وكيل "خطة النواب": رئيس المركزى للمحاسبات لم يحضر للمجلس منذ 10 سنوات    وزير الدفاع يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية    متحدث الحكومة يكشف المواعيد الجديدة لقطع الكهرباء خلال فترة الامتحانات: تبدأ غدا    وزير المالية السعودي: عجز الميزانية مقصود ولأهداف تنموية.. وسنواصل الإنفاق الاستراتيجي    نازحون يفرّون من رفح الفلسطينية تحت القصف: صرنا زي الطابة كل يوم في ملعب    نهضة بركان يستعيد مهاجمه أمام الزمالك    ضبط عاطل وراء سرقة مسجد بالشرقية    الكوميديا تسيطر على برومو فيلم بنقدر ظروفك لأحمد الفيشاوى    النيابة تصرح بدفن جثة سيدة دهسها قطار في سمالوط بالمنيا    كاتب صحفي: المقترح المصري للتهدئة في قطاع غزة حظى بردود فلسطينية إيجابية    «مهرجان التذوق».. مسابقة للطهي بين شيفات «الحلو والحادق» في الإسكندرية    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    انطلاق قافلة طبية مجانية لمدة يومين في قرية الحنفي بكفر الشيخ ضمن حياة كريمة    محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية بقرى الرواتب والحسينات وبخانس بأبوتشت    وضع حجر أساس شاطئ النادي البحري لهيئة النيابة الإدارية ببيانكي غرب الإسكندرية    بيان عاجل.. الكهرباء: تعديل جدول تخفيف الأحمال من الغد.. اعرف المواعيد الجديدة    انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الخامس لتحلية المياه بشرم الشيخ    وزير الصحة يؤكد أهمية نشر فكر الجودة وصقل مهارات العاملين بالمجال    سب والدته.. المشدد 10 سنوات للمتهم بقتل شقيقه في القليوبية    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    الشامي: حسام حسن علمني الالتزام في الملعب.. وأخبرني أنني أذكره بنفسه وهو صغير    نشطاء مؤيدون للفلسطينيين يحتلون باحة في جامعة برلين الحرة    البورصة المصرية تربح 11.9 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    كيف يقوم العبد المسلم بشكر ربه على نعمِه الكثيرة؟..د.عصام الروبي يوضح    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    الرئيس الصيني يتعهد ب"عدم نيسان" قصف الناتو للسفارة الصينية في بلجراد    للأمهات.. أخطاء تجنبي فعلها إذا تعرض طفلك لحروق الجلد    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    وزير الري يتابع موقف المشروعات المائية وتدبير الأراضي لتنفيذ مشروعات خدمية بمراكز المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    توقف حركة دخول شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض المسرحية الطويلة بجامعة القاهرة    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    جمهور السينما ينفق رقم ضخم لمشاهدة فيلم السرب في 6 أيام فقط.. (تفاصيل)    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    مدحت شلبي يعلق علي رفض الشناوي بديلًا لمصطفى شوبير    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشريعة الإسلامية‏..‏ ماذا يعني تطبيقها عند الفقيه حسين حسان؟‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 09 - 2011


أجري الحوار‏:‏ مصطفي إمام
بعد اكثر من ثلاثين عاما من حكم مبارك اطاح فيها بدستور البلاد وتعطيل كثير من مواده‏,‏ وتشويه البعض الاخر لضمان استمراره في الحكم‏,‏ عاد الحديث والخلاف يتجدد وبعنف بين التيارات الاسلامية والعلمانية حول تفعيل المادة الثانية من دستور عام1970. التي وضعها الرئيس الاسبق السادات, والتي تنص في جزء منها بعد تعديلها في استفتاء22 مايو عام1980 علي ان مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.. ورغم ان هذا الخلاف ستحسمه تركيبة البرلمان المقبل, ولجنة المائة التي ستضع دستورا جديدا للبلاد.
