارع قصر النيل تحت لافتة لخصمي مجدي حسنين. كانت لافتته تقول انتخبوا مجدي حسنين مؤسس مديرية التحرير كتبت تحتها في لافتتي أقول انتخبوا موسي صبري الذي لم يؤسس مديرية التحرير. أبلغ مجدي حسنين الرئيس عبدالناصر أنني أصرف أموالا باذخة وأن السفارة الأمريكية تمول حملتي. وقدمت ما عندي من كشوف فاقتنع عبدالناصر بأن ذلك كذب, تجاوب الناس معي لسبب بسيط, أنني كنت أطوف الدائرة في سيارتي الصغيرة علي خلاف مجدي الذي كان يجوبها بأسطول من السيارات الحكومية. وكان أبرع وأحدث الأسلحة الانتخابية نشيد لعبدالحليم حافظ يقول موسي صبري إنتخبوه.. كاتب حر وبتحبوه.. إنتخبوه إنتخبوه من ألحان بليغ حمدي وعزف فرقة أحمد فؤاد حسن. ويمضي موسي في حكايته: تلقي عبدالناصر تقارير بأن موسي سوف يكتسح مجدي وذات صباح نشر عبدالحليم حافظ بيانا في كل الصحف يقول أنه غني هذا النشيد ولم يكن يعلم أن المنافس في الدائرة هو مجدي حسنين أحد الضباط الأحرار ثم قرر عبدالناصر إغلاق55 مقعدا نيابيا في الجمهورية علي المرشحين فيها من الضباط الأحرار بحيث ينجحون بالتزكية(وذلك من اجمالي عدد مقاعد مجلس الأمة البالغ350 مقعدا). هكذا إنتهت المعركة وأصبح مجدي حسنين ومن هم علي شاكلته أعضاء في البرلمان وتمت التضحية بحكاية الانتخابات الحرة100%. (3) من يتأمل التاريخ المصري يكتشف أننا مازلنا حتي اليوم لا نعرف الانتخابات الحرة النزيهة إلا علي سبيل الاستثناء, ولم نعرف قيام الحياة النيابية علي قاعدة أن البرلمان تمثيل حقيقي للشعب. فالأصل في مصر أن البرلمانات تعبر عن رغبات السلطة سواء كانت السلطة هي القصر الملكي أو القصر الجمهوري فلا فارق بينهما, فكلاهما كان يحرص علي تزوير الانتخابات وتزييف إرادة الشعب مما يجعل النواب لا يعبرون عن المواطنين. كذلك سوف نكتشف أننا مازلنا لانعرف معني الحكم الدستوري, فإرادة الملك أو رئيس الجمهورية هي القانون, ولديه من الصلاحيات الدستورية التي تمكنه من عمل أي شيء دون مساءلة. والأعجب أن حزب الأغلبية الشعبية في عهد الملوك( الوفد القديم) كان لا يأتي للحكم إلا بانتخابات حرة ونزيهة, أما في عهد يوليو فطوال60 سنة لم يكن حزب الأغلبية يأتي إلي السلطة إلا بالتزوير الفاضح والفادح. المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن