عضو مجلس المحامين بجنوب الجيزة يثبت الإضراب أمام محكمة أكتوبر (صور)    جامعة عين شمس ورئيس "الهيئة القومية" يشهدان إطلاق مبادرة "بداية" لضمان جودة التعليم    منح 36 مؤسسة تعليمية ب قنا شهادة الاعتماد    رئيس جامعة العريش يكرم الطلاب المشاركين في الكشافة البحرية    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    دمياط تحيي ذكرى انتصارها التاريخي بوضع الزهور على نصب الجندي المجهول    تحصين 191 ألف رأس ماشية ضد الحمى القلاعية والوادي المتصدع بالدقهلية    وزير الإسكان يتفقد أعمال تطوير الطرق ضمن مشروع "التجلى الأعظم فوق أرض السلام"    مطار مرسى مطروح الدولي يستقبل أولى رحلات الشارتر من التشيك    رئيس الوزراء يتفقد مركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة بالغربية    معهد بحوث البترول وجامعة قاصدى مرباح الجزائرية يوقعان اتفاقية تعاون مشترك    البورصة: تراجع رصيد شهادات الإيداع لمدينة مصر للإسكان إلى 541 مليون شهادة    الموالح المصرية الأولى عالميًا بفضل الجهود الحكومية    الملك سلمان يصدر أوامر بإعفاء أمراء من مناصبهم وتعيين شخصيات جديدة    أكسيوس: أمريكا وإسرائيل تحاولان إقناع الأمم المتحدة بالتعاون مع مؤسسة غزة الخيرية الجديدة    تصاعد دخان أسود من الفاتيكان في اليوم الثاني لمجمع الكرادلة المغلق |فيديو    الهلال السعودي يرصد 160 مليون يورو لضم ثنائي ليفربول    الكرملين: الحوار بين روسيا والولايات المتحدة مستمر    عضو بالنواب: مصر تتحرك بثبات ومسؤولية لرفع المعاناة عن الفلسطينيين    أشرف صبحي يفتتح حمام سباحة نصف أولمبي وملعبا خماسيا بمركز شباب مدينة ناصر    كرة يد - الاتحاد يكرم باستور علي هامش مواجهة مصر الودية ضد البرازيل    وزير الشباب والرياضة ومحافظ بني سويف يتفقدان مركز التنمية الشبابية    كيف يفكر الزمالك في تدعيم الدفاع.. مصدر يوضح    فوز ناشئى اليد على التشيك وديا للمرة الثانية    ضبط شخص يروع العاملين بمستشفى بأسوان    إتاحة 6 مراكز للمراجعات المجانية لطلاب الشهادة الإعدادية بإدارة أطسا التعليمية    مش هَنسَلّم    القبض على المتهم بخطف ابنه بعد ظهوره فى فيديو كاميرات المراقبة بالوراق    انخفاض عمليات البحث على "جوجل" عبر متصفح سفارى لأول مرة لهذا السبب    بغرض السرقة.. الإعدام شنقًا للمتهمين بقتل شاب في قنا    الحقيقة الغائبة في طلاق بوسي شلبي من محمود عبد العزيز.. فنانون يؤكدون استمرار الزواج حتى وفاته.. وورثة الساحر: لدينا مستندات ونحترم القضاء    محافظ الفيوم يتابع أنشطة فرع الثقافة في أبريل    خالد يوسف: خالد صالح أكتر فنان ارتحت في الشغل معاه    وزير الثقافة يترأس اجتماع لجنة دراسة التأثيرات الاجتماعية للدراما المصرية والإعلام    3 أبراج تحب بكل قلبها.. لكنها تجد أقل مما تستحق    ترى حفرة محاطة بالأشجار أم عين؟.. لغز