مساء العمالة! قالها أحد المصريين لصديقه وهو يلقي ب زهر الطاولة في أحد مقاهي واشنطن. فرد عليه بالعبارة المصرية المعدلة: انت من العملاء كانت السخرية واضحة في حوارهما, لكنها كانت تخفي ايضا احساسا بالمرارة من اللغة السخيفة التي تسود الحديث العام الآن في مصر بشأن مؤتمر مصرالثورة الذي ينظمه مجموعة من المصريين الشرفاء لتقديم المساندة والدعم لوطنهم الأم في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخها. لم يكن أي من هؤلاء المنظمين ينتظر كلمة شكرا من أحد نظير تقديم الجهد والمال لتنظيم أهم حدث للمصريين في الولاياتالمتحدة علي الاطلاق, فهم كمصريين يشعرون أنه لا شكر علي واجب, وان حياتهم ونجاحهم في أمريكا ينبغي ألا ينسيهم مسئولياتهم تجاه مصر التي تحتاج إلي تكاتف كل الجهود للمرور من عنق الزجاجة الحالي إلا أن آخر ما كانوا يتوقعونه هو أن يتهموا في وطنيتهم وأن يصبح مؤتمرهم تدخلا أمريكيا في الشئون المصرية, يطالب المشاركون فيه بالاستغفار والتوبة والامتناع. كل هذا يتم باسم الوطنية والدفاع عن استقلال مصر, وكأن لقاءهم بالمصريين في الولاياتالمتحدة خيانة عظمي. المدهش أن أغلب من أصدروا الأحكام وصاروا يلوحون بسيوفهم الخشبية في مواجهة طواحين الهواء لم يكلفوا أنفسهم عناء السؤال والتعرف علي الحقيقة قبل أن ينطلقوا في حملات الهجوم والتشويه, كما شارك معهم بعض الشخصيات الصحفية والإعلامية برغم أن مهمتهم الأولي هي تقصي الحقائق وتوضيحها للناس, لكننا في مرحلة غريبة يعتقد فيها البعض أنهم بصراخهم واتهامهم الآخرين في وطنيتهم فإنهم بذلك يؤكدون وطنيتهم أو ربما يلفتون الانظار بذلك عن صفقاتهم الخفية أو العلنية مع النظام السابق بما كانت تمثله من انتهازية, قبلت بمشروع التوريث والتخلي عن كل القيم الوطنية نظير مناصب أو مكاسب شخصية. إنني هنا لا يمكنني أن أكرر خطأ الآخرين وأتهمهم في وطنيتهم وانتمائهم لكنني فقط أود الإشارة إلي أن بعض حاملي صكوك الوطنية الآن كثيرا ما تعرضوا لاتهامات مشابهة. فالدكتور سعد الكتاتني الأمين العام لحزب الحرية والعدالة يري أن المؤتمر يمثل تدخلا أمريكيا في الشئون المصرية, لافتا إلي أن المؤتمر وجه الدعوة ايضا إلي عدد من المسئولين الأمريكيين وهو أمر طبيعي لا يعني بالضرورة أنهم سيحضرون أو أنهم سيلتقون بالسياسيين القادمين من مصر, كما أن اللقاء في ذاته علي فرض حدوثه يمكن أن يكون مفيدا لشرح الأوضاع في مصر واحتياجاتها في المرحلة الحالية. المفارقة هنا أن الدكتور الكتاتني كثيرا ما التقي هؤلاء المسئولين بصفته البرلمانية, واتهمته أبواق النظام السابق في وطنيته, لكن ذلك لم يردعه عن استخدام نفس الأساليب البالية. موقف مشابه اتخذه الدكتور محمد سليم العوا تجاه ما وصفته وكالة أنباء الشرق الأوسط ب دعوة أمريكا بعض مرشحي الرئاسة لإجراء مناظرات في واشنطن, وهكذا أصبحت أمريكا هي التي تدعو, فيما