وبرغم ان هذه المادة تتناول تقنين الشرعية الاسلامية او تعديل القوانين المدنية والجنائية والتجارية وفقا لمبادئ الشريعة الاسلامية, فإن الحوار انزلق بين المختلفين لدروب النزاعات السياسية المبكرة حول شكل الحكم, وحقوق غير المسلمين, ووضع او فرض ما اطلق عليه مبادئ فوق الدستور تغل ارداة الشعب صاحب السلطة الفعلية او تفرض عليه وصاية مسبقة في وضع الدستور, وبرغم انه لايمكن التكهن بمجريات الاحداث المقبلة واذا ما كان سيتم بالفعل في هذه المرحلة تفعيل المادة الثانية او الاستمرار في حالة تجاهل تفعيلها او تاجيل تطبيقها لفترة زمنية, فإنه من الضروري الاستماع لاراء الفقه الاسلامي المعتدل حول تطبيق هذه المادة, وليس أجدر من يتحدث عن ذلك ويكشف اسرار حكاية تقنين الشريعة الاسلامية او تطبيقها في شكل قوانين إلا من شارك في وضع مشاريع تطبيقها, وهو الفقيه الاسلامي الكبير والخبير الشرعي لمجلس الشعب الذي تم تعيينه لهذا الغرض وقتها الاستاذ الدكتور حسين حسان, استاذ الفقه الاسلامي بجامعة القاهرة, والمشارك في تجربة تطبيق الشريعة الاسلامية في باكستان, وفي وضع دساتير وقوانين عدد من دول اسيا الوسطي وفقا للشريعة الاسلامية, والمشارك الفعلي في تحويل العديد من البنوك الربوية لبنوك اسلامية رئيس اللجنة العليا الموحدة للبنوك والمؤسسات المالية بدولة الامارات, وابرز القانونيين والمصرفيين العرب المنخرطين في المعركة الدولية الجارية حاليا لاحلال نظم التمويل الاسلامي محل نظم التمويل الغربية المعتمدة علي الفائدة, التي تتعرض للنقد الشديد بعد تهاوي الاشتراكية الدولية, وترنح النظام الرأسمالي تحت ضربات الازمات المالية والاقتصادية وتعرض بعض الدول بما فيها الولايات المتحدة الامريكية لشبح الافلاس المالي حيث يشغل رئيس مجمع فقهاء الشريعة بامريكا الشمالية وعضو المجلس الاوروبي للبحوث والافتاء.. والي هذا الحوار الذي اقتنصته الاهرام مع الفقيه الاسلامي الكبير خلال اجازة قصيرة له في القاهرة..
في البداية كشف الدكتور حسين لاول مرة تفاصيل مشروع السادات لتطبيق الشرعية الاسلامية, حيث يعتبر اطال الله في عمره الشاهد الوحيد الان علي هذا المشروع بعد وفاة كل من الدكاتره صوفي ابو طالب رئيس مجلس الشعب الاسبق, و جمال العطيفي رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب المصري في ذلك الوقت, ومحمد فرج الصده نائب رئيس جامعة القاهرة الذي يوصف بانه السنهوري الثاني, الذي ادخل كثيرا من احكام الشريعة الاسلامية في قوانين الدول العربية التي قام باعدادها, فقال ان الرئيس السادات ألح مرارا علي الدكتور صوفي ابو طالب والدكتور عبد الرحمن بيصار شيخ الازهر بانه يرغب في تطبيق الشريعة واعادة صياغة القوانين للتوافق مع احكامها, وطلب مني الدكتور صوفي المشاركة في اعداد قانون المعاملات المالية وفقا لاحكام الشريعة, وتم ذلك خلال ستة اشهر, حيث ركزنا علي رفع التناقض بين بعض المواد واحكام الشريعة القطعية, والمواد التي تتصادم رددناها لمصادرها في القران والسنة وفقه الائمة, لتكون هذه المصادر مرجعا للقضاة والمحامين, وتم اعداد مذكرة ايضاحية لمشروع القانون تبين مصادره من الفقه الاسلامي مع مقارنة بقوانين بعض الدول العربية, ووافقت اللجنة التشريعية بمجلس الشعب عليه بالاجماع, وكان يرأسها الدكتور العطيفي, وبتصفيق حاد كما ذكرت المضبطة, الا ان موقف الرئيس السادات تغير فجأة, حيث تم سحب المشروع من المجلس قبل الموافقة عليه مادة مادة, واستبعد الدكتور صوفي من رئاسة المجلس, وتم تعيين الدكتور كامل ليلة مكانه, ثم الدكتور رفعت المحجوب بعد ذلك, الذي رفض طلب بعض اعضاء المجلس اعادة عرض المشروع, وتم قبر المشروع نهائيا.
