ينقسم الألمان حاليا حول مقولة للشاعر والصحفي الألماني الشهير هاينريش هاينه الذي عاش في القرن19 بأن المانيا لا تقوم فيها إنتفاضات شعبية.فمع وصول حركة الإحتجاج العالمية ضد الرأسمالية وهيمنة البنوك والأسواق المالية إلي المدن الألمانية, يري اكثر من ثمانين في المائة من الالمان وفقا لإستطلاعات الرأي أن هذه الإحتجاجات الشعبية سوف تستمر وأنها مرشحة لجذب قطاعات عريضة من الطبقة المتوسطة في المانيا من مختلف الأعمار وليس الشباب فقط وأن تتصاعد موجات الغضب والإحتجاج إذا ما تفاقمت الأزمة المالية وفشلت الحكومة الألمانية في تحقيق التوازن بين مطالب المواطنين بتحقيق المساواة والعدل الإجتماعي وبين إلتزاماتها لإنقاذ الدول الأوروبية المتعثرة في منطقة اليورو, في المقابل هناك أقلية المانية تري أن حركة الإحتجاجات هذه ظاهرة مؤقتة وإنعكاس لتأثر الشباب في المانيا بنظرائهم في العالم العربي وفي امريكا من ناشطي حركة إحتلوا وول ستريت, وأن شبكات التواصل الإجتماعي ساهمت في تكثيف هذا التأثير وبجانب هؤلاء يوجد من يري أن هذه الاحتجاجات تفتقد الي بعد النظر وتخطئ في تحميل المصارف مسؤولية الازمة الحالية التي يجب أن تسأل عنها الحكومة الإئتلافية في برلين, غير أن المؤكد هو أن الشعور العام لدي الألمان بالإستياء والسخط علي تدهور اوضاعهم الإجتماعية والإقتصادية يتزايد, فهناك بوادر أزمة مالية جديدة قد تعصف بمنطقة اليورو وهناك توقعات بركود إقتصادي في المانيا في العام المقبل إضافة إلي الأرقام التي تشير إلي أن10% من الألمان يملكون أكثر من ثلثي الثروة في البلاد في حين ترشد الحكومة الإنفاق في شبكة الضمان الإجتماعي ويتم تقليص الخدمات المجانية والدعم المقدم للعاطلين, بل أن البلاد شهدت نقاشات هزلية بين السياسيين والمسؤلين إستغرقت أسابيع حول زيادة مساعدات العاطلين بما قيمته5 يورو فقط للفرد, ما أثار إستياء واسعا بين المواطنين. لذا فإن حركة الإحتجاجات التي تشهدها المانيا حاليا وإن كانت تتركز في فرانكفورت وهامبورج وبرلين وتصب جام غضبها علي المصارف والبنوك, إنما هي في الحقيقة إمتداد للإحتجاجات الشعبية الواسعة التي شهدتها المانيا خلال الأعوام الأخيرة ضد سياسات الحكومة مثل فرض رسوم علي الدراسة بالجامعات بعد أن كانت مجانية وضد مشروعات يرفضها السكان مثل مليونيات شتوتجارت ضد بناء محطة قطار تحت الأرض, وهي تعبير عن شعورمتزايد يتسلل للالمان منذ فترة بالخوف من فقدان ما حققوه من رفاهية بسبب خروجهم من عزلتهم وتحملهم مسؤليتهم الأوروبية والعالمية وبالتالي تأثرهم بمشكلاته وأزماته, وايضا شعورهم بأن الأحزاب السياسية الموجودة علي الساحة لم تعد تعبر عن مصالحهم بالشكل الكافي ومن الواضح أن السياسيين والمسئولين في المانيا يشعرون بالقلق من الإحتجاجات الحالية ضد البنوك في المانيا رغم ان المشاركين فيها لا يتعدون بضعة آلاف, فهم يتخوفون من إتساع نطاقها وأن تتحول إلي جزء من حركة عالمية من الغضب قد تطيح بالحكومات وتؤثر جذريا علي النظام الديمقراطي في المانيا والغرب عموما.. لذا فاجأ المسؤلون الألمان الرسميون المواطنين بتعاطفهم بل وتأييدهم للإحتجاجات من أول المستشارة أنجيلا ميركل ووزير المالية فولفجانج شويبلة الذي قال أن الحكومة تتعامل مع الإحتجاجات بجدية وطالب بالتصدي لنفوذ الاسواق المالية وتأثيرها في القوانين والتشريعات حتي يمكن إستعادة ثقة المواطنين مرة اخري وحتي لا تتحول الأزمة المالية إلي ازمة ديموقراطية. اما أحزاب المعارضة فقد تخطت التأييد وحثت, كرئيس الحزب الأشتراكي الديموقراطي- المتظاهرين بالإستمرار في الإحتجاجات. بل أن زيجمار جابريل حث المحتجين بالمشاركة في مسيرات إسبوعية كل إثنين امام افرع البنوك الكبري والبورصة حتي تطلق سراح الديموقراطية, ويثمر ضغط الشارع علي الحكومة فتفرض قيودا علي السلطات الواسعة التي تتمتع بها المؤسسات المالية والمصارف.وطالب السياسي البارز بالفصل بين نشاط البنوك الإستثمارية والبنوك التي تدير معاملات المواطنين المالية بل وتأميم البنوك الإستثمارية إذا لزم الأمر.. وأيد جابريل في مطالبه قطاع عريض من السياسيين الألمان من مختلف الاحزاب الذين سرعان ما إنضموا للهجوم علي المصارف والنظام الرأسمالي في محاولة لإمتصاص غضب المواطنين وتحويله إلي المصارف والبنك المركزي الاوروبي والمؤسسات المالية ووكالات التصنيف الإئتماني.