يكشف مخاوفك من الحياة    حالة الطقس غدا الجمعة 9-5-2025 في محافظة الفيوم    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    مستشار رئيس الجمهورية للشئون الصحية: تخصيص مليار جنيه للجينيوم المصرى    أطعمة فائقة التصنيع مرتبطة بزيادة الإصابة بباركنسون    تكثيف جهود البحث عن فتاة متغيبة منذ يومين في القليوبية    الصفا الثانوية بنات يتفوق على كل أفلام علي ربيع في السينما (بالأرقام)    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    أسقف المنيا للخارجية الأمريكية: الرئيس السيسي يرعى حرية العبادة (صور)    وزير الصحة يستقبل نقيب التمريض لبحث تطوير التدريب المهني وتعميم الأدلة الاسترشادية    "دور الذكاء الاصطناعي في تطوير عمليات الأرشفة والمكتبات".. ورشة عمل بالأرشيف والمكتبة الوطنية    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    أمين الفتوى يكشف عن 3 حالات لا يجوز فيها الزواج: ظلم وحرام شرعًا    جامعة عين شمس تضع 10 إجراءات لضمان سير امتحانات الفصل الدراسي الثاني بنجاح    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب بهيش داخل أرض فضاء بالصف.. صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 8-5-2025 في محافظة قنا    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    الكرملين: محادثات بوتين وشي جين بينج في موسكو ستكون مطولة ومتعددة الصيغ    انخفاض سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 4810 جنيهاً    بروشتة نبوية.. كيف نتخلص من العصبية؟.. أمين الفتوى يوضح    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تمارين البكاء
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 03 - 2010

كان اللقاء الأول بينهما‏,‏ كان يبحث عن شمس الحياة ليطرد الليل من داخله‏.‏ هكذا كنت علي مشارف اللقاء‏.‏ شحوب في وجهي‏.‏ نظرة شادرة في عيني‏.‏ رعشة في يدي‏.‏ اقوي ماكان في‏:‏ ضعفي‏.‏ صدق من قال‏:‏ لاتعط الأمل موعدا إنه يعرف متي يزورك‏.‏ بدأ التلاقي بحذر من جانبه‏,‏ ودهشة من ناحيتها‏.‏ اختارت ان يلتقيا في مكان عام‏.‏ وهو وافق علي اختيارها‏.‏ ولم يشأ ان يري نفسه وهو يبدأ بالخلاف في علاقة علق عليها الكثير‏.‏ بعد ان سرق الزمان منه عمره‏.‏ صحا ذات صباح ليجد ان الخمسين اصبحت وراءه‏.‏ وبدأ الركض نحو حفرة الستين‏.‏ التي لايخرج احد منها سليما‏.‏ عندما كان في الطريق للقاء الأول‏.‏ هاجمته عبارة فان جوخ‏:‏ بعد سن الخمسين يبدأ الانسان رحلة العودة‏.‏ يشعر كل صباح بموت جزء منه‏.‏ وعند مشارف النهاية يكون قد مات‏.‏ قال لنفسه‏:‏ كلما رسمت جديدا أموت قليلا‏.‏
أما هي فقد خمن أنها ثلاثينية‏.‏ حدق فيها بذهول‏.‏ هشت بيدها أمام وجهه‏.‏ قالت‏:‏
الرجال يمتدحون جمالي‏.‏ يحتارون من أين يتدفق‏.‏
قال لها‏:‏
جمالك يعلو فوق كل مديح‏.‏ ويتأبي عن أي مقارنة‏.‏
سأل نفسه‏:‏ كيف نبت نور فجرها في سواد ليلي؟ ولولا أنه يدرك أن أسوأ ما يفعله رجل في أول لقاء مع فاتنة لا حد لجمالها‏.‏ أن يسألها عن عمرها لفعل‏.‏ لكنها كانت تسير بتمهل بين الخامسة والعشرين والثلاثين‏.‏ أي أن عمرها نصف عمره‏.‏ أنت قصة حب ساعة عمري الخامسة والعشرين‏.‏ ماذا تقصد؟ الساعة التي تأتي بعد النهاية بساعة‏.‏ استفهمت من جديد‏.‏ فقال في نفسه إنه أمام كائن بيتي‏.‏ علي الارجح تفتقر الي التجارب‏,‏ كما يبدو مظهرها وطبيعة ملمسها أنها مرفهة‏.‏ لم تجر وراء الاتوبيس ولم تنحشر في الميكروباص‏.‏ ربما لم تشر لتاكسي في الشارع لتستقله‏.‏ هاله جمالها‏.‏ حاول ان ينحي عن عقله العبارة القديمة‏.‏ كلما ازداد جمال المرأة خف عقلها‏.‏ ومن جديد لم يشأ أن يكون متسرعا في أحكامه‏.‏ لم يكن عنده ما يخفيه‏.‏ فكل ما في حياته معروف‏.‏ يحيا في فضيحة معلنة‏.‏ فكثيرا ما كان يدفع ضرائب الشهرة‏.‏ أما هي فقد بدأت ترد علي اسئلته‏.‏ دونما استعداد للتطوع بأن تقدم له ما لم يطلبه منها‏.‏ تبدو متحفظة‏.‏
عندما كان يراها قبل هذا الصباح الذي جلس معها فيه‏.‏ كان يتصورها إنسانة مغسولة من الهموم والاوجاع‏.‏ كانت ضعيفة الذاكرة لما تريد ان تنساه‏.‏ هكذا خيل له علي البعد‏.‏ كنا نبدو في بعدنا كالصحراء والماء‏.‏ ومع ذلك ما أسرع اقترابنا‏.‏ خاف أن يقول لها إنه تعلم منها أن الزمن اختراع من صنعنا نحن فتتهمه بالتزيد في المجاملات‏.‏
رأي خاتم الزواج في إصبعها‏.‏ فلم يسألها السؤال التقليدي‏.‏ وترد هي بالاشارة إليه وتديره حول إصبعها دلالة علي دخولها سجن الزوجية الذهبي‏.‏ ولكن سؤاله كان عن الزوج‏.‏
قالت كلمة واحدة‏:‏
بحار‏.‏
ليست الشواطئ هي التي تبتعد لكن المراكب هي التي تسافر‏,‏ كانت لكلماتها ظلالا جعلته شغوفا للاحاطة بهذه المرأة‏.‏
رد‏:‏
يتزوج في كل ميناء امرأة‏.‏
قالت‏:‏
ربما‏,‏ فالرجل كالمغارات التي لانعرف لها نهايات‏.‏
ولماذا قبلت الزواج منه؟
احسست أنني ربما اعرفه منذ فترة طويلة‏.‏ وأني ربما أحبه ذات يوم‏.‏ فله عينان حانيتان‏.‏
أكملت‏:‏
لايعتنيني هذا الامر الآن‏,‏ كنت تمنيت أن أصبح أول اهتماماته‏.‏
تساءلت
يسافر صيفا ليعود في الصيف الذي بعده‏.‏
ردت عليه كأنها قرأت افكاره‏.‏ كان الزفاف في الشهر الماضي‏.‏ وسافر‏,‏ وان كانت لم تجرب بعد الغياب‏.‏ من هو زوجها؟ رجل يستأذن سعادته ليدخل في هناء ليقترب من سرور ثم يتعب من حبور‏.‏ ولكنه اختار مهنة تجعله عندما يمشي يجرجر الموت في رجليه‏.‏
فكر إن رسمها ورسم نفسه كيف تكون اللوحة؟ كنت اريد رسم الشمس‏.‏ أما هي فقد كانت تبحث عن ضوء القمر‏.‏ لاتناقض‏.‏ طريقنا واحد‏.‏ طريق البحث عن المجهول‏.‏
أخشي أن تهرب مني كالشمس حتي وإن عادت كالأمل‏.‏
كانت تعيش بمفردها قبل الزواج‏.‏ وعادت الي نفس الوحدة التي لم تكن غريبة عليها بعد سفره‏.‏ أما الآتي فلا تريد ان تعرف عنه أي شئ‏.‏
قال لنفسه بحارا فليكن‏.‏ أمده خياله‏.‏ بمزيد من المسكنات‏.‏ كلانا كان مرتبطا مع انها لم تسألني عن زوجتي فعرفنا كيف نحافظ علي ما بقي من حريتنا‏.‏
قال لها‏:‏
اعرف بحارا سافر وزوجته حامل وعاد وابنه في التعليم الثانوي‏.‏
ارتفع حاجباها من الدهشة‏.‏ وإن كانت لم تعلق ولم تبد عليها الرغبة في التسكع مع هذا النوع مع الكلام‏.‏
بدأ يدندن‏.‏ ولكن لنفسه‏.‏ الجميل اني قد قابلتك‏.‏
ثم اردف‏:‏
لا رده الله من سفر‏.‏ يموت غريقا وعلي قلبه حجر‏.‏
لم تفزع‏.‏ ولم تصرخ‏.‏ ولم تغضب‏.‏ فقط قالت‏:‏
ولكن الخطر الحقيقي عليه سيكون من أسماك البحار البعيدة‏.‏
سألها بلهفة‏:‏
أية اسماك تعنين؟
ردت عليه بهدوء باسم‏:‏
القرش أو الحوت أو مايقابلهما من البشر‏.‏
استدرك وهو يغالب خيبة أمل طارئة‏:‏
ولكن سيدنا يونس قضي وقتا جميلا في بطن الحوت‏.‏ قبل أن ينجو‏.‏
قال لها‏:‏ الفارق بيننا انك تبحثين عمن يحقق احلامك‏.‏ أما أنا فأبحث فقط عمن تكون بطلة احلامي‏.‏ أنا أنتظر الحب وانت ينتظرك الحب‏.‏ مهما كثرت الفوارق بيننا فسوف اختصر المسافات‏.‏ لان بحار الأمل لن تجف ابدا‏.‏ فقد وجدت المثال الذي طالما بحثت عنه‏.‏
قالت لنفسها‏:‏
لايزال لايعرفني‏,‏ من الذي وضع هذا المجنون في طريقي؟
همست‏:‏
ساعة ويذهب كل واحد لحال سبيله لكنه مبادر‏.‏ رجل قادر علي وضع أي امرأة في حالة إحاطة مستمرة‏.‏ حتي بعد ان تتركه سيطاردها رجع صدي كلماته الكثيرة‏.‏ الكلام علي لسانه مثل النار تشعل آخر كلمة أول الكلمة التي وراءها‏.‏
أما هو فقد ادرك مدي تعاسته‏.‏ فسعادته المعلنة عند تخوم الافق لن تتحقق إلا بعد اختفاء إنسان آخر يعرفه أو لايعرفه أو ربما تعرف عليه في قادم الايام‏.‏ لأول مرة يري موت إنسان‏,‏ لا يحتفظ في ذاكرته بصورة له‏.‏ بداية حياته التي جاءته في لحظة النهاية‏.‏ احتار ماذا يسميها‏:‏ بداية النهاية أم نهاية البداية؟ هل تناسي أن يقول لها عن نفسه إنني أمتلك هذه الموهبة المدمرة‏:‏ ان اقول الصدق حتي وإن بدوت قاسيا؟
وهكذا أصبح حاله بعد اللقاء‏,‏ يناجيها عندما يصمت‏.‏ ويهاتفها عندما يتكلم‏.‏ ويناديها وسط زحام الشوارع‏.‏ عندما يصبح انتظاري لك هو انتظارك لي‏.‏ سنكون قد وضعنا اقدامنا علي أول طريق قد ينتهي بنا من جحيم الواقع الي جنة الحب‏.‏
ليس مهما الوقت الي ذهب ولاماتبقي منه‏.‏ ولكن ماذا نصنع بما تبقي‏.‏ كنت أراك في احلامي‏,‏ أسألك‏:‏ الست أنا الذي تبحثين عنه؟ تقولين‏:‏ بل انت الذي تبحث عني‏.‏
أصبح أملي خطا في الأفق ولكنه لم يعد سرابا‏.‏ أملي أن اكتشف هذا الافق‏,‏ أن ألمس ألوان قوس قزح التي لونت سمائي‏,‏ من هي؟
قال الليل‏:‏
انت الزائرة المتأخرة في حياتي‏.‏
قال الفجر‏:‏
ولماذا لا أكون الفجر الذي يسبق منامك؟
وقلت أنا‏:‏
لماذا تخاتلني تمارين للبكاء؟

المزيد من مقالات يوسف القعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.