وترجح عندي الان ان جهات خارجية ضغطت في اتجاه سحب المشروع علي نحو لم يستطع الرئيس معه مقاومة هذه الضغوط حتي تم التضحية بالدكتور صوفي ابو طالب الذي اعتبر ان هذا المشروع اهم انجاز له في حياته. واكتفي الرئيس السادات بالمادة الثانية الواردة حاليا بالدستور دون تفعيلها.
وبمراجعة القانون المدني المصري في ذلك الوقت وجدنا ان معظم مواده لاتخالف النصوص الشرعية الاسلامية القطعية, وانها تتفق مع الفقه الاسلامي في مجموعه, اما المواد التي لم تتفق فقمنا بتعديلها واستبدالها بنصوص توافق الشريعة. ولو استمررنا في هذا المنهج لتم تعديل القوانين وتنقيتها في وقت قصير جدا, ولرفع التناقض بين النص القانوني والنص الشرعي القطعي.
ومن المواد التي تم تعديلها و تضمنها مشروع تقنين المعاملات المالية المادة235 التي تنص علي يقع باطلا كل اتفاق علي تقاضي فوائد مقابل الانتفاع بمبلغ من النقود او التأخير في الوفاء به. تعتبر فائدة مستترة كل عمولة او منفعة ايا كان نوعها اشترطها الدائن اذا ما ثبت ان هذه العمولة او المنفعة لاتقابلها خدمة حقيقية يكون الدائن قد اداها ولا نفقة مشروعة.
ووفقا لهذه المادة يبطل كل نص قانوني وكل عقد او اتفاق يتضمن حكما يناقض احكام الشريعة القطعية.
وقد جاء تحريم الفائدة بنصوص قطعية الثبوت والدلالة في القرآن والسنة, فكان التحريم معلوما من الدين بالضرورة. والامر في النص القرآني لامجال فيه للاجتهاد, حيث يقول الله تعالي يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. كما يقول تعالي واحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهي فله ما سلف وأمره إلي الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. كما يقول تعالي ايضا يمحق الله الربا ويربي الصدقات. ويقول سبحانه للعاصين فان لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله.
ومن المواد التي تضمنها ايضا المشروع بالتعديل, المادة739 من القانون المدني الحالي التي كانت تجيز انواعا من القمار مثل اليانصيب, والتي تعتبر من عقود الغرر, فتم تعديلها للنص التالي: يقع باطلا كل اتفاق علي مقامرة او رهان. بينما استثنت المادة640 من المشروع ما اذا رصد طرف ثالث جعلا او جائزة لمن يفوز بتحقيق هدف او انجاز معين هو من الاعمال النافعة والاكتشافات العلمية والابتكارات او المسابقة او الرماية وهو امر تجيزه الشريعة وتشجعه. كما تم اعادة صياغة عقد التأمين بما يتفق مع احكام الشريعة, فاصبح عقدا تعاونيا عرفته المادة747 من مشروع القانون علي الشكل التالي التأمين عقد تعاون يقدم المؤمن له بمقتضاه اقساطا او اية دفعة مالية اخري لمواجهة حادث او خطر معين ينزل باي من المؤمن لهم فيكون علي المؤمن شركة التامين باعتبارها مديرة لعمليات التأمين ان يؤدي الي المؤمن له او الي المستفيد مبلغا من المال او ايرادا مرتبا او اي اداء مالي اخر في حالة وقوع الحادث او تحقق الخطر المبين في العقد.. وفي المادة745 يجوز لاي جماعة تتعرض لخطر او اخطار معينة ان تنشيء جمعية تامين يتعاون اعضاؤها في تعويض من يناله الخطر منهم من الاشتراك الذي يؤديه كل عضو. بينما قررت المادة748 من نفس المشروع انه تقوم شركة مضاربة بين مجموع المؤمن لهم والمؤمن شركة التامين الذي يتولي ادارة عمليات التأمين واستثمار اموال التامين ويقسم الربح بين الطرفين بنسبة يتفق عليها, ووضعت مشروعا للتأمين الاسلامي عام1986 وهناك ما يزيد علي20 شركة تامين اسلامي حاليا. وبلغ الفائض الذي وزع علي حملة وثائق التأمين في بعض شركات ماليزيا16% من الاقساط التي دفعوها.
