عبد الناصر... نجومية رغم الرحيل(3) كانت صيحة جمال عبدالناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية مساء يوم السادس والعشرين من يوليو1956 في إطار احتفالات مصر بالذكري الرابعة لثورة يوليو1952 أبرز العناوين المبكرة لتوجهات الثورة المصرية في قيادة دفة الأمة العربية لبدء حركتها الفاعلة باتجاه استعادة ثرواتها المنهوبة, حيث أعلن عبد الناصر قرار تأميم قناة السويس واعتبارها من هذا التاريخ شركة مساهمة مصرية بعد أكثر من ثمانية عقود تحت الوصاية الأجنبية من خلال عقد امتياز كان نموذجا صارخا لعقود الإذعان ولا يختلف كثيرا عن عقود الامتياز الممنوحة للشركات الأجنبية التي تنهب بترول العالم العربي لصالحها! إن دور جمال عبد الناصر- ودون إنكار للعديد من أخطاء مرحلة حكمه- هو الذي فتح عيون الأمة العربية علي حقيقة الترابط العضوي الوثيق بين قضاياها وما يستلزمه ذلك من ضرورة التوصل إلي رؤية عربية مشتركة لمجابهة كل التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, خصوصا بعد أن أثبتت الأحداث- ومازالت تثبت ذلك حتي اليوم- بأن القوي الكبري لم تتخل عن مطامعها في السيطرة علي موارد هذه الأمة من خلال أجندات تتغير أسماؤها حقبة بعد حقبة لكنها تستهدف تكريس واقع التجزئة والفرقة والتشتت والانقسام بين الأقطار العربية مجتمعة وداخل كل قطر عربي علي حدة! إن الذين مازالوا يحملون صور جمال عبد الناصر حتي اليوم يتذكرون ما قدمه الرجل لدعم ثورة الاستقلال في الجزائر ومساندته لتحرير جنوب اليمن وإعادة بعث الاهتمام بالقضية الفلسطينية, فضلا عن شجاعة المحاولة بتفعيل نداء الوحدة العربية عام1958 وإقامة الجمهورية العربية المتحدة بوحدة اندماجية تضم مصر وسوريا حتي يتأكد للجميع أن الوحدة العربية ليست بالحلم المستحيل... ولهذا بقيت هذه التجربة الوحدوية راسخة في الأذهان حتي اليوم رغم جريمة الانفصال التي اغتالت الحلم العربي بعد ثلاث سنوات وسبعة أشهر فقط في يوم28 سبتمبر..1961 وهو نفس اليوم الذي رحل فيه عبد الناصر عن الدنيا بعد9 سنوات في28 سبتمبر1970 وكانت أعلام وشعارات الوحدة العربية هي القاسم المشترك في المسيرات الجنائزية الحزينة التي عمت العالم العربي من المحيط إلي الخليج حزنا علي رحيل رجل أعطي أمته كل شيء ولم يأخذ سوي مليونيات العشق والوفاء المستمرة حتي اليوم. وغدا نواصل الحديث خير الكلام: الشك مطلوب ولكن بشرط عدم تصادمه مع اليقين! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله