خارج السياق لم يكن إعلان فلاديمير بوتين وديمتري ميدفيديف عن تبادلهما منصبي رئاسة الدولة والحكومة الروسية في مارس2012 أمرا مفاجئا ولكنه كان خارج السياق في الوقت الذي تستعد فيه الصين لتسليم القيادة إلي جيل جديد في الحزب الشيوعي. وتبدو فيه نظم الرجل الواحد في حالة تراجع في منطقة الشرق الأوسط, وفي ذلك دلالة قوية علي أن التغيير في روسيا لن يسلك طريق التطور المتدرج الطبيعي ولكن نمط التقلب الثوري المفاجئ ولو بعد عقود. ليس هناك شك في أن بوتين سيفوز بالرئاسة للمرة الثالثة والرابعة, ولكنه سيظل حبيس نظام الرجل الواحد بإيجابياته وسلبياته. فقد فشل وزمرته في تشكيل نظام مؤسسي يضمن لهم شرعية البقاء سواء كانت شرعية دينية مثل القياصرة, أو شرعية أيديولوجية حزبية شيوعية, وهوما يضعه علي الجانب الخاطئ سواء تعلق الأمر بالتاريخ الروسي أو بالاتجاه الدولي. هذا النظام لا يحقق الاستقرار إلا من خلال فرض الخوف والإذلال وهو النهج الذي اتبعه من خلال نمط إدارة الدولة للديمقراطية أي خلق أحزاب وهمية, وتشديد الرقابة علي الحريات والصحافة, وتشجيع الرأسمالية الطفيلية والمحسوبية, وتراخي قبضة القانون, وتخندق الفساد, وتسلط الجهاز الأمني علي الممارسة السياسية. الخطر علي استمرار هذا النهج لن يأتي من الخارج. فالشركات الغربية لا تري غضاضة في التعامل مع نظم الرجل الواحد غير الشفافة, ولا من السياسيين الغربيين الذين يرضخون للتعامل مع رجل موسكو القوي حول امدادات الطاقة ووضبط التسلح والحد من الانتشار النووي والتعامل مع إيران وقضايا الشرق الأوسط, واحتواء الأزمات في العراق وأفغانستان وكوريا الشمالية. الخطر الحقيقي يأتي من الداخل. فنجاح بوتين اعتمد علي مستوي مرتفع من أسعار البترول لتحقيق انتعاش داخلي لم يعد مضمونا استمراره, وعدم القدرة علي الوفاء بتطلعات الطبقة المتوسطة سيضعه في مأزق, وطموحات الاصلاح الشفهية التي اطلقها ميدفيديف ستظل مثل إناء بخار يغلي تحت السطح. الأمر أيضا يتعلق بطريقة إعداد صفقة تبادل المناصب. المشكلة ليست في الصيغة التآمرية العادية في روسيا ولكن في حالة الاستقطاب الحاد الذي خلقته داخل النخبة التي كان بعض أعضائها يتطلعون لتولي رئاسة الوزارة مثل الكسندر كودرين وزير المالية الذي أقيل بعد تقليله من قدرات ميدفيديف علنا, وفريق آخر يري أن ميدفيديف كان أحق بالرئاسة. صيغة الديمقراطية البوتينية لم تعد إذن ضامنة للاستقرار وعليه أن يغير جلده إذا كان قادرا علي ذلك. المزيد من أعمدة سجيني دولرماني