اما بالنسبة للنصوص التي تم اضافتها بمشروع القانون المادة3 والتي تنص علي ان نصوص الشريعة الاسلامية القطعية الثبوت تعد من النظام العام في المجتمع, ومن ثم فانه لا يجوز صدور قانون او اتفاق يخالف هذه النصوص. كما تم اضافة المادة171 التي تنص علي يعتبر فعلا ضارا يستوجب المسئولية امتناع الشخص عن تقديم المعونة لحماية الغير من خطر يداهمه في النفس او العرض او المال اذا كان في مقدوره ان يبذل هذه المعونة دون ان يتعرض لخطر.
وهذا النص يفرض علي كل مواطن حماية نفس وعرض ومال الغير اذا تعرض لخطر مادام في وسعه او مقدرته ان يفعل ذلك. وهذه درجة من التعاون والتضامن بين افراد المجتمع نحن في حاجة شديدة لها هذه الايام في ظل ظروف انتشار البلطجة والتعدي علي الغير. وقد سبقت الشريعة الاسلامية في ذلك كل النظم القانونية الوضعية, فقد صدرفي فرنسا في عام1945 قانون عدل بموجبه المادة45 من قانون العقوبات الفرنسي, بحيث اصبح امتناع الشخص عن تقديم المساعدة جريمة اذا كان في استطاعته دون خطر عليه, واعتبر ذلك جناية او جنحة ضد سلامة الغير, بما في ذلك اذا كان يعلم دليل براءة معتقل او محكوم عليه في جناية او جنحة ولا يتقدم للادلاء بشهادته امام القضاء او الشرطة, وفي هاتين الحالتين يعتبر الممتنع من وجهه نظر الاسلام آثما شرعا. وفي عام1965 صدر قانون في امريكا اعتبر كل شخص يري جريمه ولا يبلغ عنها مسئول. واعتبر الامام مالك ان كل شخص مسئول اذا ما مر بجريح ينزف ويستطيع حمله لاسعافه, ولا يفعل أن يتحمل دية وفاته. وهذه هي المواطنة كما قررها الاسلام قبل التشريعات الوضعية.
قلت: ما امكانية تطبيق الشريعة الاسلامية وتفعيل المادة الثانية من الدستورفي ظل الظروف التي تمر بها مصر حاليا؟
قال: هناك اجماع مصري وبين كل الفصائل السياسية علي المادة الثانية من الدستور حتي الاخوة الاقباط لم يرفضوها, لان دين الدولة هو الاسلام وهو هويتها وهذه المادة يخاطب بها الدستور السلطة التشريعية البرلمان التي تسن القوانين وهو يطالبها اذا ارادت ان تسن قانونا عليها ان ترجع للشريعة الاسلامية إلا ان مجلس الشعب لم يرجع خلال العقود السابقة للشريعة عند اصدار اي قانون واذا كان نواب الشعب هم الامناء علي الدستور فهم الاولي بتطبيقه والرجوع للشريعة باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع, ولا يجوز للمجلس ان يرجع لغير ذلك إلا اذا انعدم الحكم او الحل المطلوب في احكام الشريعة باختلاف مذاهبها, وهو فرض محال لان الله سبحانه لم يفرط في الكتاب من شيء. ولتوضيح ذلك فان المقصود بالشريعة هو مجموع المذاهب والاجتهادات التي صدرت عن فقيه مجتهد. والمشرع لايلتزم بمذهب او اجتهاد معين, وله ان يختار من بين الاراء ما يراه محققا للمصلحة ويلبي الحاجات في ظل ظروف المجتمع. وفي الحالات التي لا تجد فيها السلطة التشريعية احكاما مناسبة في الفقه الاسلامي عليها ان تجتهد ولا قيود علي اجتهادها إلا النصوص القطعية الثبوت والدلالة, وذلك ما نصت المادة الثالثة من مشروع تقنين المعاملات المدنية وفق الشريعة الاسلامية ووافقت عليه اللجنة التشريعية بمجلس الشعب ابان رئاسة صوفي ابو طالب للمجلس حيث اعتبرمبادئ الشريعة الاسلامية من النظام العام ولا يجوز مخالفتها.
