«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دمشق‏..‏ أول مدينة مأهولة عرفها الإنسان علي وجه الأرض
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 11 - 2011

مدينة تفوح برائحة الياسمين وأريج أزهارها الطبيعية ذكية الرائحة‏,‏ ندية الغصن‏,‏ بهية في طلتها المميزة من فوق روابيها الشاهقة المسكونة بالمجد والفخار‏,‏ تخطف قلوب ووجوه المارة والجائلين في شوارعها وحاراتها القديمة وحتي بين أبنيتها الحديثة تبدو تلك الرائحة, وهي واحدة من تلك المدن التي تنعش النفوس المتعبة وتلامس شغاف القلوب, بل إنها تحرك الهوي وتوقظ الإحساس فيك- رغما عنك- فتتمايل دون أن تدري في خيلاء مع الناس وترقص علي حفيف أشجارها الوارفة بالظلال.. إنها دمشق الفيحاء حاضرة الشام وعاصمة الجمهورية العربية السورية.
ولما لاتبدو دمشق لزائريها هكذا وأكثر, فلها غوطة صاغها الله من جنته وجداول ماء نابعة من نهر بردي باعث الحياة في شرايين سكان المدينة الفيحاء التي يطلق عليها( الشام), ومن كوثره أيضا حباها الله بفواكه مختارة وطيور تغرد ليلا ونهارا في سماء صافية ملئها الخير والنماء رغم مايعتري وجه المدينة الآن من مظاهرات واعتصامات تنذر بولادة جديدة من خاصرة الأيام والسنين مصحوبة بأهازيج الحرية القادمة من ربيع الثورات العربية.
هي أنثي في لحظة توهجها تحمل علي كتفيها حقائب البكاء وتتزين بتنورة فضفاضة بتدرجات من الأسود ومرورا بالأحمر حتي نصاعة الأبيض الصافي الذي تتوسطه نجمتان خضراويتان- علمها الذي يعتلي الأبنية القديمة والحديثة في شموخ- يأزف الوقت الآن, إنه أوان القطاف, ولحظات الولادة من خاصرة الحرية, مصحوبة بصرخات صاخبة معلنة قدوم الموكب الإمبراطوري موكب المطر الدمشقي, مطر مخضب بالحرية في شتاء يختلف عن كل شتاء, ذرات تتسابق إلي الأرض في فوضي عجيبة ورغم أنها تختلط بدماء الشهداء فإنها تذكرك بأطفال في غمرة فرحهم صباح العيد.. عيد النصر.
ودمشق.. آه من دمشق( تاريخ يرتبط فيه التاريخ) فهي قديمة بقدم الإنسانية وعاصمة للكثير من الممالك والحضارات والامبراطوريات والدول عبر التاريخ وحاضرة قائمة منذ اقدم العصور, مرت بها وعرفتها كافة الحضارات التي قامت في الشرق وأهم الامبراطوريات في الغرب, وتعد مدينة دمشق عاصمة الجمهورية العربية السورية أقدم مدينة مأهولة في العالم ولاتزال حتي اليوم. وقد سكنها الإنسان منذ الألف الثانية قبل الميلاد, ومن ذلك الوقت ظلت مركز حياة مدنية مزدهرة.
ورد ذكر دمشق في رسائل تل العمارنة التي تعود إلي القرن الرابع عشر ق.م باسم دمشقا, والمرجح أن أصل التسمية آرامي وهو مشق تتقدمه دال النسبة ومعني العبارة الأرض المزهرة أو الحديقة الغناء, وذكرت تفسيرات عديدة لاسمها, لكن التفسير السابق هو أكثرها موضوعية. ويسميها البعض بأسماء أخري مثل جلق أو الشام وتلقب أيضا بالفيحاء( أي واسعة الدور والرياض) وغير ذلك من تسميات, ولعل من بين جميع هذه الأسماء أن كلمة( دامسكين) تعني الوردة الجورية وربما كان ذلك أجمل معني خليق بها.
