كتب ومراجع, موسوعات ومعاجم ناشرون ومؤلفون, متخصصون ومحاضرون وباحثون ومثقفون, نقاشات ومحاورات ندوات ومحاضرات, قضايا وآراء, اتفاق واختلاف, هكذا بدت اجواء معرض الجزائر الدولي للكتاب. الذي اختتم مؤخرا في دورته السادسة عشرة بحضور دولي وعربي ومصري مميز حيث استضاف المعرض521 ناشرا من بينهم145 ناشرا جزائريا و376 اجنبيا بينهم ما يقرب من90 ناشرا مصريا ومشاركة اكثر من32 دولة علي مساحة جغرافية فاقت20 الف متر مربع, وامكانات مادية وتقنية واعلامية عالية الجودة وبمشاركة لبنان ضيف شرف هذا العام بينما كانت سويسرا العام الماضي. تحت عنوان( الكتاب يحرر) افتتحت خليدة تومي وزيرة الثقافة الجزائرية فاعليات المعرض لتعلن بدار( عرس الكتاب) ان هذه التظاهرة اصبحت متجذرة في أجندة الجزائر الثقافية وتقليدا تتقاسمه كل الفئات المهتمة بهذا المنتج الثقافي. تومي أكدت ان هذه التظاهرة اصبحت نافذة مفتوحة علي الادب ولم تعد فقط مناسبة كبيرة لاكتشاف مستجدات النشر علي المستوي المحلي والاقليمي والدولي, وإنما هي ايضا فضاء حميمي للتدافق والتمازج والتآخي وتبادل المعارف والمعلومات بين مختلف الاجيال. معرض الجزائر الدولي للكتاب- الذي يسمي علي الطريقة الفرنسية ب( الصالون)- شكل حدثا ثقافيا منفردا بامتياز لتوفيقه المتزامن مع دخول المدارس وكذا لغياب اي حدث ثقافي ذي ثقل في العاصمة بعد ان برمجت جميع الفعاليات تحت مظلة( تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية), لتسترجع العاصمة الجزائر بعضا من بريقها مما جعل المعرض يشهد تدفقا جماهيريا هائلا تحت خيمته البيضاء المصنوعة من القماش السميك, وفي ساحاته المفتوحة المحيطة بالمعرض وحسب أرقام لجنته العليا إلا أنه مقارنة بدورة2009 عرفت الدورة الخامسة عشرة اقبالا مرتفعا وصل إلي ما يقرب من مليون و200 الف زائر بينما بلغت أرقام هذه الدورة زيادة200 الف زائر علي الدورة السابقة. (سيلا) الذي يعود للمرة السادسة عشرة شهد حضورا مصريا مميزا قارب90 ناشرا من مختلف الاتجاهات والتيارات, مما دعا وزيرة الثقافة الجزائرية للمطالبة بتفعيل وتجويد التعاون المشترك بين بلادها ومصر في ميدان نشر الكتاب والتأليف. زائر المعرض يلاحظ بوضوح من خلال رؤي الناشرين طبيعة التأثير الذي احدثته الثورات العربية علي مستوي عالم الكتب صناعة وترويجا, وايضا من خلال الاقبال الجماهيري علي الكتب التي تتحدث عن الاوضاع العربية الراهنة, يهيمن الكتاب الديني بشكل لافت علي المعرض مع حضور مكثف للمذكرات التاريخية وكتب التراث التي حققت مبيعات قياسية وحسب مصادر مطلعة بالمعرض فان كتب الفكر الاسلامي حظيت باهتمام كبير من مرتادي المعرض خاصة مؤلفات سيد قطب ويوسف القرضاوي وعبدالرحمن الشرقاوي وعبدالوهاب المسيري الذي حظيت موسوعته حول الصهيونية باهتمام خاص وجاءت مذكرات( تحية عبدالناصر) في المقدمة والتي تتحدث فيها عن حياتها مع الزعيم جمال عبدالناصر وحملت عنوان( ذكريات معه) وايضا من الكتب التي لاقت رواجا كتاب( الانتحاري ال20 لاوجود له ابدا) للطيار الجزائري السابق لطفي رايس الذي اتهمته الاجهزة الامنية الامريكية بالاشراف علي تدريب الطيارين ويعيش في لندن, وقد أكد ان سيناريو فيلم مرتقب يروي قصته سيقتبس من كتابه. اللافت للانتباه ان الكثيرين من زوار المعرض تهافتوا علي الكتب السياسية والمذكرات التي لها علاقة بالراهن السياسي الجزائري لعل أبرزها كتاب( رابع لونيس)( رؤساء الجزائر في ميزان التاريخ). ومذكرات العقيد الطاهر الزبيري رئيس اركان القوات المسلحة الجزائرية في عهد الرئيس هواري بومدين ومذكرات الدبلوماسي والصحفي محمد الميلي( ذكريات زمن البراءة) وايضا كتاب عبدالناصر جابي المتخصص في علم الاجتماع الذي يغوص في اصول المسئولين والوزراء وطريقة وصولهم إلي الحكم والذي لاقي اقبالا كبيرا وانتقادات عديدة. السلطات الجزائرية اعلنت انها منعت ما يقرب من400 كتاب قبل انطلاق المعرض( بسبب تعارض مضامينها مع الاخلاق والقانون ومبادئ المجتمع الدولي, وهذا ما كشفت عنه خليدة تومي حيث أكدت ان الرقابة تمت علي اساس القوانين الجزائرية ومست الكتب التي تناهض الثورة وتبجل الاستعمار وتدعو إلي العنصرية وتعتدي علي الرسل وتشجع علي الارهاب, مضيفة ان دولة القانون لاتعني غياب القانون لان المنع لم يطبق حسب مزاج وزير أو مسئول أو شخص. وهذا ما أكده اسماعيل مزيان مدير المعرض الذي قال: ان هناك لجنة قراءة وطنية مختصة مشكلة من وزارات الدفاع والثقافة والشئون الدينية كانت مكلفة بمراقبة الكتب التي تدخل المعرض مع الاخذ بعين الاعتبار عدم معارضتها للقيم الدينية والوطنية. وقد ألقي موضوع( الثورات العربية وانعكاساتها) بظلاله علي مجريات الدورة السادسة عشرة للمعرض, حيث كانت هناك نقاشات ومحاضرات منصبة علي أحداث الساعة المرتبطة بالربيع العربي علي غرار الربيع العربي في الروايات العربية وربيع الشعوب العربية والتي شارك فيه العديد من الكتاب والباحثين. وموازة مع المعرض تم تنظيم ندوة اكاديمية دولية بالمكتبة الوطنية تم خلالها مناقشة اشكالية( العالم العربي في غليان انتفاضات ام ثورات) وقد تم إلقاء ما يقرب من30 محاضرة في هذه الثورة كان ابرز المحاضرين الاخضر الابراهيمي وزير الخارجية الجزائرية الاسبق, ود. عمرو الشوبكي الباحث الاكاديمي والعديد من الخبراء والمحاضرين. هكذا اسدل الستار عن واحد من أهم معارض الكتب العربية وفضاء اخر من فضاءات الثقافة والتعايش والتواصل حمل عنوان( الكتاب يحرر) من الامية من الجهل من الاحكام المسبقة, من الملل, من الوحدة.