قلت: في تصورك ما الآلية التي تراها مناسبة لتطبيق الشريعة الاسلامية او تفعيل المادة الثانية من الدستور ؟
_ قال: تعديل القوانين او تنقيتها وفقا لاحكام الشريعة دفعة واحدة عن طريق لجان عادة ما يفشل لكثرة اعداد القوانين, وأري تطبيقها عن طريق القضاء وبالتدرج الهادئ, بان يصدر البرلمان المجلس التشريعي قانونا بناء علي المادة الثانية من الدستور, يوجه للسلطة القضائية, بانه يجوز الطعن امامها علي اي نص قانوني بعدم شرعيته او عدم دستوريته. ويعني ذلك انه يمكن لاي مواطن ان يرفع دعوي امام المحكمة بعدم شرعية اي نص قانوني, وجعل ذلك من دعاوي الحسبة, وبذلك يكون تطبيق الشريعة عن طريق القضاء, واذا ما حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم الدستورية فهذا يعني عدم شرعية القانون. ويمكن تشكيل لجنة من سبعة قضاة وفقهاء شرعيين للنظر في مدي شرعية النص القانوني او القانون نفسه. وفي فترة اتجاه السادات لتطبيق الشريعة الاسلامية صدر قرار من مجلس الشعب بتعييني خبيرا شرعيا بالمجلس لدراسة القوانين قبل اصدارها واعطاء رأي في القانون من الناحية الشرعية, وفعلا راجعت قانونا تحت اسم قانون الحريات العامة, كما قدمت مشروع قانون المعاملات الشرعية الذي قمت باعداده مع المرحوم الدكتور عبد المنعم فرج الصده. وقد قامت تجربة تطبيق الشريعة الاسلامية التي ساهمت في اعدادها علي التطبيق الهادئ الذي يقوم فيه القضاء بدور فعال حيث اعطي القانون لاي فرد الطعن بعدم شرعية القانون او النص المراد تطبيقه عليه اذا كان يناقض نصا قطعي الثبوت والدلالة ويطالب بابطال القانون او النص وتطبيق حكم الشريعة المناسبة عليه, ويدفع القاضي بعدم مشروعية القانون لمحكمة اعلي مكونة من عدد من الفقهاء والقضاة, وتحكم في ذلك خلال60 يوما. فاذا حكمت بالبطلان طلبت من السلطة التشريعية تعديل القانون فاذا مضت مدة محددة ولم تقم السلطة التشريعية بتعديل القانون او النص المخالف بطل هذا القانون و صار حكم الشريعة سابقة واجبة النفاذ في المستقبل. وفي غير ذلك تبقي النصوص القانونية مطبقة دون تغيير ما لم يدفع ببطلانها وعدم شرعيتها. اما القوانين الجديدة فيجب ان تعرض علي لجنة علمية متخصصة قبل عرضها علي البرلمان, وتضم هذه اللجنة فقهاء في الشريعة والقانون والاقتصاد وغيرذلك من التخصصات.
