هل يوجد هناك أي وجه للشبه بين حالة المتهم حسني مبارك, المحبوس علي ذمة التحقيقات في قضايا القتل والفساد بمصر, ومصير حاكم تايوان السابق تشين شوي بيان المسجون هو وزوجته وأبناؤه وأصهاره بتهم الرشوة وغسل الأموال ؟ ما هي الدروس المستفادة من تجربة تايوان في احترام أحكام القضاء العادل والنزيه وتطبيق القانون بكل شدة وحزم علي الكبير قبل الصغير, لتواصل الجزيرة- الواقعة شرق الوطن الأم في بر الصين- مسيرتها الديمقراطية والتنموية علي جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بكل فعالية وثقة واقتدار؟ هذان السؤالان وغيرهما كانت- في الحقيقة- شغلي الشاغل خلال زيارتي لتايوان في أواخر شهر سبتمبر الماضي, بدعوة من إدارة الإعلام هناك. شاءت الصدفة أن ألمس- علي الطبيعة وميدانيا عندما زرت العاصمة تايبيه للمرة الأولي في سبتمبر عام 2005 هناك حالة من التوتر وعدم الاستقرار الداخلي والإقليمي كانت ترافق حقبة تشين شوي بيان إبان إدارة حزبه التقدمي الديمقراطيالانفصالي دي. بي.بي. للجزيرة خلال الفترة من عام 2000 وحتي رحيله في عام 2008 في زيارتي الثانية- منذ أيام قليلة- لمست حالة مغايرة تماما لتلك الحقبة, حيث الهدوء ومشاعرالثقة المتبادلة- إلي حد ما بين تايبيه وبكين- فضلا عن استتباب مظاهر الاستقرار الإقليمي علي جانبي ضفتي مضيق تايون, تلك الحالة التي لم تكن لتحدث إلا بخلع التطرف ممثلا في شخص تشين شوي بيان وإزاحة حزبه الانفصالي من سدة حكم الجزيرة, عبر صندوق الانتخاب, وبإرادة شعبية حرة ونزيهة, ولتتدفق وتنساب حركة التبادلات السياسية والتجارية والاستثمارية والسياحية والثقافية وغيرها في عموم تلك المنطقة الحيوية من العالم ولدرجة لم تشهد لها مثيلا من قبل. الغريب أن السيد تشين شوي بيان لم يكن انفصاليا متطرفا فحسب, بل انفضح أمره كذلك وأمر زوجته وأبنائه وأصهاره بثبوت تهم الفساد والرشوة والكسب غير المشروع المنسوبة إليهم جميعا وفقا للأحكام النهائية التي أصدرتها بحقهم المحكمة العليا منذ عامين, وها هم جميعا- أو بعضهم- في السجن تنفيذا واحتراما لأحكام القانون. وجه الشبه بين اللص الفاسد تشين شوي بيان والمتهم حسني مبارك أنها المرة الأولي مثلما حدث ويحدث بالضبط في مصر- التي يخضع فيها حاكم تايواني سابق للمحاكمة, وتصدر بحقه وبحق زوجته وأبنائه وأصهاره أحكام بالسجن, وهو ما ننتظر صدوره من قضائنا الشامخ علي أحر من الجمر, قصاصا لدماء شهداء ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة, ولكي تطوي إلي غير رجعة حقبة سوداء من الفساد والاستبداد مرت بها المحروسة علي مدي العقود الماضية. صدرت الأحكام في تايوان ضد الحاكم السابق للجزيرة, بكل سهولة ويسر, وبدون أن يلحظ أحد أي أثر لشهادات الزور أو إخفاء الأدلة أوالشعور بالحساسية لولاءات وارتباطات وأفضال, أو إعطاء الاعتبار للمواقع السياسية والسيادية السابقة للمتهمين, أو حتي حدوث صدامات يقودها أيتام وفلول رأس النظام المخلوع وحاشية الحقبة الفاسدة, أو تجمعات روكسوية- تايوانية مناهضة لشرعية التغيير, اللهم إلا ادعاءات صدرت هنا وهناك أطلقها المتهمون التايوانيون- في حينها وقبل أن تصدر الأحكام بالصبغة السياسية الانتقامية ومحاولة إلصاقها للحكام الجدد, غير أن أحدا في الجزيرة لم يعرها أي اهتمام للثقة المطلقة في عدالة أحكام القضاء. خلال زيارتي الأخيرة لتايوان, حاولت مرارا, ومن باب حب الاستطلاع, جربت أن أسأل أهل الجزيرة عن مشاعرهم تجاه الحاكم المسجون تشين شوي بيان وزوجته, السيدة الأولي المحبوسة وو شوجن المدانة بالرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ, وكذلك الأبناء والبنات المتهمون بالفساد, هل تراود سكان الجزيرة أية عواطف أو أحاسيس بالشفقة تجاه ما جري العرف أن نصفه نحن بعزيز قوم ذل.. فهمت- بعد ذلك- أن أسألتي كانت استفزازية أكثر من اللازم, لأن أهل جزيرة تايوان أصبحوا غير مبالين- بالمرة- بالقضية. هم مشغولون جدا الآن وغدا بما هو أهم.. الإنتاج والتنمية واللحاق بمن سبقتهم من الأمم. فهمت من الإجابات المقتضبة للتايوانيين احترامهم الكامل لأحكام القضاء, ووجوب تنفيذ حكم السجن المؤبد علي الحاكم السابق للجزيرة, ومعاملته هو وزوجته وأبنائه وأصهاره- في الحبس- كغيرهم من المسجونين العاديين, لا أحد مطلقا فوق القانون.. عقبال عندنا!! المزيد من مقالات كمال جاب الله