سوق الحميدية
لا شك أن التاريخ مر هناك, حيث وضع آثاره وعبقه في كل بقعة من هذا المكان العريق الذي يسمي سوق الحميدية, ومن هنا نبدأ الرحلة حيث يعد من أشهر الأسواق بدمشق والمشرق العربي ومن أكثرها جمالا ورونقا, وقد وصفه المؤرخون بأنه فسيح رائع البناء ووصفوه بأنه مدينة تجارية صناعية في قلب دمشق القديمة ووصفه الباحثون بأنه درة الاسواق واجملها, وهو مغطي بالكامل بسقف حديدي مليء بالثقوب الصغيرة التي تنفذ منها الشمس اثناء النهار, ومبلط بالحجر البازلت الاسود, كما يعد ملتقي الزائرين والسياح من كافة بقاع الدنيا.
نحن الآن نخرج بخطي وئيدة من سوق الحميدية- الذي يندر ألا يكون مزدحما- وقد حانت صلاة العصر, فلتسمعوا معي آذان المسجد الأموي المميز الذي لايمكن أن تسمعه في أي مكان في العالم إلا هنا, آذان جماعي حيث ينتصب الجامع شامخا في آخر السوق العتيق, ويشتهر سوق الحميدية بتاريخه العريق, فزيارة المشرق لا تكتمل إلا بزيارة أشهر أسواقه التراثية, حيث تباع في ذاك السوق كافة البضائع من كل صنف ولون, وأهمها الصناعات التراثية مثل المصنوعات النحاسية والأرابيسك والمصدفات والأقمشة بكافة أنواعها الحريرية والقطنية والمطرزات والصناعات التراثية السورية وكافة أنواع الملابس الجاهزة وأدوات الزينة والأحذية والديباج والمفروشات والسجاد والذهب والتحف والهدايا والتراثيات, ويمتد سوق الحميدية وصولا إلي أحد فروعه المسمي سوق المسكية, وهو سوق للكتب والأدوات المدرسية, حتي يصل إلي أعمدة جوبيتير الدمشقي وهي بقايا لمعبد وثني بني أيام الاغريق, وبقيت منه أعمدته الرخامية المرمرية الجميلة, والمزينة بكؤوس مزخرفة من الرخام وبوابة أثرية, والذي يتصل بساحة يعتقد انها كانت فناء للمعبد المذكور, ليجد الزائر نفسه أمام البوابة الرئيسية للجامع الاموي الكبير.
ويحيط بالسوق عدد من الأبنية الاثرية والتاريخية, مثل قلعة دمشق الشهيرة التي يتقدمها تمثال البطل صلاح الدين الايوبي وضريحه الذي يقع بين السوق وبين حي العمارة التاريخي, وقبل أن نصل سويا سوق الحميدية إلي أعمدة جوبيتير دعنا ننحرف قليلا لنشاهد علي اليسار صرحا ثقافيا كبيرا لا يزال شاهدا علي كون دمشق الشام أهم حاضرة من حواضر الثقافه والعلم والمعرفة والصناعة والتجارة في الشرق, حيث المكتبة الظاهرية التي بناها الظاهر بيبرس إبان فترة حكمه لدمشق, فضلا عن جوامع ومساجد أثرية ومبان تاريخية هامة.
مركز المدينة
وسط المدينة أو مركزها يقع ضمن مثلث قائم الزاوية, ضلعه الأول شارع الثورة والثاني شارع شكري القوتلي, ووتره شارع المهدي بن بركة, أما إذا اتجهت غربا وتحديدا من بداية شارع الثورة قرب القلعة, فإنك سوف تجد نفسك أمام ساحة الشهداء تلك التي تغلي بأحداث الثورة الحالية- وسميت كذلك لأن فيها استشهد رواد اليقظة العربية شنقا علي يد السفاح جمال باشا, وكانت جزءا من المرج الأخضر ومن هنا يطلق عليها أيضا إسم المرجة, واسمها السابق قبل إعمارها, الجزيرة أو بين النهرين وذلك لأن بردي يتفرع عنه العقرباني فيشكلان جزيرة خضراء كانت مقصدا لسكان دمشق أيام الجمع والراحة, والآن هي مقصد آخر للثوار والباحثين عن الحرية.