قلت: ما الدور الذي لعبته في تطبيق الشريعة الاسلامية في باكستان ولماذا فشلت هذه التجربة بعد موت ضياء الحق ؟
_ قال: لقد كلفني الرئيس ضياء الحق في عام1988 باعداد مشروع لتطبيق الشريعة وتم اعداد اعلان دستوري ومشروع قانوني متكامل لتطبيق الشريعة وتنقية القوانين مما يخالف احكام الشريعة, وتم اقرار المشروع, وقبل موته في حادث طائرة ارسل لي خطابا علي منزلي باسلام اباد وكنت خارج باكستان يشكرني فيه علي هذا المشروع ويبلغني بالاعلان عن بدء تطبيق الشريعة, الا انه بعد وفاته قامت الحكومة التي جاءت بعده بتعطيل الاعلان الدستوري وتطبيق الشريعة عن طريق المحاكم او القضاء. ولكن خلال عملي مستشارا قانونيا للرئيس نور سلطان نزاربايف رئيس كازاخستان بعد استقلالها ساهمت في اعداد القوانين المكملة للدستور, حيث استوحي الدستور مبادئه من روح الاسلام ومقاصد الشريعة واخلاق المجتمع الكازاخي وإن لم ينص علي ان مصدره وهو الشريعة وقد وافق المجلس النيابي علي هذا الدستور. كما عملت ايضا مستشارا اقتصاديا لرئيس وزراء دولة قيرقيزيا.
قلت: وما حقيقة اشتراكك في محاولة القذافي لتطبيق الشريعة الاسلامية في ليبيا ؟
_ قال: هذه الدعوة جاءت بناء علي دعوة من القذافي لوفد مصري برئاسة الشيخ محمد ابو زهرة الا ان القذافي سأل الشيخ ابو زهرة كيف يمكن للاسلام ان يعدم المرتد أليس ذلك مناقضا لاحترام الاسلام لحرية الانسان والعقيدة.. الا ان الشيخ ابوزهرة رفض الاجابة بسبب الطريقة المستفزة التي تحدث بها القذافي فتدخلت لتهدئة الموقف ولأوضح للقذافي ان الاسلام قرر ذلك حماية للاديان الاخري من عبث البعض, خاصة ان بعض الكفرة كانوا علي عهد الرسول صلي الله عليه وسلم كانوا يفعلون لنشر الفتنة وزعزعة الايمان بين الداخلين الجدد للاسلام, فهذا الحد حماية للاديان السماوية الاخري قبل الاسلام.
قلت: بعض الجماعات الاسلامية التي ترفع راية تطبيق الشريعة تطالب بتغيير نظام الحكم وفق صيغ تراها من وجهة نظرها اسلامية, وهو ما يراه كثيرون اعتداء علي الدولة المدنية الديمقراطية المستقرة منذ دستور عام1923 ويمثل اعتداء علي طوائف دينية اخري بالمجتمع كيف تري ذلك ؟
_ قال: نظام الحكم في الاسلام جاء بمبادئ ولم يات بصيغ او اشكال محددة وترك ذلك للمسلمين علي مر العصور حسب ظروفهم السياسية والاقتصادية والثقافية ليختاروا الصيغة او النموذج الذي يحقق المباديء التي ارساها الاسلام للحكم الاسلامي الرشيد الذي يحقق العدل والمساواة لقوله تعالي امرهم شوري بينهم وان يختاروا من بين الناس القوي الامين. فالاسلام لم يقيد المسلمين بشكل معين للحكم.
والشريعة الاسلامية هي الوحيدة التي جمعت ما بين العقيدة والعبادة ونظام كامل للحياة, اما كل من اليهودية والمسيحية فليس فيهما تنظيم تشريعي قانوني, ولكن عقائد وقيم واخلاق. والشريعة الاسلامية هي الضمان الكافي لغير المسلمين التي تحفظ لهم كرامتهم وتصون لهم حقوقهم وتكفل لهم العدل والضمان الاجتماعي, والاسلام واضح في ذلك طوال14 قرنا, والرسول صلي الله عليه وسلم قال لهم ما لنا وعليهم ما علينا. كما قال من آذي ذميا او كلفه فوق طاقته او انتقصه حقه فانني خصمه يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته اي غلبته. فلماذا الاعتراض علي تطبيق الشريعة الاسلامية وهي تكفل وتضمن حق الغير مثل المسلمين تماما ولماذا نلجأ لفقهاء الغرب للحصول علي قوانين وضعية بينما لدينا شريعة الله التي اعتاد الناس عليها وصارت عرفا. ان الاعتماد علي مبادئ الشريعة الاسلامية في سن القوانين وتنقية القوانين الحالية سيكون حافزا قويا للمواطن علي طاعة القانون واحترامه, ولا نحتاج لرجل الامن لمراقبة طاعة المواطن او خروجه علي القانون, لان المواطن يعلم ان الله هو الذي يراقبه, وانه اذا عصي القانون يكون قد عصي الله, وان القانون يعاقبه.
