كلما التقيت مسئولا اقتصاديا عربيا وسألته: ماذا عن العرب والجريمة البيضاء؟! انتفض قائلا: ما لنا نحن العرب وتلك الجريمة والنتيجة أن ظل العرب ينكرون حدوث الجريمة البيضاء علي أرضهم. حتي اكتوت الشعوب العربية بنارها وعانت منها, حيث أعلن البنك وصندوق النقد الدوليان اخيرا صعوبة استعادة الأموال المهربة والمنهوبة من شعوبها من جراء الحكم الفاسد للحكام الفاسدين الذين تفجرت ضدهم ثورات الربيع العربي خاصة في مصر وتونس وليبيا. والجريمة البيضاء المقصود بها عمليات تبييض الأموال السوداء القذرة الناتجة عن النشاطات غير المشروعة والمجرمة قانونا ومن بينها: الرشوة وتجارة المخدرات والفساد واختلاس وتهريب الأموال العامة والتربح من الوظائف العامة والقيادية والإرهاب والتهرب من الضرائب وعمولات الخصخصة وصفقات السلاح والإتجار في السلع الفاسدة والتزوير والحصول علي القروض وتهريبها إلي الخارج. ويتم تبييض هذه الأموال القذرة التي تبلغ علي المستوي العربي 750 مليار دولار عن طريق غسلها بإيداعها في حسابات وهمية وسرية تامة وادخالها بعد ذلك في دائرة من التحويلات بين البنوك وفروعها المختلفة فيختفي معها مصدرها الأصلي وتنقطع الصلة بينها وبين الأنشطة المجرمة قانونا, لتصبح بعد ذلك أموالا مشروعة بيضاء يصعب علي السلطات المعنية اثبات عدم مشروعيتها. وقد تتخذ هذه الجريمة أشكالا جديدة منها: شراء التحف النادرة الباهظة الثمن واقتناء السيارات الفارهة الغريبة والمعارض والمحال التي يتم تغيير ديكوراتها بدون داع وتملك القصور النادرة والانفاق بسفه علي الحفلات وتمويل الحملات الانتخابية الحزبية. والمطلوب الآن التصدي لتلك الجريمة ومكافحتها بطريقة عربية جماعية لمنع تأثيراتها السلبية في تكريس الفساد والارهاب والفقر والبطالة والإخلال بالأمن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي العربي. المزيد من أعمدة فرحات حسام الدين