وبمحاذاة نهر بردي وهو نهر قديم, ومعروف أن له سبعة فروع هي يزيد وثورا وبردي وبانياس وقنوات والمزة والديراني سوف تمر بين منطقة الشرف الأعلي الممتدة إلي الشمال وتواصل السير حتي بوابة الصالحية ساحة يوسف العظمة, أما في الشرق الأدني فستجد أمامك محطة الحجاز ومقابر الصوفية, التي أنشئ عليها مستشفي الجامعة في عصر ناظم باشا, ومن هذا المكان يمكنك أن تصل إلي التكية وهي منطقة القصر الأبلق الذي أنشأه الملك الظاهر بيبرس, ومن بعده المرج الأخضر أو ميدان إبن أتابك يعني نور الدين زنكي, ولقد أقيم عليه المتحف والمعرض, وفوقه المنيبع وهي محلة شهيرة من العصر المملوكي, أنشئت عليها الثكنة الحميدية. ويقابلها شمالا النيرب حيث يقام فندق مريديان ونادي الضباط ووزارة الدفاع السورية.
الجامع الأموي
لاتذكر دمشق غير مقرونة بالجامع الأموي أو جامع بني أمية الذي يعد أكمل وأقدم عمارة إسلامية مازالت محافظة علي أصولها منذ عصر منشئها الخليفة المصلح الوليد بن عبدالملك, وأقيم هذا المسجد الجامع بدمشق بشكل مؤقت, بعد فتح بلاد الشام, في الجهة الشرقية الجنوبية من أطلال المعبد الروماني الذي أنشئ في القرن الأول الميلادي, وأنشئ في جدار هذا المعبد أول محراب في الإسلام مازال قائما صلي فيه الصحابة مع خالد بن الوليد وأبي عبيدة الجراح, القائدان اللذان فتحا دمشق, الأول عنوة, والثاني صلحا, وأعطي خالد لسكان البلاد عصره بالحفاظ علي ممتلكاتهم ومعابدهم ومساكنهم, وفي عصر معاوية بن أبي سفيان, واليا ثم أول خليفة أموي, كان الذي يصلي في هذا المسجد المؤقت, يدخل إليه من الباب القبلي الروماني, ومايزال قائما في جدار القبلة, وكان معاوية قد أنشأ لنفسه قصر الخضراء المتاخم لهذا الجدار, كما أنشأ في المسجد مقصورة خاصة به, هي أول مقصورة في الإسلام.
ويبدو الجامع مهيمنا علي مدينة دمشق القديمة بهامته المتجلية بقبة النسر, وبمآذنه الثلاثة التي أقيمت في وقت لاحق فوق الصوامع الأموية التي كانت مجرد جسم دون منارة عليه, كما هو الأمر في الصوامع المغربية, والمئذنة الشمالية هي الأقدم ولقد أضيف إليها منارة في عصر صلاح الدين, ثم في عصر العثمانيين وفوق الصوامع أنشئت المئذنة الشرقية في عصر الأيوبيين ثم العثمانيين, والمئذنة الغربية أنشأها السلطان قايتباي, فضلا عن حرم المسجد المؤلف من قناطر متشابهة عددها24 قنطرة وأربعة محاريب مخصصة للمذاهب الأربعة. وفي أعلي جدار القبلة, تنفتح علي امتداده نوافذ ذات زجاج ملون. عددها44 نافذة مع ستة نوافذ في الوسط., ولقد زينت جدران الحرم بالفسيفساء والرخام, ومازالت أقسام كثيرة من الفسيفساء الأموي قائمة في الحرم من الشمال علي الرغم من النكبات الكثيرة التي أصابت المسجد.
وفي ركن الزاوية الشمالية القريبة من الجامع أقيم هذا المتحف عام1989, ويضم نفائس الجامع القديمة وبعض الأحجار والسجاد واللوحات الخطية الجميلة, مع مصابيح إنارة وقطع فسيفسائية وخزفية وزجاجية ونقود إسلامية وساعات وصفحات من المصاحف المخطوطة القديمة.
