علي مدي العقدين السابقين(1990 2010) جري إهمال وتهميش للزراعة المصرية بشكل منتظم علي مستوي السياسات الاستثمارية والسعرية والمؤسسية, وذلك علي الرغم من أهميتها في الاقتصاد المصري. وتقوم الزراعة بتوفير أكثر من63% في المتوسط من احتياجات السكان المصريين من الغذاء باعتبارها المصدر الرئيسي لمعيشة المزارعين الذين يمثلون نحو72% من السكان في الريف أو40% من المواطنين المصريين. كما تقوم بتشغيل النصيب الأكبر من القوة العاملة علي مستوي القطاعات الاقتصادية اذ تبلغ القوي العاملة في الزراعة7 ملايين عامل يمثلون حوالي27% من اجمالي قوة العمل في مصر. ويساهم القطاع الزراعي ايضا بنحو15% من اجمالي الصادرات القومية عام2008 وهذه النسبة أيضا أقل مما كانت عليه في السابق, حيث بلغت30% في الثمانينيات. وقد اتجهت أنظار العالم مؤخرا الي اهمية الزراعة باعتبارها المدخل الرئيسي لمواجهة مشكلتي الفقر وانعدام الأمن الغذائي المتفاقمتين بفعل عوامل عدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي وهو ماظهر بوضوح في اعقاب الازمة العالمية للغذاء خلال الثلث الاول من عام.2008 وقد ادي الإهمال والتهميش للقطاع الزراعي في مصر الي تواضع أداء هذا القطاع مما تسبب في تزايد الفجوة الغذائية وتدهور الأمن الغذائي ومعدلات الفقر القومي وخاصة في القطاع الريفي. وقد تزامن مع أحداث ثورة25 يناير2011 بوادر دخول الصراع علي مياه النيل منعطفا خطيرا مع المراحل النهائية( لاتفاقية عنتيبي) ودخولها حيز التنفيذ, مما قد يفتح الباب واسعا للعصف بحقوق مصر التاريخية في مياه النيل ويعرضها لمخاطر هائلة في مجالي الغذاء والمياه معا. ولتظل الزراعة صاحبة الدور الحيوي كقاطرة للنمو والتخفيف من وطأة الفقر فإنها في حاجة إلي أن تنمو وهذا بدوره لا يتحقق بغير الاستثمار في الزراعة اذ يصل نصيب الزراعة المصرية من الاستثمار العام(3%) وتتسم هذه النسبة بالتواضع الشديد, سواء بالمقارنة لما تلعبه من دور اجتماعي واقتصادي مهم, أو بالمقارنة لأنصبة الزراعة في البلدان النامية الصاعدة(15%). والتساؤل الان هل ستكون ثورة يناير إشارة لبدء حقبة جديدة تنهي الإهمال الشديد المزدوج لقطاع الزراعة والفلاح المصري من جانب وقضية مياه النيل من جانب آخر؟ وعلي ذلك يقتضي الأمر مراجعة كافة السياسات الزراعية التي تم تبنيها في العقدين الماضيين وإطلاق حزمة جديدة من السياسات ترتفع إلي مستوي التحديات القائمة والمستقبلية في مجالي الغذاء والمياه. مؤشرات الأداء يقول الدكتور جمال صيام استاذ الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة جامعة القاهرة ان معدل النمو في الزراعة لم يتجاوز3.1% سنويا وهو من اقل معدلات النمو مقارنة بالقطاعات غير الزراعية, كما ان الزيادة في الناتج الزراعي لم تنعكس علي نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي حيث انخفضت هذه النسبة من نحو17.0% عام1996/95 إلي حوالي13.4% عام2009/2010 وهو ما يشير إلي التراجع المستمر للوزن النسبي للزراعة في الناتج المحلي الاجمالي. وفيما يتعلق بالمياه, وهي المورد الأشد ندرة في الزراعة المصرية والأكثر تحديدا للإنتاج الزراعي اذ تقدر انتاجية الوحدة من المياه في مصر بنحو6,1 دولار للمتر المكعب في2002( بأسعار2000) وتعد أقل من20% عن نظيرتها عالميا وتمثل70% للدول النامية ولا تتجاوز نسبة5,5% من نظيرتها للدول المتقدمة. ومن ناحية أخري, وعلي صعيد توزيع الدخول, أزدادت الفجوة اتساعا بين القطاعين الريفي والحضري اذ تمثل إنتاجية العامل الزراعي50% من انتاجية العامل غير الزراعي في عام2000, بينما انخفضت هذه النسبة إلي26% في عام.2008 ومن ناحية اخري فقد سجلت مؤشرات دراسات الاقتصاد الزراعي يضيف الدكتور صيام ان الإستثمار الزراعي في مصر يواجه عددا من المعوقات أهمها: تواضع الاستثمارات وقصور التمويل لتحديث الزراعة إذ يقدر نصيب الزراعة4.7% من إجمالي الاستثمارات الكلية في2008/07 وهو نصيب متواضع ولا يتجاوز نصيب الزراعة نحو2% من إجمالي التمويل المصرفي المصري رغم أهميتها للاقتصاد القومي.