كنا ونحن طلبة بالجامعة نتردد علي معرض القاهرة الدولي للكتاب بحثا عن كتب الأديب أنيس منصور, وما إن نجد جناحا يعرض كتبه حتي نهرول إليه لنجد طوفانا من أمواج متلاطمة من الشباب حوله, ورغم الزحام الشديد كنا نزداد إصرارا علي الوصول إلي الكتب مهما كانت المشقة, لنحصل علي ما تيسر من كنوزه رغم أن كتبه كانت باهظة الثمن نسبيا, إلا أننا كنا نرفع شعار من خطب الحسناء لم يغلها المهرا. فكانت مائدة أنيس منصور عامرة دائما بكل ما نحب ونشتهي من الكتب التي تثير الذهن وتؤجج الفكر وتروي ظمآنا لكل ما هو غريب ومدهش, فكانت كتبه علي رأس أكثر الكتب مبيعا وأكثر فئة تقبل عليه هي فئة الشباب الجامعي وكان الإقبال خرافيا علي كتب مثل حول العالم في002 يوم, ولعنة الفراعنة والذين هبطو ا من السماء, والذين صعدوا إلي السماء, وأرواح وأشباح كان هذا منذ ما يزيد علي ربع قرن. واهتم أنيس منصور كما لم يهتم غيره من الأدباء بالأحداث المثيرة المدهشة التي لا تتكرر كثيرا والتي تقف عصية علي التفسير مثل كتبه التي تناولت آثارا تدل علي كائنات جاءت الي الأرض ثم عادت الي السماء أو الي المجهول, وكائنات اخري كانت علي الارض وصعدت الي السماء تثبتها النقوش علي جدران معابد في بقاع متفرقة في الكرة الأرضية وتناوله للعنة الفراعنة وأسرار الأرواح والأشباح, لتظل كتبه ملهمة للأجيال المتعاقبة قديما وحديثا حتي إن كل من قرأ له كتابا مرارا وتكرارا لا يشعر أنه قرأه من قبل.. بل تتضاعف لديه نشوة القراءة ويزداد شغفا وتتكاثر لديه علامات الاستفهام المثيرة للجدل والفكر والتي لم تجد إجابة حتي الآن, وربما لن تجد أبدا, وهذا سر من أسرار جاذبية كتبه وسحرها. ويجذبك اسلوبه المشوق فيجعلك ملتصقا بخيوط الكتابة تكتم أنفاسك خوفا من الشوشرة علي الصوت الرقيق المتدفق عبر السطور, فما أن تبدأ في قراءة كتاب له حتي تظل متعلقا به حتي تنهيه عن آخره. رحم الله كاتبنا وملهمنا أنيس منصور الذي فارقنا بجسده ولم تفارقنا روحه التي تتجلي في كتبه التي لن تزداد عبر الزمن إلا تألقا وتوهجا فربما كان رحيله عنا بجسده موعدا لمولد جديد لا يولده إلا العظماء عبر التاريخ الذين لا يعدون من الموتي. بل هم الأحياء وسائر الناس هم الموتي.