قلت: هذه تجرنا لمخاوف تطبيق الحدود في ظل مجتمع مثل مصر ينتشر فيه الظلم والجهل بصحيح الدين ويغيب العدل الاجتماعي فكيف تري التطبيق ؟
_ قال: اذا كنت تتحدث عن تضمين الدستور الجديد مواد عن تطبيق الحدود فانه لا مجال في الدستور عن تطبيق حدود او الحسبة او اي اجراءات اخري فهذه مجالها القوانين التي يضعها المجلس التشريعي. واري ألا تطرح هذه الامور عند مناقشة الدستور الجديد. والاسلام اقام نظاما يقوم علي مبادئ الكفاية والعدل ثم حمي هذا النظام بالقانون, وتطبيق الحدود لايمكن ان يتم قبل ان تكفل حد الكفاية وليس الكفاف لكل مواطن مسلم وغير مسلم مقيم في دار الاسلام. واذا كنا نقول نعم للحدود لانها شرع الهه الا انه لا تطبيق للحدود الا بعد اقامة نظام كامل يحقق العدل والمساواة ويرسي منظومة للقيم والاخلاق الفاضلة, بحيث يصبح الخارج علي النظام مريضا نفسيا.. فاذا توافر بعد ذلك شرط الحدود اقيمت, لان الحدود سياج لنظام اسلامي كامل, وحتي يتحقق هذا العدل في المجتمع, هناك عقوبات تعزيرية كالحبس وغيره يحكم بها القاضي في كل قضية لا تتوافر فيها شروط الحدود.
قلت:.. وحقوق الاقلية ؟
_ قال: في كل الدساتير الديمقراطية مبادئ تكفل المساواة والعدالة بين جميع المواطنين, والمادة الثانية من الدستور المصري, التي تنص علي ان الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع, تكفل حقوق المواطنين جميعا, وتسوي بينهم, واذا اصدرت الاغلبية قانونا ينتقص من هذه الحقوق يعد غير شرعي اي غير دستوري ويعتبر باطلا, وفي وجود وتطبيق المادة الثانية من الدستور يحق للاقلية أولاي فرد الطعن في عدم شرعية او عدم دستورية اي قانون ينتقص من هذه الحقوق.
قلت: ما رأيك في الجدل الدائر والخلافات المثارة حاليا بين التيارات السياسية حول وضع مبادئ ما فوق الدستورية تلزم نواب الشعب او لجنة وضع الدستور بعدم الخروج عليها؟
_ قال: المعروض علي ساحة النقاش العام كان التوافق علي الاسس او المباديء التي يقوم عليها نظام الحكم في مصر لتسترشد به لجنة وضع الدستور التي سيختارها نواب مجلس الشعب, وليس وضع مبادئ فوق الدستور تصادر ارادة الشعب الذي يعتبر مصدر السلطات وصاحب الحق الاصيل في اختيار دستوره ونظام حكمه. ولا اعتقد انه بعد الاجماع علي النظام الديمقراطي كخيار وحيد لمصر بعد طول ديكتاتورية واستبداد ان يخرج فصيل او تيار سياسي او لجنة لتصادر ارادة الامة في اختيار دستورها.
ولنكن صرحاء ان تخوف بعض التيارات الليبرالية والعلمانية واليسارية من التيارات الاسلامية مبني علي افتراضات واحكام مسبقة علي النيات والمقاصد ولا يجوز ان تبني عليها نتائج خطيرة تحدد مستقبل مصر. ثم من قال ان التيارات الاسلامية ستحصل علي الاغلبية في مجلس الشعب المقبل. لقد بلغ الشعب المصري سن الرشد وليس من حق احد ان يفرض وصايته عليه بعد ثورته التي تعتبر اكبر دليل علي وعيه ونضجه. اما دعوة البعض باستفتاء الشعب علي المبادئ فوق الدستورية فهو نوع من العبث, لان الدستور كله سوف يعرض للاستفتاء علي الشعب.