مقام السيدة
في كنف السيدة زينب وحول مقامها المهيب لابد أن تصيبك نفحات روحانية وفي ذات الوقت تعتبر منطقة( السيدة زينب) مركزا سياحيا هاما في سورية, إذ يؤمها سنويا مئات الألوف من الزوار والسياح, علي أطراف القسم الجنوبي الشرقي من دمشق وعلي بعد سبعة كيلومترات منها في سهل فسيح منبسط تقع منطقة( السيدة زينب) أو( قبر الست) ودعيت القرية قديما بقرية( راوية) حسبما جاء في كتاب( الاستيعاب) لابن عبد البر, وقد دعيت باسم( السيدة زينب) نسبة للسيدة زينب إبنة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهما, ويعتبر المسجد المبني حول مقام السيدة زينب من التحف المعمارية الرائعة والصروح الهندسية البديعة إذ يشكل لوحة خلابة في فضاء الفراغ الواسع حوله, ويتألف من باحة واسعة وله مدخلان مدخل غربي ومدخل شمالي يتصل الغربي منه بالسوق الكبير للبلدة, والمدخلان يوصلان إلي المقام فالحرم, وفي الطرف الشمالي والغربي للساحة غرف لمنام الزائرين, وهناك رواق كبير يحيط بهذه الغرف, أما الحرم فله باب مصفح بالنحاس المنقوش الأصفر, وأمام بابه ساحة واسعة يعلوها رواق مسنود علي دعائم من حجر البازلت, وفي الطرف الغربي مئذنة متوسطة الارتفاع مدورة, ويتم حاليا بناء مئذنة مماثلة.
والحرم مقام بالحجر والإسمنت المسلح وأرضه مفروشة بالرخام الإيطالي الأبيض, وهناك قبة تحتها ثماني دعائم كبيرة, أما الضريح فيقع تحت القبة ويسوره قفص ذو حلقات صغيرة الحجم وهو من الفضة الخالصة ومتقن بشكل مبدع, وقد صنع في مدينة كاراجي في الباكستان سنة1954, وفي داخل الضريح يقع الصندوق الخشبي المستعمل كغطاء فوق قبر السيدة وهو من الأبنوس الفخم المحزز وقد طعم بالعاج وخيوط الذهب ويعتبر قيمة فنية بحد ذاته, وقد وضع فوق القبر عام(1955) وهو مسور بسور من البللور.
دير صيدنايا
يحتل هذا الدير المركز الثاني في الأهمية بعد القدس الشريف من حيث كثرة الزوار للأماكن الدينية في الشرق وتزداد شهرته اتساعا بما تجترحه السيدة العذراء من العجائب نحو الجميع من أي دين كانوا. وأن الزائرين الذين يؤمونه من كل أقطار العالم و في كل مناسبة إنما يقصدون التبرك بزيارة شاغورة صيدنايا, والانحناء أمامها بالاحترام, طلبا لنعم العذراء الطاهرة.
وصيدنايا- كلمة سريانية الأصل سيدانايا ومعناها( سيدتنا) أو صيد دنايا معناها ايضا بنفس اللغة) أراضي أو أماكن للصيد, ويقع هذا البناء الفخم علي رابية عالية جميلة. تشرف علي قرية صيدنايا السورية, ويرجع عهد بناء هذا الدير إلي حوالي سنة547 بعد المسيح.
ويوجد في الدير أيقونة السيدة العذراء, وهي إحدي النسخ الأصلية للأيقونات الأربع التي رسمت بيد الرسول لوقا البشير وتلقب بالسريانية شاهورة أو شاغورة ومعناها المعروفة والذائعة الصيت وهي تحريف الكلمة العربية الشهيرة أو المشهورة كما يوجد فيه بضعة أيقونات فنية للعذراء أو غيرها يرجع عهد تاريخها للقرن الخامس والسادس والسابع بعد المسيح.
لقد وبقيت تلك الأيقونة المقدسة في الدير منذ ذلك الزمن إلي يومنا هذا موضع تكريم وإجلال لدي الجميع.
مدينة الصالحية
ليست الصالحية الحالية مجرد حي من أحياء دمشق المدينة العتيقة بل كانت مدينة مستقلة عن دمشق أطلق عليها القلقشندي اسم مدينة الصالحية, وهي منطقة أنشئت منذ عصر نور الدين بن زنكي1154 م بين نهري يزيد وتورا علي امتداد ألفي متر, كان لها جوامعها وأسواقها وحماماتها في ذلك العصر, وكان الفلسطينيون قد هاجروا سنة551ه/1156 م من القدس المحتلة من الصليبيين وكان من بينهم الشيخ أحمد بن قدامة المقدسي مع أسرة قدامة التي عرفت بالعلم والفقه حسب المذهب الحنبلي, واسم الصالحية جاء من اسمهم كعلماء صالحين, ثم شهدت الصالحية توسعا في عصر الأشرف موسي1237 م, وفي زمن باقي الملوك الأيوبيين الذين أنشأوا فيها المدارس والأضرحة, وكانت قبلة لرجال العلم والدين. وكان مشفي القيمري من أبرز المنشآت الأيوبية في الصالحية. وفي العصر المملوكي ابتدأت الصالحية بالامتداد نحو الغرب, ويشهد علي هذا ضريح كتبغا, وشجع هذا الامتداد علي ازدهار النشاط الحرفي والتجاري, كصناعة القاشاني والنسيج. وفي العصر العثماني, أنشئ جامع محي الدين بن عربي والسليمية وهما من أهم العمارات التي دعمت ازدهار الصالحية العمراني.
جبل قاسيون
لابد للمسافر إلي دمشق الفيحاء من رحلة إلي جبلها قاسيون أو ربوة الوادي التي قال فيها أمير الشعراء أحمد شوقي( وربوة الواد في جلباب راقصة النحر كاسية والخصر عريان), والربوة منطقة جميلة تشعر فيها بالبرودة المنعشة حين تسري في جوانحك عند ولوجك لها, وليس أجمل من فنجان الشاي أو القهوة في مطاعمها و مقاصفها الكثيرة التي تمنحك أحلي طلة من عل, تعالي معي وتوغل صعودا أكثر في جسد قاسيون, وتمضي بنا الطرقات متعرجة حينا و ملتفة حينا آخر حيث الأشجار تغطي أجزاء من جسد الجبل حتي نصل إلي مكان جميل يرتفع قليلا عما سواه تتوسطه قبة وما تلك القبة سوي مرصد فلكي من العهد الأموي و اسمها قبة السيار واحيطك علما بأنه لايمكنك الصعود لها إلا سيرا علي الاقدام, بعدها تقودك قدماك إلي طريق ذي درجات حجرية طبيعية قدتها عوامل التعرية وهو وعر جدا و شاق إسمه درب الآلام, يقولون أن سيدنا آدم عليه السلام مشي فيه عندما هبط من الجنة و أخذ يبحث عن أمنا حواء عليها السلام, ولا تنزعج كثيرا فهناك طريق آخر يقودك نزولا من الجبل أقل وعورة يقولون سلكته أم البشر لتلاقي سيدنا آدم ندما.
تعالي معي وألقي نظرة علي دمشق النائمة في حضن الجبل شرط ألا تكون من مرضي فوبيا المرتفعات-, وما أجمل هذا المشهد حيث تتلألأ هناك أضواء دمشق ومعالمها وشوارعها تبدو صغيرة صغيرة كأنك تشاهد ماكيت لمدينة تختفي مظاهر الحركة فيها ولاشك تبقي دمشق بطرقاتها ومنازلها وجوامعها وساحاتها وأموييها منظرا مهيبا جليلا, آه كم هي جميلة هذه العملاقة دمشق, كم مر عليها من عصور وعصور ناس.. حروب.. ازدهار.. سلام.. احتلال.. جلاء.. ولكنها بقيت محتفظة ببصمة روحها وإيقاعها الخالد.
منظر دمشق هنا من فوق جبل قاسيون يلجم كل الكلمات مهما فاضت من قاموس اللغة, ويبقي الصمت في حرم الجمال جمال إن الحروف تموت كما يقال, والجبل عبارة عن هضبة محدبة غير متناظرة تشكلت في حقبة الكريتاسي السينوماني. يقسمه وادي بردي إلي قسمين رئيسين, الأول ويدعي جبل عنتر وعليه أقيم قصر الشعب من تصميم المعمار العالمي كينزو تانغي, والثاني باسم قاسيون, ويقسم نهر يزيد سفحه المطل علي دمشق إلي قسمين, قسم أعلي صخري أجرد, خال من الخضرة لشدة انحداره. زرعت مديرية الزراعة في قسم منه أشجار الصنوبر في طرفه الشرقي عام1928, وزرعت أمانة العاصمة ولجنة مياه عين الفيجة قسمه الآخر عام1954, ومنذ سنوات توسعت بالتشجير في القسم الأكبر المطل علي مدينة دمشق. ظل هذا القسم خاليا من السكان حتي نهاية القرن الماضي, حيث أنشأ ناظم باشا في الجهة الغربية منه حيا للمهاجرين من جزيرة كريت عام1898 سمي حي المهاجرين, وأنشأ لنفسه قصرا, وفي أعلي قاسيون مغارة الأربعين, وسميت كذلك حسب أسطورة تقول أن رجلا رأي فيها أربعين رجلا يصلون, ثم خرج بحاجة وعندما عاد لم يجد منهم أحدا.
نصب الشهيد
واحد من أكثر الصروح الدمشقية التي ترتبط عمارتها بالفن الإسلامي, وقد أنشئ سنة1994 في مدينة دمشق, وهومؤلف من القبة والقوس وكلاهما أساس العمارة التقليدية. و تعبر القبة عن العناية السماوية التي تحنو علي الشهيد وترعاه أما القوس فهو رمز للنصر, ويتألف النصب من ثلاثة أقسام; القسم العلوي وفيه القوس بارتفاع37.20 وعرض قاعدته37.60 م والقبة بارتفاع20 م وقطرها40 م. وتحتها فتحة بالقطر ذاته, تطل علي فناء حوله قاعة المتحف من جهة وقاعة الاستقبال من جهة أخري, وتحتهما القسم الثالث ويحوي قاعة الديوراما, وفيها خمس لوحات ضخمة مع مجسمات تمثل المواقع التاريخية الأكثر أهمية في تاريخ سورية. وهي, موقعة اليرموك التي قادها خالد بن الوليد فاتحا دمشق سنة636 م. ومعركة حطين التي قادها صلاح الدين الأيوبي سنة1187 م, محررا القدس من الصليبيين, ومعركة ميسلون التي قادها يوسف العظمة لمقاومة دخول الفرنسيين دمشق عام1920 م. معركة جبل الشيخ التي استولي فيها الجيش السوري علي موقع الإسرائيليين المنيع في جبل حرمون الشيخ سنة.1973 ومعركة السلطان يعقوب في لبنان لتحريره من الاحتلال الإسرائيلي. وتبلغ مساحة الصرح مع حدائقه126000 م.
بانوراما حرب تشرين
في سياق تلك الرحلة المحببة إلي القلب لابد من أن نعرج علي بانوراما حرب تشرين التي تشبه في بنائها بانوراما حرب أكتوبر بالقاهرة. وتضم لوحة أبعادها125 م14 تمثل المعركة التي تمت في تشرين أول1973 في منطقة القنيطرة بين الجيش السوري والإسرائيليين, ويتكون البناء من كتلة أسطوانية ارتفاعها28.16 وقطرها41.04 م تحوي اللوحة المثبتة علي الجدار الداخلي الدائري, وفي الوسط منصة متحركة قطرها14.5 م يجلس عليها الزائرون لمتابعة المشهد البانورامي عن المعركة ممثلا باللوحة كخلفية, أما في المقدمة فهناك مجسمات ونسخ وبقايا المعركة علي الأرض إيحاء بواقعية المشهد. وإلي طرفي البناء الأساسي الدائري جناحان بعرض25 م وارتفاع10 م يضم الأول بانوراما عن معركة جبل الشيخ. وفي الثانية عن حياة وإنجازات الرئيس الراحل حافظ الأسد, ويكسو البناء الدائري تشكيلات معمارية مستمدة من عمارة الحصون والقلاع يتوجها في الأعلي جواشن دفاعية, ويغطي البناء قبة بطحاء يعلوها برج حجري ومعدني, وتبلغ مساحة البناء2248 م2 علي أرض مساحتها60000 م2, وتبقي في النهاية تحفة هندسية غاية في الإبداع والإتقان الذي صممه ونفذه فنانون كوريون.
وفي قلب دمشق العديد من الأحياء العريقة والتاريخية القديمة والأحياء الحديثة. أهم أحياء دمشق هي: دمشق القديمة وتضم العديد من الأحياء القديمة التي تتواجد داخل أسوار المدينة القديمة بمبانيها وشوارعها وحاراتها وكنائسها وجوامعها ومدارسها التاريخية وقلعتها وأسواقها الشهيرة, وكلها معالم ستظل ساحرة تخطف قلب زائريها كلما جرفهم الشوق والحنين لمعرفة أسرار وخبايا دمشق الفيحاء التي تشهد الآن ولادة جديدة من خاصرة الحرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.