وصفه أحد الكتاب بأنه كشف هيئة أمريكاني لمرشحي الرئاسة. وهكذا فإن قيام بعض المصريين في الولاياتالمتحدة بتوجيه الدعوة تحول إلي دعوة أمريكية وخلقوا بذلك معركة وهمية كانوا فرسانها المناضلين. إن كل المسئولين والسياسيين الإسرائيليين يأتون إلي أمريكا ويلتقون الجالية اليهودية ويحضرون مؤتمرات اللوبي اليهودي ممثلا في منظمة إيباك في وجود العشرات من المسئولين الأمريكيين وأعضاء الكونجرس, ويفخرون بأن ذلك تعبير عن قوتهم ونفوذهم وليس عمالتهم أو تدخل واشنطن في شئون إسرائيل! هذا هو النظام الأمريكي لمن أراد أن يفهم وأن يعمل للدفاع عن قضيته. والمصريون هنا لهم دور مهم لكنه يظل فرديا في مساندة مصر ماديا وعلميا. وعندما قامت الثورة رأيت المصريين يجمعون أكثر من مليون وستمائة ألف دولار في ثلاث حفلات فقط. ليتم تحويلها إلي مصر, وقام الكثيرون بالعودة للمشاركة في الثورة أو علاج المصابين. فعلوا ذلك بوازع وطني وبدون دعاية أو انتظار ثمن. لكن جهودهم ظلت تفتقد التنسيق والتنظيم لتحقق الأثر المطلوب. لذلك اتجهوا إلي تشكيل تجمعات ومنظمات بدأت تنمو تدريجيا, وكان المأمول أن يكون هذا المؤتمر نقطة انطلاق نحو هذا الهدف. لكن بدلا من المساندة جاءت الاتهامات والادعاءات الكاذبة والمواقف العنترية الساذجة. إنني أعرف جيدا من يقومون علي تنظيم هذا المؤتمر, وأثق تماما في وطنيتهم وتوجهاتهم, وإلا ما كنت قبلت بمشاركتهم في تحمل مسئولية تنظيمه, والدكتور عادل كبيش رئيس المؤتمر لم ينتظر الثورة لادعاء بطولة زائفة. فقد خاطر قبل نهاية العام الماضي بمشروع اطلاق قناة فضائية تواجه مشروع التوريث وتملأ الفراغ الذي تركته حملة النظام السابق لكبت الحريات. وكثيرا ما دار بيننا حديث حول اساليب النظام القذرة المتوقعة في مواجهة القائمين عليها لكنه كان مستعدا للمخاطرة من أجل قضية وطنية يؤمن بها, وقامت الثورة قبل اطلاق القناة وتصورنا جميعا أن الدنيا تغيرت وأن العقبات التي وضعها الرئيس المخلوع لمشاركة المصريين في الخارج قد أزيلت لكننا فوجئنا بتكرار حكاية العبد الذي جاءه من أطلق سراحه وقال له: شبيك لبيك ماذا تريد؟ فرد بدون تردد: أريد عبدا! هذا الموقف لا يمكن فصله عن النظرة الأشمل تجاه المصريين في الخارج ودورهم وحقوقهم. فقد هللنا جميعا لحصول الدكتور أحمد زويل علي جائزة نوبل, وتمسح الكثيرون في هذا الإنجاز باعتباره مصريا, وتم اطلاق اسمه علي بعض الشوارع والميادين وأخيرا علي مدينة للبحث العلمي لكن ما أن طرح اسمه كمرشح للرئاسة حتي تم تعديل الدستور لحرمانه من هذا الحق بحجة أنه أمريكي. فالمصري في الخارج مطلوب منه ألا ينسي أصله وأن يؤدي واجبه نحو وطنه الأم, لكنها في الأغلب واجبات بدون حقوق. فما أن يطلب أيا من حقوقه مثل الترشح في الانتخابات أو حتي مجرد التصويت فيها إلا وترتفع الاصوات بالتنديد والاتهام والتشكيك والخاسر في النهاية هو.. مصر.