قلت: تواجه مصر ازمة تمويل لمشاريع التنمية والاستجابة للطلبات الاجتماعية في ظل تراجع عائدات السياحة وموارد الدولة ومعدلات الانتاج, كيف تري حل هذه الازمة في ظل استبعاد الاقتراض الخارجي ؟
قال: القرار الذي اتخذه المجلس العسكري, بعدم الاعتماد علي الاقتراض من المؤسسات الدولية لحماية استقلال القرار الوطني قرار حكيم, بالاضافة الي ان هذه القروض ربوية, تشكل عبئا ثقيلا علي الاقتصاد وعلي الاجيال المقبلة, كما انها لاتساعد فعليا في تمويل مشاريع التنمية وزيادة الانتاج, والحل اللجوء لنظام التمويل الاسلامي وادواته المالية مثل الصكوك خصوصا لتمويل مشاريع التنمية العامة والخاصة, حيث يتحمل حملة الصكوك انشاء المشروع وتطويره, وتقوم الحكومة او الشركة بدور مدير المشروع, فاذا حقق المشروع ارباحا استحق حملة الصكوك نسبة معلومة من الارباح واذا تعرض للخسارة تحملها حملة الصكوك, ويمكن لمدير المشروع ان يكون مضاربا او شريكا او وكيل استثمار يملك المشروع بشرائه من حملة الصكوك علي اجزاء, مستخدما حصته في الربح او تدبير موارد مالية اخري لدفع الثمن او قد يشتريه دفعة واحدة في نهاية مدة الصك ومصر في حاجة لاصدار قانون يسمح باصدار الصكوك الاسلامية.
هذه الادوات التمويلية الشرعية لاتسهم في زيادة معدل التضخم لانها تنتج سلعا وخدمات تزيد قيمتها عن تكلفة المشروع. بينما ثبت ان التمويل القائم علي الفائدة سبب ما تعرض له النظام الاقتصادي العالمي من ازمات وكوارث اوصلت امريكا واوروبا واليابان ودولا اخري لحافة الافلاس, فهذه الدول تعاني من زيادة ديونها التي أكلت ما يزيد عن90% من دخلها القومي بل ان دولا مثل اليونان واسبانيا والبرتغال زادت ديونها علي الدخل القومي. وكثير من دول العالم تتجه الان بقوة نحو التمويل الاسلامي من خلال اصدار الصكوك لتمويل مشاريع التنمية.
قلت: كيف تري تطبيق اصلاح مالي في مصر في ضوء الشريعة الاسلامية ؟
قال: لابد من الحرص علي تحصيل الزكاة بنسبة25.% من اجمالي رأس المال والارباح, والشركات العقارية تدفع نفس النسبة من اجمالي قيمة الاصول والارباح, بينما العقار السكني لا زكاة عليه, بينما الزكاة تفرض علي الاتجار من بيع وشراء, وان تقوم الدولة بتحصيلها, وهذا يعني اصدار ما يمكن تسميته باقرار الزكاة لكل مؤسسة او مواطن, ومهمة الزكاة هنا اخراج الفقير والمسكين من الفقر للغني حتي يتحقق حد الكفاية علي الدوام, وهذا يعني انشاء مشاريع وتمليكها للفقراء وتوفير أداوت الانتاج والمواد الخام لهم, وان تحرص الدولة علي تحصيل زكاة الزروع والثمار, وهي زكاة عينية, يمكن للدولة بيع الفائض منها لتمويل متطلبات الاحتياجات الاجتماعية, وفي نفس الوقت لابد من اعادة النظر في شرائح الضرائب علي الدخل لتصبح الضريبة علي الدخل تصاعدية لحد معين, وليست نسبة ثابتة كما هي الان تظلم اصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة وتفقرهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة